01 نوفمبر 2024
العقلية الانقلابيّة وحروب الجيل الرابع
عبّر "المنقلب"، غير مرة، عن "أن مصر تواجه حرباً من نوع جديد"، وهي "حروب الجيل الرابع"، وأضاف أحد رجال المخابرات المصريين "حروب الجيل الرابع لها صور متعددة، منها التسجيلات المفبركة، حيث إنها تهدف إلى إشاعة الفوضى، وإدخال الدولة في متاهات، وجعل الشعب يفقد ثقته في النظام". بينما أشاد بعضهم بالتنبيه بشأن خطورة الجيل الرابع من الحروب، موضحاً أن ذلك بمثابة رسالة إلى كل المتربصين بأمن مصر واستقرارها من أعدائها في الداخل والخارج، بعد قيامهم بـ"فبركة تسجيلات"، منسوبة إلى قادة عسكريين مصريين، للنيل من علاقة مصر بدول الخليج والتأثير عليها، بينما اعتبر بعضهم أن هذا حديث عن أشياء لا أصل لها، علماً أو واقعاً، للتغطية على الفشل الذريع الذي يحيط بالدولة.
وقد كشف المنقلب عمّا سمّاها مؤامرة للسيطرة على عقول النخب المصرية، من خلال تمويل قطر وتركيا وتنظيم الإخوان المسلمين مواقع إلكترونية جديدة، بهدف ضرب الاستقرار في مصر، واصفاً تأسيسها بـ"المؤامرة"، وقال إن تلك الوسائل الإعلامية تعمل على "زعزعة الدولة المصرية، وتدمير الشعب المصري قبل تحقيق أهدافه وطموحاته". وأوضح أن هدف هذه المواقع استقطاب العقول المفكرة والنيّرة الموجودة في مصر والدول العربية، بتقديم مقابل مادي لمَن يكتبون من أصحاب هذه العقول فيها، محذراً من أنهم يستهدفون في النهاية التشدّق بالقول: "أصبحت العقول المفكرة والنيّرة الموجودة في مصر والدول العربية في جيبنا".
بل اعتبر أحد من يُسمون الخبراء الاستراتيجيين أن لاختيار رئيس الجمهورية لفايزة أبو النجا مستشارة للأمن القومي في هذا المنصب، دلالة، بما لها من دور بارز في انتصار مصر في حروب الجيل الرابع، مشيراً إلى أنه الوصف العلمي لمخططات التمويل الأجنبي، وأن أبو النجا أول من فجرت قضية الأميركيين الذين ألقي القبض عليهم عام 2012 خلال حكم المجلس العسكري، وقدمتهم للمحاكمة وصدرت الأحكام عليهم، بينما أغفل الحديث عن تهريب المجلس العسكري الفائت المتهمين الأجانب بليل وبمعرفته.
آثرنا أن ننقل كل تلك التصريحات، لما تحمله من "خطورة عقلية" وذهنية عليلة وكليلة، لأنها توجه وتحدد كيفية التفكير بانتحار المنطق، وينطبق هذا الأمر على تعاطى الانقلابيين مع "حروب الجيل الرابع"، وهنا نشير إلى بعض النظرات التي صارت نمطاً للتفكير الانقلابي ومنظومته، حتى صار ذلك تأشيراً على العقلية الانقلابية:
* الانقلابيون ليسوا عميان الفيل، بل هم ينتقون ما يريدون، بتوظيف واستغلال الوضع، لبلوغ المصلحة. إنه التفكير الانتقائي النفعي من خلال العقل المعيشي الذي يتعلق بنفعيته ومصلحته الآنية والأنانية المباشرة. الانقلابيون وظفوا ذلك بجعل مصر في قلب مؤامرة كبرى، حيث يريد النظام الانقلابي تسكين ذاته، ضمن هذه المنظومة، ليحافظ على سلطته وسلطانه.
