(1)
"إنها كلمة حق، وصرخة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، فقد تذهب غداً بالأوتاد"
الشيخ الثائر عبدالرحمن الكواكبي (1271-1320هـ / 1855-1902م).
(2)
"أثناء هروبهم قام اثنان باستقلال سيارة أجرة، وكان يبحث عنهم بالاشتراك مع أحد أفراد الأمن، فلما أراد تسليمهم للأمن هرب واحد وتم القبض على الثاني، فاعترف بالتفاصيل وأرشد إلى مكان الباقين".
ما سبق ملخص ما حدث في محاولة اغتيال، ما سمي بقاضي أحداث مكتب الإرشاد.
باقي القصة، أن القائمين بالعملية عادوا ليختبئوا في أحد الأماكن المعلومة لزميلهم، فقام الأمن بمداهمة المكان وقام "بتصفيتهم".
انتهت القصة.
(3)
"سلميتنا أقوى من الرصاص" حملت منصة رابعة عبثاً ولغواً بالغيْن، إلا أن هذه الجملة أصحّ وأصدق ما قيل، ولكنها ما لبثت أن تغيرت لتصير "كل ما دون الرصاص سلمية" والآن "دم بدم".
بدأت ما تسمى بـ "العمليات النوعية" تفاعلاً مع الإجرام والعنف الأمني، وربما يظل مفهوماً أن مجابهة التوحش تحتاج للخروج عن إطار السلمية، إلا أن ما كان مفهوماً لا يشترط فيه أن يكون مقبولاً، ولا يزال الجدل قائماً حول حمل السلاح، ومن غير الممكن حسمه على الأقل في الأجل المنظور، رغم كل التبعات المترتبة عليه.
(4)
في إحدى المدن الجديدة تحركت مجموعة لأجل إحدى تلك العمليات، ولم ينتبه الذي يقوم بالمراقبة بوجود سيارة تابعة للشرطة في المكان، فلما وصلت المجموعة حدث تبادل لإطلاق النار، وأصيب أحد أفراد المجموعة، إلا أنه أثناء وقوعه سقط منه هاتفه المحمول.
انتهت تلك القصة أيضاً، وبإمكانك أن تعرف باقيها.
(5)
ما يحدث، أن هناك من يدعم حمل السلاح بل ويوفره، في ظل السخط الشديد من الجرائم الأمنية، ويرافق ذلك عبث بأرواح وحريات من يتم الزج بهم في هذا الأتون المهلك، والذي يبدو أنهم يحملون قدراً من السذاجة تجعل سلوكهم في هذا الطريق نهاية حياتهم بشكل كلي أو معنوي.
ففي حادثة القاضي ذهب المهاجمون بـ "المواصلات"، واختبأ الباقون في مكان معلوم من أحد زملائهم، الذي لن يتحمل العذاب، قطعاً، وسيرشد إلى أماكن الاختباء، والأخرى ذهب أحدهم بهاتف نقال عليه ما يكفي لسحق كل من اقترب منه، تلك السذاجة المفرطة تبين صفات من يتم الزج بهم، وأنهم مظلومون قبل كونهم "جناة" أو "سيوفاً للعدالة"، وليس مقبولاً أن يستمر الدفع بالشباب في تلك الدوامة العبثية.
ترى أن السلمية قاتلة، إذًا فاذهب بنفسك لحمل السلاح وتحمل تبعاته أمام الله والمجتمع، لا أن تقوم بإذكاء تلك الروح بين الناس وتقبع بعدها في دارك، ولا تدفع غيرك للسلاح لتنتهي حياته في لحظة، أو يتعرض لأهوال لا قبل لأحد بها.
(6)
ما يتم التهامس حوله، أن أغلب عمليات القتل التي تقوم بها الداخلية مرتبطة بالمتورطين في حمل السلاح، ولا يمكن الجزم بصحة هذا، لأن الداخلية أصلاً مجرمة ولا تحتاج مبرراً للقتل، فالجنائيون يموتون كما السياسيون، وكذلك لأن حاملي السلاح غير معلومين بالجملة، فلذا يصعب الجزم بصحة ما يتم التهامس حوله، لكن إن صح ذلك الكلام الهامس فمسؤولية الدم لن تكون مقصورة على القتلة من السلطة.
رسالة السلطة لمن اختار هذا الطريق تظل محدودة، فالجمهور المعارض لا يعلم سوى أن المقتول مغدور، وأن المقتول نبيل الطبع لا يمكن أن ينخرط فيما تزعمه عصابة الحكم، فيسعى في درب السلاح آخرون انفعلوا بالقتل والإجرام، لتنقلب الرسالة من رادعة لدافعة.
ربما يتعلق إشكال المكتوب، بحالة الشحن التامة ضد لفظ السلمية، وكذلك ضد "تفهّم" الرغبة في حمل السلاح ممن وجد نفسه مظلوماً ولا معين له أو سند سوى ذراعه، فالسلطة هي التي ترسخ تلك المفاهيم بعنجهيتها وكبرها وإجرامها وتوحشها، لكنْ الإشكالان يتقزّمان أمام تبعات ما يجري من تصفية في الشوارع، وفي المقابل اعتداءات على أفراد مقصودين تطال أبرياء لم يرتكبوا ذنباً.
ذلك الملف لم يتم فتحه علناً لأسباب عدة، ربما للرضى بما يحدث، أو خوف من هجوم غير مسبوق، أو تخوين للرافض له، أو درء لشبهة معرفة بعض ما يدور في ذلك الجانب الخفي -والحق أنه خفي على الكل عدا الأمن الذي يعتقلهم أو يصفيهم فرداً تلو الآخر- وفتحه الآن وفي كل وقت لإزالة ما علق به من خطأ وخلط مهم بقدر أهمية إزالة السلطة الفاسدة المستبدة الغاشمة، وعصمة دماء الأبرياء أو الطيبين السذج الذين تورطوا فيما لا يقدرون عليه مطلوبة بنفس ذلك القدر أيضاً "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
(7)
إسلام عطيتو طالب في كلية الهندسة، تم اقتياده من أمام كليته بعد تأديته الامتحان، وفي اليوم التالي أعلنت وزارة القتل أن إسلام تمت "تصفيته" أثناء تبادل إطلاق النار بعد معرفة مكان اختبائه في التجمع الخامس، في كذب مفضوح منها وتبجح لا نظير له.
جثة إسلام، رحمه الله، حملت آثار تعذيب شديد في جسده، وتم إطلاق عدة رصاصات عليه، إحداهن اخترقت جنبه وخرجت من الآخر، والأخرى اخترقت صدره وظهره، وأخرى في رأسه من أعلى، ولك أن تتخيل حجم العذاب والرعب الذي عاشه حتى وهو في لحظته الأخيرة.
انتهت تلك القصة أيضاً، أمّا الذي لم ينتهِ بعد، الرماد القابع تحت نار.
(مصر)