تتصاعد موجة الانتقادات في الشارع الخليجي مع الكشف عن العديد من قضايا الفساد الكبرى التي طاولت مسؤولين في الجهات الرسمية وشخصيات عامة ووصل صداها إلى الأوساط العالمية. وتكشف بيانات حديثة أن فاتورة الفساد الذي ينخر في الخليج ضخمة إذ بلغت خلال الـ 5 سنوات الأخيرة نحو 320 مليار دولار، حسب تقرير لمؤسسة كابيتال إيكونوميكس، ومقرها لندن، واطلعت عليه "العربي الجديد".
وتصدرت السعودية دول الخليج من حيث عدد قضايا الفساد وحجم الأموال المنهوبة بقيمة 180 مليار دولار، فيما جاءت الإمارات في المركز الثاني ثم الكويت والبحرين، في حين أشادت المنظمات الدولية بإجراءات قطر التي احتلت المركز الأول عربيا في مؤشر مدركات الفساد وجاءت عمان في المركز الثاني.
السعودية: فاتورة باهظة
استفحل الفساد في العديد من الأنشطة الاقتصادية السعودية الأمر الذي دفع الحكومة إلى التحرك للحد من تداعيات هذا الملف.
وكانت وسائل إعلام غربية قد كشفت، مؤخرا، أن محققين سعوديين يلاحقون المتهم بالفساد، سعد الجبري، الذي كان يعمل في وزارة الداخلية السعودية وأصبح هاربا.
وأكدت صحيفة وول ستريت جورنال أن الجبري متهم هو وأفرادٌ من عائلته وآخرون مقربون له بإنفاقِ ما يقارب 11 مليار دولار من الأموال الحكومية، وتحويل أموال من حسابات خارجية، وأيضا تحميل المملكة مزيدا من الرسوم في صفقات مع شركات غربية.
وقال مدير وحدة البحوث في مركز الخليج العربي للاستشارات الاقتصادية، عبد العزيز الشهري، إن حجم الفساد في السعودية في السنوات الـ 5 الأخيرة يتجاوز حجم الفساد في كافة الدول الخليجية مجتمعة.
وأضاف الشهري خلال اتصال عبر سكايب مع "العربي الجديد" أن حجم الفساد تزايد في المملكة خلال الفترة الماضية بسبب غياب الرقابة الشعبية فضلا عن الانخراط في الصراعات الخارجية ودعم الأطراف المتناحرة في حروب المنطقة وتركز السلطات في يد شخص واحد.
بدوره، أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، فايز الابراهيم، لـ "العربي الجديد" أن المشاريع الحكومية تفتح أبواب الفساد على مصراعيه أمام الفاسدين وسراق المال العام خصوصا الإجراءات المتعلقة بإرساء المناقصات ومحاباة شخصيات معروفة في الأسرة الحاكمة أو رجال الأعمال المقربين من السلطة.
وأوضح الإبراهيم أن الفساد دائما يبدأ من رأس السلطة في الدول التي تغيب عنها مظاهر الرقابة الشعبية والديمقراطية، حيث تضطر العديد من الحكومات إلى تقديم رشاوي للمواطنين من خلال زيادة البدلات وغيرها من الأمور لإسكات الشعب عن السرقات والممارسات التي قد تتسبب في غضب شعبي، مؤكدا في الوقت نفسه أن الإجراءات الحكومية بشأن مواجهة الفساد ومحاسبة الفاسدين غير كافية لردع المتجاوزين.
وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد زعم قيامه بحملة موسعة ضد الفاسدين في المملكة حيث تم إلقاء القبض على عدد من رجال الأعمال البارزين وأفراد من الأسرة الحاكمة، فيما أعلنت المملكة نجاحها في استعادة حوالي 106 مليارات دولار من الأصول والثروات "المنهوبة"، غير أن المنظمات الدولية أكدت أن العملية تمت في غياب أي نوع من الشفافية، ولم يُعلن عن أي تحقيقات أو محاكمات عادلة للمشتبه بهم.
الإمارات: غسل الأموال
على الرغم من تصريحات المسؤولين الإماراتيين بشأن ابتكار وسائل جديدة لمحاربة الفساد ومحاسبة المتجاوزين وتطبيق معايير النزاهة والشفافية، إلا أن الإمارات أصبحت واحدة من أهم الدول الحاضنة للفساد بسبب تسهيل عمليات غسل الأموال وإيواء عدد كبير من الهاربين والفاسدين.
وكشف مصدر قانوني إماراتي لـ "العربي الجديد" أن هناك عشرات البلاغات بشأن قضايا الفساد وغسل الأموال، لم يتم التحقيق فيها بشكل جدي حيث قامت النيابة العامة الإماراتية بالإفراج عن المتورطين على الرغم من وجود أدلة الإدانة.
