05 يونيو 2017
العودة إلى فلسطين
هناك ما يشبه الانتفاضة في فلسطين، إذ تنفذ مجموعة من الفلسطينيين عمليات بطولية، بالسلاح الأبيض، ضد مجموعة من المحتلين والمستوطنين. وسيلة جديدة لمقاومة الاحتلال، ومقاومة الواقع المتردي والنسيان وتصفية القضية، لكنها، وما تنتجه من مواجهات وشهداء، لا تصبح قضية رأي عام في الوطن العربي، ولا تشغل أخبارها وتطوراتها العرب، كما كانت تفعل أحداثٌ مماثلة سابقاً، فلم يتغير موقع أخبار القضية الفلسطينية ضمن سلم النشرات الإخبارية العربية، ولم تفرد لها مساحة كبيرة، أو تُعطى أولوية، وكما هو واضح، فقد غطّت أخبار الساحات العربية المشتعلة بصراعاتها الدامية، على الخبر الفلسطيني، ولم تعد قضية العرب المركزية ملهبة للحماسة والعاطفة الجماهيرية، إذ إن الجماهير في موقع آخر، وتحت تأثير صدمات عديدة ومتوالية، لا تجعلها تصل حتى إلى حالة التعاطف الشاملة، حين وقعت الانتفاضة الثانية، وأصبح محمد الدرة أيقونة عربية.
ما نشهده هو نتاج النكبات المتوالية على فلسطين وقضيتها، وبعد ما يقارب مائة عام على وعد بلفور، نجد في فلسطين إحباطات كبيرة، نتجت من نكبة إنشاء الكيان الصهيوني، مروراً بنكبة التخلي العربي عن فلسطين، وترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم، ابتداءً من اتفاقية كامب ديفيد، وصولاً إلى نكبة أوسلو، وما أنتجته من سلطة هشة وفاسدة، وزيادة في معدلات الاستيطان، وتنسيق أمني مع الكيان الصهيوني، ومحاولة لإجهاض ما تبقى من مقاومة في فلسطين، وهذا يجري بتعاون بعض العرب أيضاً مع الصهاينة. في هذه الأجواء، يعبّر الفلسطينيون عن غضبهم، ويتفجر إحباطهم على شكل عملياتٍ ضد مجاميع المحتلين أرضهم، ثأراً لكرامتهم، وفي هذا إشارة إلى رفض قتل القضية، واستمرار النضال بأشكال مختلفة، حتى لو لم تكن ضمن استراتيجية تحرير شاملة، إذ إن الواقع العربي، كما الواقع داخل فلسطين المحتلة، لا يسمح بأكثر من مقاومة قتل القضية، والعمل على إبقائها حيّة.
لا بد من التذكير بأمرين، يتناساهما بعض من انشغلوا بالصراعات في الساحات العربية، وبدأوا يرون في كوارثها الدامية ما يفوق فلسطين في الأهمية والتأثير، الأول أن فلسطين ليست قضية قمع لمواطنين، أو تمييز ضدهم، بل قضية إحلال مجموعات بشرية محل السكان الأصليين، وهذا ما يجعل لها فرادة وخصوصية، لا تصح معها المقارنات والتشبيهات الرامية إلى جعل فلسطين في مرتبة أقل أهمية. هذا مع الإقرار بأن القمع والتمييز، والصراعات الدامية في
ساحات عربية مختلفة، قضايا تستحق الاهتمام بالطبع، والعمل على حلها، غير أن فلسطين قضية مركزية، ذات خصوصية متعلقة بمواجهة الاستعمار الذي يغتصب أرضاً، ويهجر شعبها منها، ضمن استراتيجية تهدف للسيطرة على المنطقة من داعمي هذا النوع من الاستعمار، بما يعني أن وجود إسرائيل يتجاوز كونه تهجيراً لشعب واغتصاباً للأرض، إلى أن يكون قاعدة استعمارية متقدمة، تزرع المشكلات وتغذي الصراعات داخل المنطقة، وتستهدف العرب جميعاً، بمنع نهضتهم وتوحدهم، ويمكن قراءة تسلسل الأحداث في المنطقة منذ عقود، لفهم هذه المسألة بشكل جيد.
