انطلاقاً من المفهوم الحائر المحيِّر لكلمة "مثقف"، وإشكالية الثقافة كما تتبدّى في المعطى العربي الحديث، بالمقارنة مع تراكماتها في ثقافات العالم ومفكريه. ثم الانتقال إلى قراءة ماسحة لمفهوم الدولة بتحولاته منذ الإغريق مروراً بابن خلدون، ونابليون، وهيغل فكارل ماركس وما تلاه. والوقوف المتأمل لـ"الفتنة الكبرى" بحسب قراءة طه حسين اللافتة، بوصفها المقدمة الأولى لتشكُّل الدولة "الإسلامية" على الطراز الأموي: حُكْمٌ مَلَكيّ وراثيّ. وها نحن بصدد معاينة فهمي جدعان لوعود الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين، في كتابه "في الخلاص النهائيّ".
قراءات متتابعة لكتب تقترحها دائرة أصدقاء (أنا أحدهم) بغية مناقشتها وفحص تضميناتها. وكلّما انتقلنا من كتاب إلى آخر، صار لكل واحد منا فرصة مراجعة ما يمتلك من أفكار وقناعات. مراجعات جماعية لا تحدث على ضوء الكتب نفسها فحسب؛ بقدر ما "تتنَخَّل وتتغربَل" عبر الحوار الجاري بتأثير من حالات التفاعل الفردي لكل واحد منا.
كان الهدف المؤسس لدائرة القراءة هذه الخروج من حالة "المونولوغ" العامة التي نعيشها، والتي لا ينتج عنها سوى التصادي وحديث الذات للذات البالغ، أحياناً، حافة الاستنقاع! غير أنّ اللاحق من نواتج تلك النقاشات/ الحوارات/ المراجعات تمثّل في طرح إحدى الصديقات للسؤال: لماذا جاءت اقتراحاتنا على هذا النحو؟ وأجابت من تلقائها: يبدو أننا لسنا على ثقة من هويتنا!
نعم؛ نحن لسنا على ثقة من هويتنا لأننا، وبحسب ما فَجَّر طه حسين من أسئلة في كتابه "الفتنة الكبرى"، لسنا على ثقة من تاريخنا كما كُتب بوصفه معطىً محسوماً غير قابل للدحض والتشكيك! وأنّ "التاريخ"، بمحموله من شخصيات وأحداث مدونة، لا يعدو أن يكون ضرباً من "الأساطير" كونه حاصل عمليات حذف وإضافة وتنحية وانحيازات مُضْمَرَة. عمليات لم تخضع لهوى ورغبات ومصالح الذين أخضعوا التدوينَ كما وصلنا فحسب؛ بل لهوى ورغبات ومصالح الذين يفرضون قراءاتهم الخاصة لذلك كلّه والآن!
إنّ عمليات الحذف، والإضافة، والتنحية، والانحياز المُضْمَر من مألوف العمل الإبداعي الأدبي عند تخلقه. أو كما هو شائع بالإنجليزية fiction. ولأنها كذلك؛ فإنّ السِيَر الذاتية المنشورة باتت، في الثقافة العالمية، محلّ تقلقل من جهة التجنيس كونها خضعت وتخضع لتلك العمليات، ما يحيلها إلى الأدب الخيالي أو التخيلي! وأكثر ما يتجلّى هذا الأدب في جنس الرواية.
فهل تاريخنا رواية؟
إذا كان تاريخنا رواية، مجرد رواية، فمعنى هذا أنّه من الأجدر بنا، كمخلوقات عاقلة مفكّرة، أن ننظر إلى جملة محمولاته بوصفها شخصيات وأحداث متخيلة. عوالم متخيلة بُنيَت على أشباهٍ لها حيناً، ووفق أشباحٍ تضاهي أصولها لكنها ليست هي أحياناً أخرى، واجتراحات أملاها السياق في لحظة من لحظات الماضي فظلّت على ما هي عليه في مسلسل يتلو بعضه بعضاً، إلخ. إذا كان التاريخ قد تم تدوينه على هذا النحو، فنحن، والحالة هذه، إنما نُدْرَجُ ضمن فئة "المخدوعين" بماضيهم السحيق إذا ما "آمنا" بما جاء فيه كمعطىً محسوم لا خلاف بشأنه ولا جدال. وبذلك؛ فإنّ اجتهاد جواب الصديقة، المتولد عن سؤالها الناتج عن طبيعة اختياراتنا للكتب التي أدرجناها في برنامج قراءاتنا يكتسب وجاهته، ويكتسي بمشروعيته أيضاً:
يبدو أننا لسنا على ثقة من هويتنا!
