اللعب باللاجئين السوريين واستغلالهم

06 مارس 2020
+ الخط -
على الرغم من تحذيراتٍ أطلقها لاجئون سوريون في أوروبا، من خلال رواية تفاصيل تجاربهم في مسيرة اللجوء، بعد وصولهم إلى الحدود اليونانية، وتقديمهم النصائح بالامتناع عن تكرار تجاربهم "المذلّة والصعبة"، وشعورهم بالندم الذي لم يعد ينفعهم، إلا أن مئات آلاف اللاجئين السوريين وسواهم تدفقوا جماعاتٍ وفرادى إلى الحدود اليونانية، فور سماعهم قرار الحكومة التركية السماح لهم باجتياز حدودها والتوجه نحو أوروبا. 
للقرار التركي خلفياته ومبرّراته، إلا أن بعض السوريين عبّروا عن استيائهم من "اللعب بالسوريين، وكأنهم ليسوا بشراً"، فيما يرى الساسة الأتراك أن من حق بلادهم إفهام قادة الاتحاد الأوروبي على أنهم جزءٌ من المشكلة التي تواجهها تركيا، منذ شن النظام السوري حرباً شعواء على غالبية السوريين، وشرّد أكثر من نصفهم بين نازج ولاجئ. ولا يقبل قادة تركيا أن يبقى الاتحاد الأوروبي في موقف المتفرّج أو المراقب على الهجمات الروسية الأسدية على إدلب التي تسببت بتدفق أكثر من مليون مدني سوري على حدود بلادهم الجنوبية. وفي حال استمرار الهجمات، يمكن أن يصل العدد إلى أكثر من ثلاثة ملايين، وبالتالي يعتبر الساسة الأتراك أنه ليس من حق الأوروبيين الانتظار إلى حين حدوث كارثة جديدة، كي يتخذوا موقفا يتناسب مع مصالحهم، بل عليهم تحمّل المسؤولية معهم.
وسبق أن هدّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في أكثر من مناسبة، بفتح الحدود أمام 
اللاجئين للعبور إلى أوروبا، إذ لم يتلقّ الدعم الكافي في استضافة بلاده اللاجئين السوريين، لكن القرار التركي اتخذ على خلفية الرد المباشر على قتل 33 جندياً في إدلب على يد قوات نظام الأسد، مع أنه يجد مسوّغاته في الحملات الكارهة للسوريين في تركيا التي تسهم فيها أحزاب المعارضة التركية، وتحمّلهم تبعات الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، كانخفاض سعر صرف الليرة وارتفاع نسب التضخم وزيادة البطالة، إلى جانب عدم التزام الجانب الأوروبي بالاتفاقيات التي لم تنفذ. ولكنه يكشف، في المقابل، ضعف (وهشاشة) موقف الساسة الأوروبيين حيال الكوارث المتتالية التي تتزايد على الحدود الجنوبية لبيتهم الأوروبي، حيث يشنّ الروس مع نظامي الأسد والملالي الإيراني حرباً متعدّدة الأبعاد، على المستويين الاستراتيجي والجيوسياسي. وتشكل كارثة على المستوى الإنساني، ولا يقيم لها التحالف الروسي والأسدي والملالي أي وزن أو اعتبار لها، لأن آثارها وتبعاتها ستنعكس على كل من تركيا والاتحاد الأوروبي. ولذلك يطالب الرئيس التركي أردوغان الدول الأوروبية بمشاركة بلاده في التبعات والتكاليف، بينما يجادل وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، بأن من حق بلاده فتح الحدود أمام اللاجئين، وأنه ليس ابتزازاً أو خدعة، بل إنه الرد المناسب على موقف الاتحاد الأوروبي، ويذكّر بأن اليونان استقبلت بمفردها، في تسعينيات القرن العشرين المنصرم، مليون لاجئ من ألبانيا ودول البلقان الأخرى، وبالمقايسة يعتبر أن توزيع حوالي ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ على جميع دول الاتحاد الأوروبي أمر هين.