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أن إجمالي فاتورة الفساد في الإمارات خلال السنوات الخمس الأخيرة بلغ نحو 90 مليار دولار، لافتا إلى أن هذا الرقم من واقع القضايا التي كشف عنها ولكن بالطبع الرقم أكبر بكثير، بسبب التسهيلات التي يحصل عليها الفاسدون لتمرير معاملاتهم من خلال الأراضي الإماراتية التي أصبحت خصبة للفساد.
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي الإماراتي، عادل الريامي، لـ"العربي الجديد" إن دبي تحولت ملاذا للهاربين وسراق الأموال والملاحقين في قضايا الفساد، كما يجري على أراضيها عمليات غسل الأموال من خلال بيع وشراء العقارات وإنشاء الشركات الوهمية التي تعقد الصفقات المشبوهة.
ودعا الريامي السلطات إلى تجنيب الإمارات شبهات الفساد والمساءلة من المنظمات الدولية وعدم الانخراط في الحروب بالوكالة وتمويل الفاسدين، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن ضعف الرقابة وغياب الديمقراطية والتشريعات يساهم في تفشي الفساد وإفلات المجرمين من العدالة.
وكانت الصحف البريطانية قد كشفت عن فضيحة فساد تورطت بها سيدة الأعمال الأنغولية، إيزابيل دوس سانتوس، حيث استطاعت جمع ثروة تقدر بأكثر من ملياري دولار في وقت قصير من خلال شركات وهمية أنشأتها في دبي.
الكويت: ملاحقة المتورطين
تشهد الأوساط الكويتية حالة من الغضب الشعبي والنيابي بسبب الكشف عن قضايا فساد تورط بها شخصيات عامة وأفراد من الأسرة الحاكمة ومسؤولون في الأجهزة الحكومية، فيما أعلنت الحكومة الكويتية بدء حملة موسعة لملاحقة الفاسدين ومحاسبة كل من تسول له نفسه التعدي على المال.
وتسبب الإعلان عن قضية غسل أموال الصندوق الماليزي في موجة غضب غير مسبوقة في الشارع الكويتي، حيث تورطت شخصيات معروفة، كما أصيب الرأي العام بصدمة كبيرة مع الكشف عن قضية النائب البنغالي، محمد شهيد إسلام، الذي قدم رشاوى على نطاق واسع لمسؤولين في الأجهزة الحكومية ونائبين في مجلس الأمة الكويتي لتسهيل أعمال وجلب الآلاف من الجالية البنغالية إلى الكويت مقابل مبالغ كبيرة.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، أحمد الهارون، لـ "العربي الجديد" أنه عندما يصل الفساد إلى نواب مجلس الأمة المسؤولين عن الرقابة والتشريع ومحاربة الفساد فهذا يتطلب وقفة جادة وحازمة لوقف تفشيه، لافتا إلى أن إجمالي المبالغ المرتبطة بالفساد في الكويت خلال السنوات الخمس الأخيرة بلغ نحو 35 مليار دولار.
وفي وقت سابق، شدد رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح، على ضرورة تنفيذ توجيه أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح بحماية المال العام ومكافحة الفساد.
البحرين: تغلغل الفساد
رغم التصريحات الحكومية بشأن مكافحة الفساد والمضي في الإصلاح، تأتي البحرين ضمن أبرز الدول العربية التي تشهد تفشي الفساد على نطاق واسع.
وأكد الباحث الاقتصادي البحريني، حمد الشريع، أن الفساد والأموال المنهوبة في البحرين أصبحت تؤثر على الحياة المعيشية للمواطنين الذين أصبحوا يتحملون أعباء جديدة من خلال فرض رسوم وضرائب جديدة لتعويض المبالغ التي يتم نهبها تحت غطاء الحكومة.
وأشار الشريع خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إلى تقارير ديوان الرقابة المالية في البحرين التي تؤكد أن قضايا الفساد وإهدار المال العام استشرت في كافة الجهات الحكومية، مشيرا إلى أن حجم الفساد بلغ نحو 11 مليار دولار خلال الآونة الأخيرة، داعيا في الوقت نفسه الحكومة إلى تشديد القوانين لمحاربة الفساد وردع سراق المال العام.
قطر وعمان: تقدم ملحوظ
جاءت قطر في المرتبة الأولى عربيا في مؤشر مدركات الفساد، حيث أصبحت دولة فاعلة وجادة في مكافحة الفساد عالمياً، بانضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وحسب نتائج مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 التي أصدرتها منظمة الشفافية الدولية، حققت الدوحة، 62 نقطة جعلتها تتبوأ المرتبة الـ30 عالمياً، متقدمة بواقع 3 مراكز عن العام السابق له.
وتشهد سلطنة عمان تقدما ملحوظا في جهود مكافحة الفساد، حيث تمكنت مسقط من تحقيق أعلى ارتفاع لها على المستوى العالمي في قيمة درجات مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.