مع دخول إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي فرض "سيادتها" على أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، اليوم الأربعاء، الأول من يوليو/ تموز، حيّز التنفيذ، لا يبدو هذا الأمر، وما يمثله من مس مباشر بالوجود الفلسطيني على الأرض، والقضاء على أي فرصة لقيام دولة مستقلة، وكأنه على قائمة أولويات الشارع الفلسطيني.
إذ يواجه الفلسطينيون اليوم، معركة ضروسا ضد فيروس كورونا، والآثار الكارثية التي تركها على الصعيد الاقتصادي، بعدما فقد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وظائفهم، وباتوا على قوائم الفقراء بانتظار المساعدات من هنا وهناك.
وتباينت الآراء التي جمعها "العربي الجديد" حول أسباب رد الفعل المتواضع تجاه قضية الضمّ الإسرائيلي، ويقف في مقدمتها ضعف بل انعدام ثقة الفلسطينيين بقيادتهم السياسية، التي يرون أنّها قدّمت تنازلات لا تعوض، أوصلت القضية برمتها إلى نفق مظلم.
كما يذهب آخرون إلى انشغال المواطنين بلقمة عيشهم، حيث قلة العمل وازدياد البطالة، جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي أولاً، وسياسات السلطة الفلسطينية الاقتصادية ثانياً، وعدم قدرتها على إنشاء مشاريع ومصانع للم شمل العمّال الفلسطينيين، بدلاً من توجّههم إلى "إسرائيل"، أو مستوطناتها في الضفة الغربية، للعمل.
ويُرجع طرف ثالث الموضوع، إلى الانقسام الفلسطيني الذي وجّه ضربة قاصمة للمشروع الوطني على حد تعبيرهم، أوصل الكثيرين لقناعة داخلية بضرورة النأي بأنفسهم عن المواضيع السياسية بشكل عام، فيما ينشغل آخرون في هذه الأيام بمتابعة حثيثة لتطورات الحالة الصحية، مع انتشار وباء كورونا، بشكل غير مسبوق في الأراضي الفلسطينية.
يتساءل الممثل المسرحي طاهر باكير من نابلس، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، "هل تُعقل قراءة الواقع وكأنه حدث هكذا فجأة؟ ما نحن فيه، نتاج عمل متواصل على مدى سنوات، تمّ خلالها التلاعب بجيناتنا الوراثية. ببساطة نحن شعب لم يعد يتقن فن الانتماء لهذا الوطن؛ ولهذه الأرض".
أما المهندس سيد أحمد، فيردّ بقوله، في حديث لـ"العربي الجديد": "أسأل الحكومة ورجال الأعمال وأصحاب الثروات، عمّا فعلوه بعمّالهم وموظفيهم؟ الوطن غال بأهله وناسه، لكن للأسف من ذكرتهم سابقاً، لا يهمهم المواطن ولا الشعب. إنهم يركضون وراء مصالحهم، وداسوا على كل القيم وحوّلونا إلى متسولين. هذا أثّر على أولويات المواطن، الذي لم يعد يفكر إلاّ بيومه الحاضر، ويخاف من يومه المقبل".
المحامي صلاح إبراهيم له رأي مشابه، إذ يقول، لـ"العربي الجديد": "أولاً الناس محبطون، من يفكر بأي نشاط ضد المحتل يمكن أن يُعتقل أو يستشهد، وبكل صراحة يمكن أن تلاحقه أجهزة أمن السلطة، كما فعلت مع الكثيرين".
وأضاف: "لقد شغلوا الناس بسدّ جوعهم وحاجتهم للرزق. قطع الرواتب، وضعف الاقتصاد الفلسطيني. كما شغلوهم بمرض كورونا، فأغلقت القاعات والصالات والتجمعات التي تعتبر أيضاً مصدر رزق للكثير من شرائح المجتمع".
