قدم العرب أفلامهم في مهرجان البندقية السينمائي، الذي انعقد ما بين 2 و12 أيلول / سبتمبر الجاري، أعرق تظاهرة سينمائية في العالم.
وجاء المخرجون العرب إلى الدورة الثانية والسبعين للمهرجان بأفلام تعكس هموم المرحلة، حيث العينُ على تحولات المدينة العربية، والصراع الذي يمور تحت أشكال عديدة في الهوامش الاجتماعية.
ومن الدول العربية التي حضرت إلى المهرجان، الجزائر وتونس وقطر والإمارات العربية المتحدة، من خلال ثلاثة أفلام في كل من المسابقة الرسمية، "آفاق"، وفقرة "أيام المؤلفين".
"Abluka"
فيلم تركي من إخراج أمين ألبير، وبطولة محمد أوزكور، بركاي آتس وتولين أوزين، بإنتاج قطري وتركي وفرنسي مشترك.
تنطلق قصة الفيلم مع خروج قادر من السجن بعد خمسة عشر عامًا، وهو الذي سيذهب للبحث عن شقيقه الأصغر أحمد في إسطنبول حيث العنف السياسي في أوجه.
يساعد مسؤول رفيع في الشرطة، ويدعى حمزة، قادر في العثور على عمل كمخبر، حيث يظهر متخصصًا في جمع النفايات، وعليه أن يعرف إن كانت تحوي المواد المكونة لتصنيع القنابل. بيد أن الشقيق الصغير أحمد كان بدوره قد وجد عملًا في بلدية المدينة، ضمن مجموعة متخصصة في مطاردة الكلاب الضالة المنتشرة في الأحياء. تشتبك الأمور حين يدخل مرّة أحمد بيته وينشغل برعاية كلب مصاب، وفي الوقت نفسه يظن قادر أنه مهدد من قبل الإرهابيين، فيلجأ إلى رجل الشرطة حمزة، وينقل له قلقه.
وقد ذكر الناقد السينمائي، غابرييل نيولا، في مقالة نقدية على البوابة السينمائية الشهيرة بإيطاليا "مي موفي"، أن الفيلم "صرخة يائسة من الخوف والذعر، وهو غني بكثير من المواقف التعبيرية القوية... حاول المخرج ألبير أن يبين من خلال فيلمه المطول، الأسباب والتداعيات الأولى التي أسست للواقع المعاش حاليا في تركيا".
اقرأ أيضاً: السينمائيّ البريطانيّ كِنْ لوش يُقاطع إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً
"مدام كوراج"
يعدّ مرزاق علواش، المخرج العربي الجزائري، الوحيد الذي شارك في مسابقة "آفاق" بفيلمه "مدام كوراج" والذي يعني السيدة شجاعة، من بطولة عدلان جميل، لمياء بزواوي، ليلى تيلماتين، بإنتاج مشترك جزائري قطري فرنسي إماراتي.
يعيش في مستغانم في الجزائر، عمر الشاب المراهق، في أحد الأحياء الفقيرة مع والدته وشقيقته العاهرة، التي ينجح أحيانًا في سلب مالها. في إحدى الصباحات العادية، سرق عمر من سلمى قلادة من الذهب، لكن سرعان ما أعادها إلى الفتاة التي ظلت صورتها عالقة في ذهنه. الشاب اليافع مثله كباقي أبناء جيله المدمنين على المخدرات، لكنه كان منغمسًا أكثر في حياة التشرد والإجرام التي أصبحت نهجًا ونمطًا لعيشه غرب العاصمة الجزائرية.
يركز مرزاق علواش في فيلمه على انعدام الأمن والتشنج الاجتماعي في الجزائر، من خلال شخصية عمر، ووالدته وأخته، ومحيطهم السكني، حيث الكثير من الشباب غارقون في "مدام كوراج"، وهي عبارة فرنسية تعني"السيدة الشجاعة"، في إشارة إلى "الكينة" أو "البولة حمرا"، بالدارجة المحلية المغاربية أي الأقراص المهلوسة، التي تدفع عمر، بطل الفيلم للغياب عن وعيه، والتصرف بطريقة عنيفة تجاه أسرته والمجتمع.