نعم؛ نحن لسنا على هذه الثقة من ماهيتنا وسط عالم يصطخب بالهويات المتقاتلة على تاريخ سوف يُكتب. فكيف تكون هذه الـ"نحن"، في خِضم تقاتل تلك الهويات الواثقة، ما دمنا نتساءل عنا! نتساءل عمّا إذا كنا ننتمي لحقائق التاريخ، أم لأساطيره!
أفي بُنى "الدولة" المتعالية المتوارثة يكمن "الخلاص النهائيّ"؟
(كاتب وروائي أردني)
قراءات متتابعة لكتب تقترحها دائرة أصدقاء (أنا أحدهم) بغية مناقشتها وفحص تضميناتها. وكلّما انتقلنا من كتاب إلى آخر، صار لكل واحد منا فرصة مراجعة ما يمتلك من أفكار وقناعات. مراجعات جماعية لا تحدث على ضوء الكتب نفسها فحسب؛ بقدر ما "تتنَخَّل وتتغربَل" عبر الحوار الجاري بتأثير من حالات التفاعل الفردي لكل واحد منا.
كان الهدف المؤسس لدائرة القراءة هذه الخروج من حالة "المونولوغ" العامة التي نعيشها، والتي لا ينتج عنها سوى التصادي وحديث الذات للذات البالغ، أحياناً، حافة الاستنقاع! غير أنّ اللاحق من نواتج تلك النقاشات/ الحوارات/ المراجعات تمثّل في طرح إحدى الصديقات للسؤال: لماذا جاءت اقتراحاتنا على هذا النحو؟ وأجابت من تلقائها: يبدو أننا لسنا على ثقة من هويتنا!
نعم؛ نحن لسنا على ثقة من هويتنا لأننا، وبحسب ما فَجَّر طه حسين من أسئلة في كتابه "الفتنة الكبرى"، لسنا على ثقة من تاريخنا كما كُتب بوصفه معطىً محسوماً غير قابل للدحض والتشكيك! وأنّ "التاريخ"، بمحموله من شخصيات وأحداث مدونة، لا يعدو أن يكون ضرباً من "الأساطير" كونه حاصل عمليات حذف وإضافة وتنحية وانحيازات مُضْمَرَة. عمليات لم تخضع لهوى ورغبات ومصالح الذين أخضعوا التدوينَ كما وصلنا فحسب؛ بل لهوى ورغبات ومصالح الذين يفرضون قراءاتهم الخاصة لذلك كلّه والآن!
إنّ عمليات الحذف، والإضافة، والتنحية، والانحياز المُضْمَر من مألوف العمل الإبداعي الأدبي عند تخلقه. أو كما هو شائع بالإنجليزية fiction. ولأنها كذلك؛ فإنّ السِيَر الذاتية المنشورة باتت، في الثقافة العالمية، محلّ تقلقل من جهة التجنيس كونها خضعت وتخضع لتلك العمليات، ما يحيلها إلى الأدب الخيالي أو التخيلي! وأكثر ما يتجلّى هذا الأدب في جنس الرواية.
فهل تاريخنا رواية؟
إذا كان تاريخنا رواية، مجرد رواية، فمعنى هذا أنّه من الأجدر بنا، كمخلوقات عاقلة مفكّرة، أن ننظر إلى جملة محمولاته بوصفها شخصيات وأحداث متخيلة. عوالم متخيلة بُنيَت على أشباهٍ لها حيناً، ووفق أشباحٍ تضاهي أصولها لكنها ليست هي أحياناً أخرى، واجتراحات أملاها السياق في لحظة من لحظات الماضي فظلّت على ما هي عليه في مسلسل يتلو بعضه بعضاً، إلخ. إذا كان التاريخ قد تم تدوينه على هذا النحو، فنحن، والحالة هذه، إنما نُدْرَجُ ضمن فئة "المخدوعين" بماضيهم السحيق إذا ما "آمنا" بما جاء فيه كمعطىً محسوم لا خلاف بشأنه ولا جدال. وبذلك؛ فإنّ اجتهاد جواب الصديقة، المتولد عن سؤالها الناتج عن طبيعة اختياراتنا للكتب التي أدرجناها في برنامج قراءاتنا يكتسب وجاهته، ويكتسي بمشروعيته أيضاً:
يبدو أننا لسنا على ثقة من هويتنا!
نعم؛ نحن لسنا على هذه الثقة من ماهيتنا وسط عالم يصطخب بالهويات المتقاتلة على تاريخ سوف يُكتب. فكيف تكون هذه الـ"نحن"، في خِضم تقاتل تلك الهويات الواثقة، ما دمنا نتساءل عنا! نتساءل عمّا إذا كنا ننتمي لحقائق التاريخ، أم لأساطيره!
أفي بُنى "الدولة" المتعالية المتوارثة يكمن "الخلاص النهائيّ"؟
(كاتب وروائي أردني)