* الانقلابيون يدمنون سحر نظرية المؤامرة. تكرار كلمة المؤامرة من المنقلب، ومن سدنة الانقلاب، ليس أمرا عفوياً، بل مقصوداً، فهي تحض على حالة من الكسل العقلي والفكري، وهي حالة مريحة. وسحر نظرية المؤامرة يأتي من التبسيط والاختزال واللامنطق والأسطورة والوجدان والخرافة، ومحصّلتها إبراء الذمة، ومن ثم يتم الترتيب على ذلك الكسل والامتناع عن العمل، وخلق حالة من العجز المصطنع. على أقل تقدير، هي تبرر عجز المنقلب ومنظومة الانقلاب.
* وهذا خطاب آخر متكرر من منظومة الانقلاب عن النصر المتوهَّم والعدو المتجدد، التبرير السياسي لا بد له من عدو مصطنع، الانقلاب يرى الأمر نفسه، لا يزال يكرر "الإرهاب المحتمل"، ولا يزال يجدد أشكال عدوه لاصطناع شرعنته وباطله، ويبرر عجزه وفشله في الأداء والإنجاز.
* حينما يحكم الانقلاب ويتحكّم، فإن من أسهل الأشياء أن تستخدم حروب الجيل الرابع كـ"اسطوانة مشروخة"، لأن ذلك يسهم في تبرير الفشل. وهنا، لا أتحدث عن طبيعة نظرية حروب الجيل الرابع، بل تلقي النظرية وكيفية استغلالها، حيث تقوم على الإعفاء من المسؤولية، وهي تختص بالأنظمة والانقلابات، حيث الانتقال من فشل إلى فشل يتم بيسر وسلاسة، وربما القبول ومن دون مساءلة، فذلك الفشل مبرر في عرفهم، لأنه قياس على الخط الهابط من السيئ إلى الأسوأ، (مش أحسن ما نكون سورية والعراق).
* الانقلاب يهدف إلى تعميم الغباء وانتحار المنطق. الأمر يقوم على تبادل القبول للمستحيل والتغاضي عن الأخطاء. فتعميم الغباء شيء خطير جداً في السياسات الإنقلابية، بيئة الكلام تفترض الغباء في المتلقي والاستخفاف به. وللأسف، إن بعض المثقفين والأكاديميين يمارسون قاعدة "إن لم تكن غبياً فلتتغابى، وإن لم تكن قزماً فلتتقازم"، هؤلاء هدفهم تعميم الغباء وانتحار المنطق.
* التفكير بالأماني وتصديق الأوهام. نظرية الأماني في الداخل، كالعلاج بالكفتة، والخروج من وهمٍ إلى وهم، وهكذا. صناعة الأوهام وبيع الأحلام، ومع كل هذا التكرار، تكون هناك قابلية للتصديق فترة، وصار هؤلاء ينتقلون من وهم إلى وهم، بل معظم هؤلاء في انتظار وهم جديد.
بعض الناس، ومنهم الانقلابيون، يتخذون موضوع حروب الجيل الرابع بشكل هزلي، لتبرير الفشل وتبرير أمور كثيرة، وإبراء الذمة، والامتناع عن الفعل، والصياح، المرة تلو المرة، "إنها المؤامرة". فضلاً عن ذلك، تقوم عقلية الانقلاب بسرقة المقاومة، فالمنقلب لا يقول عن فعله إنه منبطح، ولكن، يقول أنا أقاوم. ومن ثمة، فاصطناع هذه الكلمات وسرقتها وملئها بفعل واهن، يقوم بتحويل الكلمة، مع عظمتها التي تفجّر الطاقات، إلى كلمة منزوعة الفتيل، أو منزوعة التأثير، إن صح هذا التعبير.