وقال الناقد السينمائي الإيطالي، ماركو كيّاني، إن "مرزاق علواش يمضي في معالجة مستفيضة لمضمون فيلمه السابق (الشرفات) الذي شارك به مرزاق في الدورة السبعين لمهرجان البندقية السينمائي، حيث التركيز على انعدام الأمن والتوترات الكامنة في النسيج الاجتماعي من واقع معقد"، ويقول الناقد نفسه في مقالة نقدية إن مرزاق "يريد دق ناقوس الخطر بخصوص مستقبل البلاد، التي هي على أهبة ثورة اجتماعية وسياسية لا يمكن لأحد التنبؤ بنطاقها الواسع".
وتَنافس فيلم "مدام كوراج"، إلى جانب تسعة عشر فيلماً، في مسابقة "آفاق"(أوريزونتي)، التي تهتم بالأفلام الروائية الطويلة وكذلك القصيرة.
على حلة عين
الحضور العربي في مهرجان البندقية تميز بالمشاركة في فقرة "أيام المؤلفين"(دجورناتي ديلّي أوتوري)، من خلال المخرجة التونسية، ليلى بوزيد، بفيلمها "على حلة عين" (ما إن فتحت عيني)، وقد استفاد عملها الفني من صندوق "سند" لدعم الإنتاج السينمائي في أبوظبي. الفيلم من إنتاج مشترك بين تونس وبلجيكا وفرنسا.
تدور أحداث الفيلم في صيف 2010 في تونس، شهور قليلة قبل انطلاق ثورة الياسمين، ضد نظام زين العابدين بن علي.
فرح الشابة (18سنة)، الحاصلة حديثًا على البكالوريا، يكبلها حلم العائلة التي ترى فيها طبيبة المستقبل. هي فتاة تعشق الموسيقى "الثائرة" حتى النخاع، إذ تعمل في فرقة روك. وسترفع صوتها بأغانٍ شبابية ملتزمة. لكنها لم تكتفِ بالغناء بل انضمت ذات يوم إلى ساحات الاحتجاج، حيث شعار "إرحل"، رفقة جماهير جمعة الغضب في شوارع تونس، الممتلئة بجيل مستاء من النظام الديكتاتوري القديم.
لم تأبه فرح لتحذيرات والدتها، حياة، التي كانت تعلم جيدًا المخاطر التي تهدد فلذة كبدها، بسبب جبروت نظام بن علي وعقليته البوليسية، التي يخترق بها احتجاجات الشباب، وكذا قدرته على القيام بهجوم مفاجئ يمكن أن يسبب "موت الياسمين الذي بدأ يزهر ذات ربيع". عبر هذا التشبيه، حددت الأم هدفها الوحيد في الثورة؛ حماية زهرة حياتها، من أن تدهسها "أقدام" أفراد الأمن، في حين كان هدف فرح، الإطاحة بنظام بن علي، لتمثّل فرح البنت "المتمردة"، وحياة الأم "المحافظة"، فترسمان معًا خطين متوازيين لحبكة الفيلم، الذي يظهر جيلين، يصارع كل منهما الزمن لأجل هدف تترصده ثنائية الموت والحياة.
"على حلة عين" أو (ما إن فتحت عيني) كما يحب أن يلقبه بعض النقاد السينمائيين، هو أوّل شريط سينمائي طويل، في مسيرة ليلى بوزيد (30 سنة)، ابنة المخرج، النوري بوزيد، السينمائي التونسي المثير للجدل. تدشن المخرجة الشابة، بمشاركتها في البندقية، لمرحلة جديدة من الشباب المخرجين العرب الذين انخرطوا ما بعد "الربيع العربي"، في البحث عن موقع في المحافل السينمائية الدولية، للمساهمة فنياً في تقديم رؤية مختلفة للواقع العربي إلى العالم، بأسلوب سينمائي ولمسة جمالية جديدة. هكذا تمضي ليلى بوزيد بفيلمها نحو المشاركة في مهرجانات عالمية قادمة مثل تورنتو، وبوزان، وتساهم في تقديم ثورة الياسمين، برؤيتها الإبداعية الخاصة بعيدًا عن ارتباط اسمها باسم والدها.