ويبدو أن تركيا وجدت نفسها في موقفٍ لا تحسد عليه بعد تصعيد الهجمات على إدلب، ورفض حلف شمال الأطلسي الوقوف إلى جانبها عسكرياً، إضافة إلى رفض قادته دعم المطلب التركي إقامة منطقة حظر جوي في إدلب، وخرق الروس اتفاق سوتشي القاضي بإنشاء منطقة عازلة داخل الحدود السورية، من أجل نقل اللاجئين السوريين من تركيا إليها. وبالتالي، لم يفهم الساسة الأتراك أسباب العجز الأوروبي في الملف السوري، فضلاً عن أنهم يتهمون دول الاتحاد الأوروبي بعدم الإيفاء بالزاماتها المالية في الاتفاق المبرم معه عام 2016، والذي أراد ساسة دولها أن يشكل حاجزاً أمام تدفق اللاجئين من تركيا، وسبب لحكومات بلدانهم إشكاليات وتبعات داخلية، تجسّدت في صعود قوى اليمين المتطرّف، وارتفاع حدّة الأصوات الداعية إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ولعل ما أثار حفيظة الساسة الأتراك هو صمت الساسة الفرنسيين والألمان على رفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقد قمة رباعية دعا إليها الساسة الأتراك لمناقشة الوضع في إدلب، 
واكتفوا بكتابة مقالٍ وقعه 14 وزير خارجية أوروبي، طالبوا فيه بالعودة إلى العملية السياسية وخفض التصعيد، نظراً إلى نتائجه الإنسانية الكارثية، وهو موقف اقترن باعتبارهم أن "تركيا تنفرد في رسم ما يناسبها من مواجهات ومعارك"، وذلك تبريراً لعدم الوقوف إلى جانبها.
ويدرك الساسة الأتراك حجم المشكلة التي يواجهها ساسة الاتحاد الأوروبي، وأن قرارهم يشكل ورقة ضغط رابحة؛ كونه يثير أسئلةً محرجةً حول استعداد أوروبا لأزمة لجوء جديدة تهبّ رياحها من الجنوب، خصوصا أن اللاجئين السوريين لم يغادروا بلادهم لأسباب اقتصادية، بل هرباً من الموت والملاحقة، ومن الدمار الذي حل ببلادهم، نتيجة الحرب التي يشنّها، منذ سنوات، التحالف الروسي والأسدي والملالي الإيراني. لذلك يلقون تعاطفاً وقدراً من التضامن من شرائح شعبية ومنظمات مدنية عديدة في البلدان الأوروبية، وهو أمرٌ يجادل بعضهم بأن أردوغان يستغله، ويبتز الأوروبيين به.
ويُطرح السؤال بشأن ممكنات نجاح القرار التركي في الضغط على قادة الاتحاد الأوروبي، لكي تفي بما تطلبه تركيا، وإمكانية تحرّكهم للضغط سياسياً على ساسة موسكو، بغية تغيير سياستهم في إدلب، وقطع الطريق على موجة نزوحٍ جديدة، إضافة إلى دعم المطلب التركي باتجاه إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري.
ولم يتأخر الرد الأوروبي على القرار التركي، من خلال دعوة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تركيا إلى احترام الاتفاقيات الموقعة، والتفاهم على سبل تنفيذها، فيما اعتبر بعض الساسة الأوروبيين أن أردوغان لن ينجح في مسعاه، لأن أبواب أوروبا ستبقى مغلقةً أمام اللاجئين الذين 
اضطر بعضهم للعودة خائباً من حيث أتى. وأكّدت أكثر من دولة أوروبية على تقديم الدعم لليونان من أجل إغلاق حدودها في وجه المهاجرين، فيما أعلن رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، أن بلاده عازمة على حماية حدودها، محذراً من أنها ستردهم إذا حاولوا "دخول البلاد بطريق غير مشروع". غير أن مشكلة اللجوء السوري التي باتت عرضة للابتزاز والاستغلال، وللتجاذبات ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي، لا تحلّ بفتح الحدود أمام اللاجئين أو إغلاقها، لأن تحدّيات كبيرة تعترضهم، بدءاً من معاناتهم في إمكان اللجوء والموجات العنصرية التي يتعرّضون لها، وحتى من يصل منهم إلى اليونان يقابل بمن يرفض استقباله، وبمواطنين لسان حالهم يقول: "اخرجوا من بلادنا"، ومروراً بفرض دول أوروبية قيوداً صارمة على أنظمة اللجوء ومرافق الاستقبال، بغية تخفيف الضغوط الداخلية التي على حكوماتها، ووصولاً إلى المعاناة الرهيبة التي يعانيها اللاجئ في تغريبة اللجوء الشاقة، وليس انتهاء بالاستغلال الذي يتعرّضون له. والحلّ الذي لا يحرّك أحد ساكناً حياله هو بذل جهود حقيقية من القوى الفاعلة في المجتمع الدولي للوصول إلى معالجة أساس مشكلة اللجوء السوري، وينهي الحرب الشاملة التي يشنها ضدهم تحالف النظام الروسي والأسدي وملالي طهران.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".