الأمر الثاني، أن احتلال فلسطين نتاج التقسيم الاستعماري للمنطقة العربية، وأن وعد بلفور جاء مباشرة بعد اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة، ما يعني أن المشكلة الفلسطينية ليست مشكلة الفلسطينيين، وإنما مشكلة العرب جميعاً، والتخلي العربي عن فلسطين، هو ما جعل الأوضاع تتفاقم فيها إلى هذا الحد، وصعوبة إيجاد استراتيجية تحرير، وصعوبة عمل المقاومة في فلسطين، تعود إلى خذلان عربي، أو تعاونٍ من بعض العرب مع الصهاينة. هذا يعني، ببساطة، أن الواقع في فلسطين مرتبط بالواقع العربي، وكل محاولة لفصل فلسطين عن واقعها العربي، للتخلص من أعبائها، لا معنى لها، فهي تزيد أوضاع فلسطين سوءاً، بما يؤثر سلباً على كل العرب.
وصلنا إلى مرحلة نؤكد فيها أن فلسطين قضية عربية، وأن الاهتمام بها ضروري لكل العرب، وهذا يدل على حجم الأزمات التي نعانيها، لكن التذكير بفلسطين اليوم يصل إلى حد اعتبارها نوعاً من أنواع الإنقاذ من صراعاتنا وخصوماتنا الحادة، فهذه القضية هي عامل التوحيد الأكثر إقناعاً على المستوى الشعبي العربي. والعرب، في هذه المرحلة، في أشد الحاجة إلى أي شيء يوحدهم، ما يعني أن الإصرار على تأكيد العداء الوجودي مع إسرائيل في غاية الأهمية في هذه المرحلة بالذات، لأن التوحد ضد عدو يمكّنه من تخفيف التهاب الخصومات الداخلية، فإسرائيل هي عدو "لمعنى أن نكون عرباً"، وهو ما يفرض سياقاً من المواقف والرؤية والمشروع السياسي، تبعاً لهذه العداوة المباشرة والصريحة.
ليس المطلوب فقط العودة إلى الاهتمام بقضية فلسطين، حين تكون الأحداث ملتهبة في الساحة الفلسطينية، لكن المطلوب هو العودة إلى فلسطين، بوصفها بوصلة وقضية مركزية. وعلى هذا، تترتب أمور عديدة، منها عدم نسيانها في تفسير وفهم النزاعات والأحداث من حولنا، واتخاذ الموقف منها، والأخذ في الاعتبار أن التناقض الرئيس للعرب هو مع إسرائيل ومن يدعمها، وتحمل المسؤولية بخصوص ما يجري في فلسطين، وعدم تجاهل ارتباطه بما يحدث في الوطن العربي. هكذا، يمكن أن نقول إن فلسطين بوصلتنا بحق.
ما نشهده هو نتاج النكبات المتوالية على فلسطين وقضيتها، وبعد ما يقارب مائة عام على وعد بلفور، نجد في فلسطين إحباطات كبيرة، نتجت من نكبة إنشاء الكيان الصهيوني، مروراً بنكبة التخلي العربي عن فلسطين، وترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم، ابتداءً من اتفاقية كامب ديفيد، وصولاً إلى نكبة أوسلو، وما أنتجته من سلطة هشة وفاسدة، وزيادة في معدلات الاستيطان، وتنسيق أمني مع الكيان الصهيوني، ومحاولة لإجهاض ما تبقى من مقاومة في فلسطين، وهذا يجري بتعاون بعض العرب أيضاً مع الصهاينة. في هذه الأجواء، يعبّر الفلسطينيون عن غضبهم، ويتفجر إحباطهم على شكل عملياتٍ ضد مجاميع المحتلين أرضهم، ثأراً لكرامتهم، وفي هذا إشارة إلى رفض قتل القضية، واستمرار النضال بأشكال مختلفة، حتى لو لم تكن ضمن استراتيجية تحرير شاملة، إذ إن الواقع العربي، كما الواقع داخل فلسطين المحتلة، لا يسمح بأكثر من مقاومة قتل القضية، والعمل على إبقائها حيّة.