ويقوم هؤلاء بتغيير الكلمات؛ لأن كلمة "المؤامرة" أصبحت، الآن، كلمة سيئة السمعة، ذات حمولة سلبية؛ ومعظم الناس هاجمت المؤامرة ونظرية المؤامرة، فوجدوا ضالتهم في "حروب الجيل الرابع"، كلمة مستجدّة تحلو لهم، وتخيل على الآخرين، ولكن، تجمع بين المؤامرة والمقاومة الزائفة والانبطاح الفعلي والغباء والاستخفاف والإهانة والاستهانة، وإبراء الذمة وتبرير الفشل. فهذه هي حروب الجيل الرابع، وفق العقلية الانقلابية، كنز اكتشفه الانقلابيون، لتبرير غصبهم وبطشهم وعجزهم وفشلهم.
وقد كشف المنقلب عمّا سمّاها مؤامرة للسيطرة على عقول النخب المصرية، من خلال تمويل قطر وتركيا وتنظيم الإخوان المسلمين مواقع إلكترونية جديدة، بهدف ضرب الاستقرار في مصر، واصفاً تأسيسها بـ"المؤامرة"، وقال إن تلك الوسائل الإعلامية تعمل على "زعزعة الدولة المصرية، وتدمير الشعب المصري قبل تحقيق أهدافه وطموحاته". وأوضح أن هدف هذه المواقع استقطاب العقول المفكرة والنيّرة الموجودة في مصر والدول العربية، بتقديم مقابل مادي لمَن يكتبون من أصحاب هذه العقول فيها، محذراً من أنهم يستهدفون في النهاية التشدّق بالقول: "أصبحت العقول المفكرة والنيّرة الموجودة في مصر والدول العربية في جيبنا".
بل اعتبر أحد من يُسمون الخبراء الاستراتيجيين أن لاختيار رئيس الجمهورية لفايزة أبو النجا مستشارة للأمن القومي في هذا المنصب، دلالة، بما لها من دور بارز في انتصار مصر في حروب الجيل الرابع، مشيراً إلى أنه الوصف العلمي لمخططات التمويل الأجنبي، وأن أبو النجا أول من فجرت قضية الأميركيين الذين ألقي القبض عليهم عام 2012 خلال حكم المجلس العسكري، وقدمتهم للمحاكمة وصدرت الأحكام عليهم، بينما أغفل الحديث عن تهريب المجلس العسكري الفائت المتهمين الأجانب بليل وبمعرفته.
آثرنا أن ننقل كل تلك التصريحات، لما تحمله من "خطورة عقلية" وذهنية عليلة وكليلة، لأنها توجه وتحدد كيفية التفكير بانتحار المنطق، وينطبق هذا الأمر على تعاطى الانقلابيين مع "حروب الجيل الرابع"، وهنا نشير إلى بعض النظرات التي صارت نمطاً للتفكير الانقلابي ومنظومته، حتى صار ذلك تأشيراً على العقلية الانقلابية:
* الانقلابيون ليسوا عميان الفيل، بل هم ينتقون ما يريدون، بتوظيف واستغلال الوضع، لبلوغ المصلحة. إنه التفكير الانتقائي النفعي من خلال العقل المعيشي الذي يتعلق بنفعيته ومصلحته الآنية والأنانية المباشرة. الانقلابيون وظفوا ذلك بجعل مصر في قلب مؤامرة كبرى، حيث يريد النظام الانقلابي تسكين ذاته، ضمن هذه المنظومة، ليحافظ على سلطته وسلطانه.
* الانقلابيون يدمنون سحر نظرية المؤامرة. تكرار كلمة المؤامرة من المنقلب، ومن سدنة الانقلاب، ليس أمرا عفوياً، بل مقصوداً، فهي تحض على حالة من الكسل العقلي والفكري، وهي حالة مريحة. وسحر نظرية المؤامرة يأتي من التبسيط والاختزال واللامنطق والأسطورة والوجدان والخرافة، ومحصّلتها إبراء الذمة، ومن ثم يتم الترتيب على ذلك الكسل والامتناع عن العمل، وخلق حالة من العجز المصطنع. على أقل تقدير، هي تبرر عجز المنقلب ومنظومة الانقلاب.