وجاء المخرجون العرب إلى الدورة الثانية والسبعين للمهرجان بأفلام تعكس هموم المرحلة، حيث العينُ على تحولات المدينة العربية، والصراع الذي يمور تحت أشكال عديدة في الهوامش الاجتماعية.
ومن الدول العربية التي حضرت إلى المهرجان، الجزائر وتونس وقطر والإمارات العربية المتحدة، من خلال ثلاثة أفلام في كل من المسابقة الرسمية، "آفاق"، وفقرة "أيام المؤلفين".
"Abluka"
فيلم تركي من إخراج أمين ألبير، وبطولة محمد أوزكور، بركاي آتس وتولين أوزين، بإنتاج قطري وتركي وفرنسي مشترك.
تنطلق قصة الفيلم مع خروج قادر من السجن بعد خمسة عشر عامًا، وهو الذي سيذهب للبحث عن شقيقه الأصغر أحمد في إسطنبول حيث العنف السياسي في أوجه.
يساعد مسؤول رفيع في الشرطة، ويدعى حمزة، قادر في العثور على عمل كمخبر، حيث يظهر متخصصًا في جمع النفايات، وعليه أن يعرف إن كانت تحوي المواد المكونة لتصنيع القنابل. بيد أن الشقيق الصغير أحمد كان بدوره قد وجد عملًا في بلدية المدينة، ضمن مجموعة متخصصة في مطاردة الكلاب الضالة المنتشرة في الأحياء. تشتبك الأمور حين يدخل مرّة أحمد بيته وينشغل برعاية كلب مصاب، وفي الوقت نفسه يظن قادر أنه مهدد من قبل الإرهابيين، فيلجأ إلى رجل الشرطة حمزة، وينقل له قلقه.
وقد ذكر الناقد السينمائي، غابرييل نيولا، في مقالة نقدية على البوابة السينمائية الشهيرة بإيطاليا "مي موفي"، أن الفيلم "صرخة يائسة من الخوف والذعر، وهو غني بكثير من المواقف التعبيرية القوية... حاول المخرج ألبير أن يبين من خلال فيلمه المطول، الأسباب والتداعيات الأولى التي أسست للواقع المعاش حاليا في تركيا".
اقرأ أيضاً: السينمائيّ البريطانيّ كِنْ لوش يُقاطع إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً
"مدام كوراج"
يعدّ مرزاق علواش، المخرج العربي الجزائري، الوحيد الذي شارك في مسابقة "آفاق" بفيلمه "مدام كوراج" والذي يعني السيدة شجاعة، من بطولة عدلان جميل، لمياء بزواوي، ليلى تيلماتين، بإنتاج مشترك جزائري قطري فرنسي إماراتي.
يعيش في مستغانم في الجزائر، عمر الشاب المراهق، في أحد الأحياء الفقيرة مع والدته وشقيقته العاهرة، التي ينجح أحيانًا في سلب مالها. في إحدى الصباحات العادية، سرق عمر من سلمى قلادة من الذهب، لكن سرعان ما أعادها إلى الفتاة التي ظلت صورتها عالقة في ذهنه. الشاب اليافع مثله كباقي أبناء جيله المدمنين على المخدرات، لكنه كان منغمسًا أكثر في حياة التشرد والإجرام التي أصبحت نهجًا ونمطًا لعيشه غرب العاصمة الجزائرية.
يركز مرزاق علواش في فيلمه على انعدام الأمن والتشنج الاجتماعي في الجزائر، من خلال شخصية عمر، ووالدته وأخته، ومحيطهم السكني، حيث الكثير من الشباب غارقون في "مدام كوراج"، وهي عبارة فرنسية تعني"السيدة الشجاعة"، في إشارة إلى "الكينة" أو "البولة حمرا"، بالدارجة المحلية المغاربية أي الأقراص المهلوسة، التي تدفع عمر، بطل الفيلم للغياب عن وعيه، والتصرف بطريقة عنيفة تجاه أسرته والمجتمع.
