في عام 2008 كانت الشرارة الأولى لاندلاع أكبر أزمة مالية عرفها التاريخ الحديث، هي انهيار بنك ليمان برازر الأميركي العملاق. وعقب سماح حكومة بوش الابن بإفلاس البنك، انهارت معه الأسواق الأميركية وبعدها الأوروبية والعالمية والخليجية.
ساعتها شاهدنا مسلسل انهيار 18 بنكا أميركيا في أيام معدودة واختفاء ميريل لينش، عملاق بنوك الاستثمار حول العالم، واختفاء بنك الأعمال "بير ستيرنز" الذي اشتراه "جي بي مورغان تشيس".
كما انهارت عشرات شركات التمويل العقاري الكبرى، ووضعت وزارة الخزانة الأميركية المجموعتين العملاقتين في مجال قروض الرهن العقاري "فريدي ماك" و"فاني ماي" تحت الوصاية مع كفالة ديونهما حتى حدود 200 مليار دولار.
وأمّمت أميركا في ذلك الوقت أكبر مجموعة تأمين في العالم "أي آي جي" التي كانت مهددة بالإفلاس عبر منحها مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك 9.79% من رأسمالها، ودخل الاقتصاد الأميركي في أزمات متلاحقة لم يودعها بعد رغم مرور كل هذه السنوات.
ساعتها وجه بوش الأبن نداء "التحرك فوراً" لتطبيق خطة إنقاذ المصارف لتفادي تفاقم الأزمة في بلاده، وطغت الأزمة المالية على مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي أوروبا أممت الحكومة البريطانية بنوك كبرى منها "نورذرن روك" و"برادفورد وبينغلي"، وجري تعويم "فورتيس" من قبل سلطات بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ.
الآن، هل يتكرر هذا السيناريو، لكن بوجه مصرفي أوروبي هو دويتشه بنك الألماني، الذي بات يعاني من مشاكل مالية خطيرة، لدرجة أن صندوق النقد الدولي وصفه بأنه "البنك الأكثر خطورة على النظام المالي العالمي"، كما تعرضت سمعة البنك لسلسلة هزات زعزعت ثقة الأسواق والمستثمرين به وأدخلته في نفق مظلم ومستقبل مجهول.
ولم يستطع البنك التغلب بعد على تبعات أزمة 2008، حيث إن القروض التي منحها وتقدر بعشرات المليارات من اليوروهات لدول كاليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال لا تزال متعثرة ومشكوك في تحصيلها، كما طاولت البنك سلسلة فضائح مالية وغسيل أموال ومخالفات قانونية كلفته أكثر من 14 مليار دولار، وهو ما دفع إدارته إلى أن تطلب من المستشارة أنجيلا ميركل دعما ماليا يعادل هذه القيمة لتسوية دعاوى قضائية تتهمه بممارسة التضليل في بيع أوراق مالية مدعومة برهون عقارية.
ورغم تغيير إدارة البنك وتطبيق إجراءات تقشفية قاسية، منها إغلاق 200 فرع من فروعه الألمانية البالغة عددها 723 فرعا وتسريح نحو 15 آلف موظف، إلا أن الأزمة مستمرة، وهو ما أدى إلى فقدان أسهمه نحو نصف قيمتها في 2016، يضاف إلى ذلك ضعف رأسمال البنك الخاص واحتياطاته التي تقل بكثير عن المطلوب لمواجهة الأزمات.
أهمية دويتشه بنك تكمن في أنه واحد من أكبر المصارف العالمية، والبنك الأول في ألمانيا، وأبرز البنوك أهمية في التجارة العالمية، كما تعادل شهرته في عالم المال شهرة مرسيدس بنز في عالم السيارات.
وإذا كان البنك العالمي بهذه الأهمية، ما البدائل المطروحة للتعامل مع هذه الكارثة المتوقعة؟
هناك بدائل عدة، منها بيع البنك الضخم، وهذا السيناريو صعب لضخامة أصوله ومشاكله، أو أن تتدخل الحكومة لتعويم البنك والاستحواذ على حصة رئيسية فيه، وهنا ستتحمل الموازنة العامة ودافعو الضرائب التكلفة المطلوبة، والاثنان في غنى عن هذه الخطوة خاصة أن إنقاذ البنوك الألمانية منذ عام 2008 كلف أكثر من 236 مليار يورو، ويمكن للبنك أن يبيع أصولا لبنوك أخرى، وهذه الخطوة في حاجة لوقت طويل وقد لا تؤتي ثمارها سريعاً.
الوضع متأزم داخل البنك الألماني، والقطاع المصرفي الأوروبي والعالمي على اعصابه، وقد يتساءل البعض: لماذا الاهتمام بهذا البنك بالذات، وما الذي يربطنا كعرب بهذا البنك المتعثر؟
والاجابة بسيطة وهي أن هناك مستثمرين عرب يستحوذون على حصة مهمة من أسهم البنك الألماني، وهؤلاء سيتعرضون لخسائر فادحة في حال انهياره وإفلاسه، كما أن هذا البنك العملاق استطاع أن يوفر نحو 52 مليار يورو لتمويل التجارة العربية الأوروبية في 2015.
وفي حال انهيار البنك قد يؤثر ذلك سلباً على التجارة الخارجية بين الدول العربية وألمانيا، إضافة إلى أن أي هزة في الأسواق العالمية تؤثر سلباً على أسواق المنطقة، وأكبر دليل الانهيارات التي طاولت البورصات العالمية والخليجية عقب اندلاع أزمة 2008.