04 نوفمبر 2024
العرب وفرنسا والمركز العربي
ظلت فرنسا حريصةً على أن تخط لنفسها سياساتٍ واضحة تجاه العالم العربي، وهي سياسات تعود جذورها إلى ما قبل الاستعمار الحديث. الحروب الصليبية وغزوة نابليون لمصر لاحقا وغيرها جعلت هذه القوة الاستعمارية آنذاك الأكثر حضورا في البلاد العربية، وربما ساهم احتلالها المبكر الجزائر في صياغة هذا الاهتمام الخاص بالعالم العربي.
كان لفرنسا استشراقها الخاص الأميل إلى تفهم خصوصيات الثقافة العربية، وحتى تذوقها، ولكن الثقافة الفرنسية لم تتورع أيضا عن إنتاج صور نمطية عديدة ظالمة ومضللة عن العالم العربي. وبعد استقلال الدول العربية التي استعمرتها فرنسا، وتحديدا دول المغرب العربي، على غرار الجزائر والمغرب وتونس، اختلفت السياسة الفرنسة تجاه العالم العربي، وظلت تحتكم إلى الحزب الفائز، وتوجهات رئيس الجمهورية المنتخب.
كان الرئيس جاك شيراك آخر الفرنسيين الذين أجلهم الرأي العالم العربي. اتخذ مواقف تحسب له، منها إدانته سياسة إسرائيل الاستيطانية، كما عارض الحرب على العراق. وتذكر مذكرات ساسة فرنسيين، وإسرائيليين أيضا، نشرت أخيرا أنه أبدى تشدّدا في إدانة تلك السياسات. وكانت
الولايات المتحدة الأميركية لا تنظر بعين الاطمئنان إلى المواقف الفرنسية تجاه قضايا العالم العربي. ربما كان هناك "مزاج فرنسي" خاص تجاه قضايا العالم العربي، أو "حساسية فرنسية" تفهم العالم العربي فهما يختلف عن الفهم الأميركي الذي يختزل العالم العربي في مناطق استراتيجية مملوءة نفطا وحقدا على الغرب. كانت فرنسا، الرسمية والشعبية، تقدّر تماما الثقافة العربية، وتسعى إلى فهمها في سياقاتٍ تاريخيةٍ.
على الرغم من كل أخطائها التي ارتكبتها في حق العالم العربي، سواء في تاريخها الاستعماري الدامي، أو مواقفها غير المنصفة أحيانا تجاه القضايا العربية العادلة (في مقدّمها القضية الفلسطينية)، ودعمها الكيان الصهيوني، في أثناء العدوان الثلاثي، كانت فرنسا تحاول جاهدةً أن تعدّل، قدر الإمكان، من تلك السياسات، حتى تبدو أكثر عدلا. حدث ذلك وبأشكال متفاوتة مع الرئيسين، فرانسوا ميتيران وجاك شيراك، ولكن الانعطاف جاء مع المنعرج الذي أحدثه الرئيس نيكولا ساركوزي، حين أعلن، منذ خطاباته الأولى، أن هدف سياساته الخارجية التطابق مع السياسات الأميركية، والانسجام معها، وهو ما حرص على الالتزام به وتجسيده، خلال كامل مدته التي قضاها في الرئاسة. ولم يحد الرئيس ماكرون عن هذه التوجهات التي يبدو أنها استقرت بشكل نهائي.
في هذا السياق، جاءت إقامة فرع للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، طامحا إلى أن يكون جسرا بين العالم العربي وفرنسا، وأوروبا بصفة عامة. يرأس المركز البرفسور المتميز فرنسوا بوقار، ويعمل معه مختصون في قضايا العالم العربي والإسلامي، من فرنسيين (منهم برتاران بادي) وغير فرنسيين، ممن يشهد لهم بالموضوعية والإنصاف. ويدير تنفيذ سياساته المثقف والحقوقي السوري، سلام الكواكبي. ويعلم الجميع أن المهمة جسيمة، وأنها تأتي في سياقاتٍ عرف فيها الموقف الرسمي انزياحا عما عرف به من اعتدال وإنصاف. ولن تكون المهمة سهلة أمام تراكم جبالٍ عالية من الصور النمطية التي شكلت رؤى الساسة وتوجهاتهم، وحتى النخب الثقافية في هذا البلد. يشتغل اليمين الفرنسي واللوبيات المساندة لإسرائيل على تأبيد تلك الصورة، والنظر إليها فقط من أن يمينا متطرّفا تختلط لديه مشاعر كراهية الأجانب مع الإسلاموفوبيا مع الانحياز المفضوح لإسرائيل.