وقال الناقد السينمائي الإيطالي، ماركو كيّاني، إن "مرزاق علواش يمضي في معالجة مستفيضة لمضمون فيلمه السابق (الشرفات) الذي شارك به مرزاق في الدورة السبعين لمهرجان البندقية السينمائي، حيث التركيز على انعدام الأمن والتوترات الكامنة في النسيج الاجتماعي من واقع معقد"، ويقول الناقد نفسه في مقالة نقدية إن مرزاق "يريد دق ناقوس الخطر بخصوص مستقبل البلاد، التي هي على أهبة ثورة اجتماعية وسياسية لا يمكن لأحد التنبؤ بنطاقها الواسع".
وتَنافس فيلم "مدام كوراج"، إلى جانب تسعة عشر فيلماً، في مسابقة "آفاق"(أوريزونتي)، التي تهتم بالأفلام الروائية الطويلة وكذلك القصيرة.
على حلة عين
الحضور العربي في مهرجان البندقية تميز بالمشاركة في فقرة "أيام المؤلفين"(دجورناتي ديلّي أوتوري)، من خلال المخرجة التونسية، ليلى بوزيد، بفيلمها "على حلة عين" (ما إن فتحت عيني)، وقد استفاد عملها الفني من صندوق "سند" لدعم الإنتاج السينمائي في أبوظبي. الفيلم من إنتاج مشترك بين تونس وبلجيكا وفرنسا.
تدور أحداث الفيلم في صيف 2010 في تونس، شهور قليلة قبل انطلاق ثورة الياسمين، ضد نظام زين العابدين بن علي.
فرح الشابة (18سنة)، الحاصلة حديثًا على البكالوريا، يكبلها حلم العائلة التي ترى فيها طبيبة المستقبل. هي فتاة تعشق الموسيقى "الثائرة" حتى النخاع، إذ تعمل في فرقة روك. وسترفع صوتها بأغانٍ شبابية ملتزمة. لكنها لم تكتفِ بالغناء بل انضمت ذات يوم إلى ساحات الاحتجاج، حيث شعار "إرحل"، رفقة جماهير جمعة الغضب في شوارع تونس، الممتلئة بجيل مستاء من النظام الديكتاتوري القديم.
لم تأبه فرح لتحذيرات والدتها، حياة، التي كانت تعلم جيدًا المخاطر التي تهدد فلذة كبدها، بسبب جبروت نظام بن علي وعقليته البوليسية، التي يخترق بها احتجاجات الشباب، وكذا قدرته على القيام بهجوم مفاجئ يمكن أن يسبب "موت الياسمين الذي بدأ يزهر ذات ربيع". عبر هذا التشبيه، حددت الأم هدفها الوحيد في الثورة؛ حماية زهرة حياتها، من أن تدهسها "أقدام" أفراد الأمن، في حين كان هدف فرح، الإطاحة بنظام بن علي، لتمثّل فرح البنت "المتمردة"، وحياة الأم "المحافظة"، فترسمان معًا خطين متوازيين لحبكة الفيلم، الذي يظهر جيلين، يصارع كل منهما الزمن لأجل هدف تترصده ثنائية الموت والحياة.
"على حلة عين" أو (ما إن فتحت عيني) كما يحب أن يلقبه بعض النقاد السينمائيين، هو أوّل شريط سينمائي طويل، في مسيرة ليلى بوزيد (30 سنة)، ابنة المخرج، النوري بوزيد، السينمائي التونسي المثير للجدل. تدشن المخرجة الشابة، بمشاركتها في البندقية، لمرحلة جديدة من الشباب المخرجين العرب الذين انخرطوا ما بعد "الربيع العربي"، في البحث عن موقع في المحافل السينمائية الدولية، للمساهمة فنياً في تقديم رؤية مختلفة للواقع العربي إلى العالم، بأسلوب سينمائي ولمسة جمالية جديدة. هكذا تمضي ليلى بوزيد بفيلمها نحو المشاركة في مهرجانات عالمية قادمة مثل تورنتو، وبوزان، وتساهم في تقديم ثورة الياسمين، برؤيتها الإبداعية الخاصة بعيدًا عن ارتباط اسمها باسم والدها.