هل هذه هي المرأة اللبنانية؟
بالطبع لا. لكن من المسؤول عن هذه الصورة؟ أليست وسائل الإعلام التي تفضّل استضافة هيفا وهبي، طمعاً في رفع نسبة المشاهدين، بدلاً من استضافة فنانة مسرحية أو مطربة ملتزمة وهنّ كثيرات. فالتلفزيونات تفضّل المذيعات الجميلات على المذيعات الأقلّ جمالا والأكثر ثقافة وخبرة.
حتّى من تتنطّحن لاقتحام عالم الأضواء من الناشطات، لا يحالف منهنّ الحظّ إلا اللواتي ينبطحن أمام "ما يريده السوق". فنجد شاعرة لا تكتب إلا عن الجنس والأسرّة، أو صحافية لا ترى من إنسانيتها إلا جسدها، أو ناشطة مدنية ملأت شفاهها وأعضاءها الأخرى بالبوتوكس "التلفزيوني" كي تفوز بالكاميرا.
ومؤخراً حفل الإعلام بأخبار خطوبة النجم الهوليوودي جورج كلوني و"امرأة لبنانية" هي المحامية أمل علم الدين.. ما يدلّ على نهم القرّاء لأخبار "اللبنانية". تماماً كما جرى حين فازت ريما فقيه بتاج جمال الولايات المتحدة الأميركية، وقامت الدنيا ولم تقعد حين شاركت المغنية آلين لحّود في برنامج هواة فرنسي. كلّ هذا لأنّ "اللبنانية" صيتها يسبقها. و"الصيت" هو تماماً المقصود في هذا النصّ.
هكذا تأكل "الكاميرا" المرأة اللبنانية، وربما يحصل الأمر نفسه في دول عربية أخرى. فيفضّل برنامج اجتماعيّ ما "وجهاً تلفزيونياً"، على ما يروج في كواليس الإعداد، بدلا من "لسان أو عقل". وبالتالي فإنّ المرأة التي لا تهتم بشكلها تكون حظوظها أقرب إلى الصفر. كذلك الكاتبة أو الصحافية أو المذيعة التي لا تركّز على "ما يريده القرّاء والمشاهدون".. تكون حظوظها أقلّ.
وحين عجز عادل إمام عن إيجاد فتاة يقبّلها في أفلامه استعان بممثلة لبنانية هي نيكول سابا. وحين تعجز فضائية ما عن العثور على مذيعة تقبل بطرح أسئلة "فاقعة" يفتّش عن "لبنانية".
وفي الإعلانات تكون الفتاة اللبنانية أقلّ احتشاماً، ليس لأنّها أقلّ احتشاماً، بل لأنّ هذه هي الأدوار التي يسندها إليها المخرجون. فإذا أراد صناعة إعلان بفتاة محجّبة فاللبنانية لا تكون الأوفر حظّاً.
لكن لا ننسى أنّ لبنان يشهد واحدة من أعلى نسب التديّن والالتزام الديني، والتزام اللباس المحتشِم في صفوف مسلماته، بالشقّين السنّي والشيعي. والمجتمع الريفي المسيحي، في جبل لبنان والأطراف، مثل جزّين وزغرتا والبترون، هو مجتمع محافظ... وحدها بيروت تشهد بعض الجرأة في اللباس، خصوصاً في الصيف. لكنّ الفتاة اللبنانية عموماً فتاة عادية. واللباس الجريء موجود في لبنان، وبكثرة في المدن، وفي بيروت تحديداً، لكنّه لا يؤشر إلى "الأخلاق". بل هو منفصل تماماً عن "أخلاق المرأة".
كلّ هذا يساهم في صناعة صورة "العري" التي التصقت بالفتاة اللبنانية. والمرأة اللبنانية هنا ضحية، وليست جانياً، كما زعمت الفنانة آثار الحكيم حين وصفت هيفا وهبي بأنّها "تمثّل عادات وتقاليد مجتمعها في العري". والصحيح: "تمثّل عادات وتقاليد إعلامها" وليس "مجتمعها".