أما علام شحماوي، وهو عامل في تصليح السيارات، من قلقيلية، فيرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ المخطّط لإفراغ المواطن الفلسطيني من قيمه الوطنية، لم يبدأ اليوم، بل منذ 25 عاماً، أي منذ تأسيس السلطة الفلسطينية.
وأضاف: "انقسم الشعب إلى فقراء لا يجدون قوت يومهم، يعتاشون على رواتبهم أو على المساعدات، وإلى من هم (من عظام الرقبة)، وهو مصطلح دارج استخدمته وزيرة المرأة الفلسطينية، لتبرر تعيين أقارب لها في مناصب حكومية".
العطا: نحن أمام كارثة، أدرك أن الشارع غير مكترث وقد أتفهّم ذلك، لكن لا مجال للسكوت
يقول علام: "اليوم نشهد ترقيات وتوزيع مناصب ، في وزارة السلطة الفلسطينية، لأقارب كبار المسؤولين، في وقت لا أحد يتحدث فيه عن موعد محدّد لصرف رواتب الموظفين، المتوقفة منذ شهرين".
أما سعاد عوض، وهي ربة منزل، فتقول لـ"العربي الجديد": "لم يتذكروا الأغوار إلاّ حديثاً. لا يتذكّروها إلا عند تنظيم المهرجانات الضخمة، وترديد الخطابات الفارغة، لكن على الأرض فالنتائج صفر".
وتتابع: "صحيح أنني ربة منزل، لكنني مطلعة جداً على ملف الأغوار، وأدرك خطورة ما يحاك بحقه، وأتابع التصريحات السياسية الصادرة عن السلطة، لذا أقول بكل ثقة: هذا كلام في الهواء، الذي يريد أن يدعم الأغوار يقف إلى جانب المزارعين ويساعدهم على تسويق منتجاتهم، ويخفض أو يلغي الضرائب، ويضع ميزانية تليق بهذا الموقع الجغرافي الحساس جداً".
من جهته، حمّل الأستاذ الجامعي، بشار هاشم، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، الحكومات الفلسطينية المتعاقبة والحالية تحديداً المسؤولية، قائلاً: "لو صرفت الحكومة ربع ما تصرفه على النثريات لمكاتب مسؤوليها أو لمواكب وزرائها، من أجل التوعية حول خطورة الضم وأثره على القضية، لكانت النتيجة مختلفة تماماً".
في المقابل، يتابع الشاب محسن العطا، من بلدة يعبد في جنين، كما يقول لـ"العربي الجديد"، معظم الأخبار والتقارير عن عملية الضم، مضيفاً: "نحن أمام كارثة، أدرك أن الشارع غير مكترث وقد أتفهّم ذلك، لكن لا مجال للسكوت، نحن على مفترق طرق. الأغوار، وقبلها القدس، ضاعت جرّاء العبث السياسي الذي نعيشه، لكن الشعب الفلسطيني شعب حي ومناضل، وسيتحرك عاجلاً أو آجلاً لرفع الظلم الواقع عليه".
وتدعمه في رأيه هذا، آمل الجندب، من طولكرم، التي تقول جازمة إنّ الشعب الفلسطيني يتمزّق ألماً على ما حل به، مضيفة لـ"العربي الجديد": "رغم الغفلة الآنية التي نمر بها، البركان في داخلنا يثور، وسينفجر لا محالة في وجه كلّ من تسبّب بهذه الحالة التي وصلنا إليها".
وتتابع: "على القيادة السياسية أن تقرأ الموقف جيداً، وترى أنّ الشعب غير راضٍ عن مواقفها في ملفات كثيرة، ولم يعد هناك ثقة ولا بد من إيجاد البدائل لتكون هناك قيادة حقيقية تعبّر عن نبض الشارع، قيادة نزيهة تمثل الكل الفلسطيني وليست لفصيل بعينه، تعيش آلام الشعب وآماله، وإلا فإننا ذاهبون نحو المجهول".