وأوضح هؤلاء أن بعض العمال بدأوا بالعودة مرّة أخرى إلى مصر، فيما تصر الغالبية العظمى من العمال على البقاء بعد نزوحها من المناطق الخطرة إلى المناطق الشرقية في ليبيا، والبعيدة عن ساحات القتال، مثل درنة والبيضاء وطبرق، تجنباً لنيران القتال الدائر هناك، وهرباً من البطالة في مصر، وللحفاظ على "لقمة العيش". في حين ناشدت الحكومة المصرية المواطنين عدم السفر إلى ليبيا.
وتشهد ليبيا اضطرابات شديدة، أدت إلى مقتل 23 مصرياً، قبل أسبوع، إثر سقوط صاروخ على مسكنهم.
خطورة ومعاناة
وقال جاد عبد الجابر أحد العمال المقيمين في ليبيا لـ "العربي الجديد": إن أوضاع العمال المصرين سيئة في ليبيا، موضحا أن معظم العمال المصريين تركوا المناطق الساخنة مثل بنغازي وإجدابيا وانتقلوا إلى مناطق هادئة نسبيا مثل طبرق والبيضاء ودرنة ومساعد.
وأشار إلى أن بعض العمال الذين حصلوا على كامل مستحقاتهم المالية قرر بعضهم العودة إلى مصر، فيما فضل البعض الآخر ترك الأماكن المشتعلة بالقتال إلى مناطق أخرى أكثر آمنا لحين استقرار الأوضاع، رافضين العودة.
ولفت النظر إلى أن المصريين يتعرضون كل يوم لكل أشكال العنف نتيجة للأوضاع الأمنية غير المستقرة، حتى أن شقيقين اعتدى مجهولون عليهما قبل عدة أيام أثناء عودتهما من عملهما، وطلبوا فدية بعد أن أصابوهما بجروح خطيرة، مضيفا أن "هذه ليست الحادثة الأولى، وكل يوم نسمع حكاية مشابهة لعمال مصريين تعرضوا للضرب والخطف والإهانة".
عمليات حجز واعتقال
وقال محمد سيد علي، عامل بناء مصري مقيم في ليبيا، حاليا، في تصريحات لـ "العربي الجديد": إن "الأوضاع هنا سيئة للغاية".
وأضاف، "لا يمر يوم بدون عمليات قتل أو احتجاز أو اعتقال لمصريين في ليبيا بلا أيّ ذنبٍ، وسط عجزٍ من جانب البعثة الدبلوماسية المصرية في طرابلس".
وقال: "الحكومة الليبية لا تستطيع حمايتنا وليبيا تعيش حاليا تحت رحمة المليشيات المسلّحة التي تفرض إرادتها وقراراتها، ليس فقط على العمال المصريين البسطاء بل على تفاصيل الحياة اليومية كلها".
وأوضح أن العمال المصريين يعملون في ليبيا تحت حماية كفلائهم الليبيين، ويقيمون بجوار منازلهم، موضحا "كل عامل مصري يكون تحت حماية الليبي الذي يعمل لديه نهارا، أما ليلا فكل عامل مسؤول عن نفسه".
وقف المشاريع
وقال سعد خليفة الترهوني، مصري حاصل على الجنسية الليبية، لـ “العربي الجديد”: إن المصريين اللذين لديهم محلات تجارية ومصانع في ليبيا، أصبحت مصالحهم مهددة بشكل مباشر في ظل التصعيد المتواصل في كافة المدن والمحافظات الليبية، وإن عشرات المشاريع توقفت خلال الفترة الماضية بسبب تخوف العمال من الأوضاع القاسية التي تمر بها ليبيا.
وأوضح أن عددا غير قليل من أصحاب المحلات المصرية أقفلوا محلاتهم، خاصة، في المناطق الساخنة، والبعض الآخر فضل الاستمرار في العمل للحفاظ على مصدر رزقه القليل بعد توقف حركة البيع والشراء بسبب انهيار عدد كبير من الصناعات خلال الفترة الماضية.
وقال فايز عبد الفضيل مصري، مقيم في بنغازي منذ نحو 15عاما وصاحب محل منظفات صناعية، لـ "العربي الجديد": إنه اضطر إلى غلق محله نظرا للتوترات الشديدة التي تشهدها المدينة، مفضلا البقاء في ليببا رغم عدم ممارسته للعمل وانتظارا لعودة الهدوء مرّة أخرى.
وأشار إلى أن عشرات الآلاف من العمالة المصرية فضلوا العودة إلى مصر عن الاستمرار تحت القصف المستمر، ويجازف عدد كبير من هذه العمالة بأرواحهم تحت ضغوط الحياة الصعبة التي تنتظرهم حال العودة إلى مصر.
وتابع "غالبية العمالة المصرية تعمل في مجال المقاولات والإعمار في ليبيا، وهذا القطاع يشهد أزمات حادة وخانقة تبدأ بعدم وجود عمالة كافية وتنتهي بعدم الاستقرار الأمني، إضافة إلى الانقطاع المستمر للمياه والكهرباء، ما دفع كثيرا من المصريين إلى تجميد أنشطتهم وأعمالهم إلى حين تحسن الأوضاع هناك".
وقال عزمي علي، عامل مصري (نجار) ومقيم حاليا بمنطقة المرج في ليبيا لـ "العربي الجديد": إن عددا كبيرا من العمال من أبناء قريته قرروا الرحيل من بنغازي إلى المرج باعتبارها أكثر هدوءا وأمنا.
توجيهات بعدم السفر
ووجهت الخارجية المصرية تحذيرات لجميع المواطنين من عدم السفر مطلقاً إلى ليبيا في الوقت الراهن حرصاً على سلامتهم، كما طالبت أبناء الجالية المصرية توخي أقصى درجات الحرص والحذر والابتعاد عن مناطق التوتر التي تشكل تهديداً مباشراً لأرواحهم، خاصة في مدينتي بنغازي وطرابلس.
وقال المتحدث الإعلامي باسم وزارة القوى العاملة والهجرة، ياسر الشربيني، في بيان صحافي: إن الوزارة على تواصل دائم مع العاملين فى ليبيا من خلال المستشار العمالي ومكاتب العمل هناك، ومكاتب التمثيل العمالية الموجودة فى مدينتي بنغازي وطرابلس، للوقوف على المشاكل التى يعانى منها العمال أو المخاطر التى يتعرضون لها.
وتعرض منزل يسكنه عمال مصريون لسقوط صاروخ أدى الى مقتل 23عاملا، وقبل هذا الحادث بأيام قليلة لقي ثلاثة عمال مصريين مصرعهم جراء الاشتباكات الواقعة بحي مشروع الهضبة الزراعي جنوب العاصمة الليبية طرابلس أثناء قصف المنطقة بصواريخ غراد، وإصابة مخزن يقيمون به بصاروخ أدى إلى مقتلهم.
وقبلها بيومين قتل عاملان مصريان إثر سقوط 6 صواريخ على أحد المنازل المقيمين بها أمام منطقة بوعطني المقابلة لمعسكر القوات الخاصة في بنغازي.
وهذه الوقائع لم تكن الأولى أو الثانية، بل سبقتها وقائع أسوأ، ففي فبراير/تشرين الماضي حدثت المجزرة التى أودت بحياة سبعة مواطنين مصريين يعملون في مجال البناء بمدينة بنغازي على أيدي مسلّحين مجهولين، وخلفت الواقعة غضبا شعبيا في مصر، فضلًا عن تعهد مسؤولين بتحسين وضع العمالة المصرية بالخارج، لكن الوضع ظل كما هو.