* وهذا خطاب آخر متكرر من منظومة الانقلاب عن النصر المتوهَّم والعدو المتجدد، التبرير السياسي لا بد له من عدو مصطنع، الانقلاب يرى الأمر نفسه، لا يزال يكرر "الإرهاب المحتمل"، ولا يزال يجدد أشكال عدوه لاصطناع شرعنته وباطله، ويبرر عجزه وفشله في الأداء والإنجاز.
* حينما يحكم الانقلاب ويتحكّم، فإن من أسهل الأشياء أن تستخدم حروب الجيل الرابع كـ"اسطوانة مشروخة"، لأن ذلك يسهم في تبرير الفشل. وهنا، لا أتحدث عن طبيعة نظرية حروب الجيل الرابع، بل تلقي النظرية وكيفية استغلالها، حيث تقوم على الإعفاء من المسؤولية، وهي تختص بالأنظمة والانقلابات، حيث الانتقال من فشل إلى فشل يتم بيسر وسلاسة، وربما القبول ومن دون مساءلة، فذلك الفشل مبرر في عرفهم، لأنه قياس على الخط الهابط من السيئ إلى الأسوأ، (مش أحسن ما نكون سورية والعراق).
* الانقلاب يهدف إلى تعميم الغباء وانتحار المنطق. الأمر يقوم على تبادل القبول للمستحيل والتغاضي عن الأخطاء. فتعميم الغباء شيء خطير جداً في السياسات الإنقلابية، بيئة الكلام تفترض الغباء في المتلقي والاستخفاف به. وللأسف، إن بعض المثقفين والأكاديميين يمارسون قاعدة "إن لم تكن غبياً فلتتغابى، وإن لم تكن قزماً فلتتقازم"، هؤلاء هدفهم تعميم الغباء وانتحار المنطق.
* التفكير بالأماني وتصديق الأوهام. نظرية الأماني في الداخل، كالعلاج بالكفتة، والخروج من وهمٍ إلى وهم، وهكذا. صناعة الأوهام وبيع الأحلام، ومع كل هذا التكرار، تكون هناك قابلية للتصديق فترة، وصار هؤلاء ينتقلون من وهم إلى وهم، بل معظم هؤلاء في انتظار وهم جديد.
بعض الناس، ومنهم الانقلابيون، يتخذون موضوع حروب الجيل الرابع بشكل هزلي، لتبرير الفشل وتبرير أمور كثيرة، وإبراء الذمة، والامتناع عن الفعل، والصياح، المرة تلو المرة، "إنها المؤامرة". فضلاً عن ذلك، تقوم عقلية الانقلاب بسرقة المقاومة، فالمنقلب لا يقول عن فعله إنه منبطح، ولكن، يقول أنا أقاوم. ومن ثمة، فاصطناع هذه الكلمات وسرقتها وملئها بفعل واهن، يقوم بتحويل الكلمة، مع عظمتها التي تفجّر الطاقات، إلى كلمة منزوعة الفتيل، أو منزوعة التأثير، إن صح هذا التعبير.
ويقوم هؤلاء بتغيير الكلمات؛ لأن كلمة "المؤامرة" أصبحت، الآن، كلمة سيئة السمعة، ذات حمولة سلبية؛ ومعظم الناس هاجمت المؤامرة ونظرية المؤامرة، فوجدوا ضالتهم في "حروب الجيل الرابع"، كلمة مستجدّة تحلو لهم، وتخيل على الآخرين، ولكن، تجمع بين المؤامرة والمقاومة الزائفة والانبطاح الفعلي والغباء والاستخفاف والإهانة والاستهانة، وإبراء الذمة وتبرير الفشل. فهذه هي حروب الجيل الرابع، وفق العقلية الانقلابية، كنز اكتشفه الانقلابيون، لتبرير غصبهم وبطشهم وعجزهم وفشلهم.