يطلع العرب، نخبهم تحديدا، على ما ينتجه الفرنسيون بشأن العالم العربي. ولكن يبدو أن الحركة في الاتجاه المعاكس منعدمة، لسببين، فقد لا يختلف ما ينتجه العرب عن عالمهم في شيء عما
ينتجه هؤلاء الفرنسيون في تأييد شامل لمقولاتهم، بما فيها الأكثر تحيزا، فكأنهم أكثر ملوكية من الملك ذاته، أو لأن النخب الفرنسية لا تنظر إلا باستعلاء إلى ما تكتبه النخب العربية. وذلك ما يضاعف الحاجة إلى رسالة المركز العربي، المدعوّة إلى إنتاج معرفة موضوعية ورصينة في مختلف المجالات، من شأنها أن تسمع صوت النخب العربية في الوسط الثقافي الفرنسي. وربما شكل معهد العالم العربي بادرة مهمة، لكنها غير كافية، فعلى الرغم من جهوده الكبرى في سبيل أن يقف الفرنسيون على خصوصيات الثقافة العربية (فن تشكيلي، موسيقى، تراث، عمارة ....)، يظل الحيز المعرفي في حاجة إلى دعم، من خلال مبادرات عربية، ومعهد العالم العربي مبادرة رسمية فرنسية، على الرغم من استقلاليتها الإدارية والمالية.
استطاع فرع باريس للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في زمن وجيز أن يحتل مكانته في مشهد ثقافي باريسي ناشط، ففي اليوم الواحد ينعقد أكثر من 50 نشاطا فكريا عالي المستوى. وتمكن المركز في كل هذا النشاط أن يجلب الانتباه، ناسجا مع مخابر البحث والمؤسسات العديدة المختصة في دراسة العالم العربي شراكاتٍ وروابط تعاون وثيقة، على أمل أن يكون منبرا لمعرفة عربية تقدم صورة حول العالم العربي حقيقية.
كان الرئيس جاك شيراك آخر الفرنسيين الذين أجلهم الرأي العالم العربي. اتخذ مواقف تحسب له، منها إدانته سياسة إسرائيل الاستيطانية، كما عارض الحرب على العراق. وتذكر مذكرات ساسة فرنسيين، وإسرائيليين أيضا، نشرت أخيرا أنه أبدى تشدّدا في إدانة تلك السياسات. وكانت
على الرغم من كل أخطائها التي ارتكبتها في حق العالم العربي، سواء في تاريخها الاستعماري الدامي، أو مواقفها غير المنصفة أحيانا تجاه القضايا العربية العادلة (في مقدّمها القضية الفلسطينية)، ودعمها الكيان الصهيوني، في أثناء العدوان الثلاثي، كانت فرنسا تحاول جاهدةً أن تعدّل، قدر الإمكان، من تلك السياسات، حتى تبدو أكثر عدلا. حدث ذلك وبأشكال متفاوتة مع الرئيسين، فرانسوا ميتيران وجاك شيراك، ولكن الانعطاف جاء مع المنعرج الذي أحدثه الرئيس نيكولا ساركوزي، حين أعلن، منذ خطاباته الأولى، أن هدف سياساته الخارجية التطابق مع السياسات الأميركية، والانسجام معها، وهو ما حرص على الالتزام به وتجسيده، خلال كامل مدته التي قضاها في الرئاسة. ولم يحد الرئيس ماكرون عن هذه التوجهات التي يبدو أنها استقرت بشكل نهائي.
في هذا السياق، جاءت إقامة فرع للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، طامحا إلى أن يكون جسرا بين العالم العربي وفرنسا، وأوروبا بصفة عامة. يرأس المركز البرفسور المتميز فرنسوا بوقار، ويعمل معه مختصون في قضايا العالم العربي والإسلامي، من فرنسيين (منهم برتاران بادي) وغير فرنسيين، ممن يشهد لهم بالموضوعية والإنصاف. ويدير تنفيذ سياساته المثقف والحقوقي السوري، سلام الكواكبي. ويعلم الجميع أن المهمة جسيمة، وأنها تأتي في سياقاتٍ عرف فيها الموقف الرسمي انزياحا عما عرف به من اعتدال وإنصاف. ولن تكون المهمة سهلة أمام تراكم جبالٍ عالية من الصور النمطية التي شكلت رؤى الساسة وتوجهاتهم، وحتى النخب الثقافية في هذا البلد. يشتغل اليمين الفرنسي واللوبيات المساندة لإسرائيل على تأبيد تلك الصورة، والنظر إليها فقط من أن يمينا متطرّفا تختلط لديه مشاعر كراهية الأجانب مع الإسلاموفوبيا مع الانحياز المفضوح لإسرائيل.
يطلع العرب، نخبهم تحديدا، على ما ينتجه الفرنسيون بشأن العالم العربي. ولكن يبدو أن الحركة في الاتجاه المعاكس منعدمة، لسببين، فقد لا يختلف ما ينتجه العرب عن عالمهم في شيء عما
استطاع فرع باريس للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في زمن وجيز أن يحتل مكانته في مشهد ثقافي باريسي ناشط، ففي اليوم الواحد ينعقد أكثر من 50 نشاطا فكريا عالي المستوى. وتمكن المركز في كل هذا النشاط أن يجلب الانتباه، ناسجا مع مخابر البحث والمؤسسات العديدة المختصة في دراسة العالم العربي شراكاتٍ وروابط تعاون وثيقة، على أمل أن يكون منبرا لمعرفة عربية تقدم صورة حول العالم العربي حقيقية.