لا بد من التذكير بأمرين، يتناساهما بعض من انشغلوا بالصراعات في الساحات العربية، وبدأوا يرون في كوارثها الدامية ما يفوق فلسطين في الأهمية والتأثير، الأول أن فلسطين ليست قضية قمع لمواطنين، أو تمييز ضدهم، بل قضية إحلال مجموعات بشرية محل السكان الأصليين، وهذا ما يجعل لها فرادة وخصوصية، لا تصح معها المقارنات والتشبيهات الرامية إلى جعل فلسطين في مرتبة أقل أهمية. هذا مع الإقرار بأن القمع والتمييز، والصراعات الدامية في
الأمر الثاني، أن احتلال فلسطين نتاج التقسيم الاستعماري للمنطقة العربية، وأن وعد بلفور جاء مباشرة بعد اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة، ما يعني أن المشكلة الفلسطينية ليست مشكلة الفلسطينيين، وإنما مشكلة العرب جميعاً، والتخلي العربي عن فلسطين، هو ما جعل الأوضاع تتفاقم فيها إلى هذا الحد، وصعوبة إيجاد استراتيجية تحرير، وصعوبة عمل المقاومة في فلسطين، تعود إلى خذلان عربي، أو تعاونٍ من بعض العرب مع الصهاينة. هذا يعني، ببساطة، أن الواقع في فلسطين مرتبط بالواقع العربي، وكل محاولة لفصل فلسطين عن واقعها العربي، للتخلص من أعبائها، لا معنى لها، فهي تزيد أوضاع فلسطين سوءاً، بما يؤثر سلباً على كل العرب.
وصلنا إلى مرحلة نؤكد فيها أن فلسطين قضية عربية، وأن الاهتمام بها ضروري لكل العرب، وهذا يدل على حجم الأزمات التي نعانيها، لكن التذكير بفلسطين اليوم يصل إلى حد اعتبارها نوعاً من أنواع الإنقاذ من صراعاتنا وخصوماتنا الحادة، فهذه القضية هي عامل التوحيد الأكثر إقناعاً على المستوى الشعبي العربي. والعرب، في هذه المرحلة، في أشد الحاجة إلى أي شيء يوحدهم، ما يعني أن الإصرار على تأكيد العداء الوجودي مع إسرائيل في غاية الأهمية في هذه المرحلة بالذات، لأن التوحد ضد عدو يمكّنه من تخفيف التهاب الخصومات الداخلية، فإسرائيل هي عدو "لمعنى أن نكون عرباً"، وهو ما يفرض سياقاً من المواقف والرؤية والمشروع السياسي، تبعاً لهذه العداوة المباشرة والصريحة.
ليس المطلوب فقط العودة إلى الاهتمام بقضية فلسطين، حين تكون الأحداث ملتهبة في الساحة الفلسطينية، لكن المطلوب هو العودة إلى فلسطين، بوصفها بوصلة وقضية مركزية. وعلى هذا، تترتب أمور عديدة، منها عدم نسيانها في تفسير وفهم النزاعات والأحداث من حولنا، واتخاذ الموقف منها، والأخذ في الاعتبار أن التناقض الرئيس للعرب هو مع إسرائيل ومن يدعمها، وتحمل المسؤولية بخصوص ما يجري في فلسطين، وعدم تجاهل ارتباطه بما يحدث في الوطن العربي. هكذا، يمكن أن نقول إن فلسطين بوصلتنا بحق.