انحناء النظام للقوة الروسية داخل سورية، يصبح أكثر وضوحاً في زوايا عمل المؤسسات الإعلامية، بوصفها معابر الدخول الناعم إلى بيوت السوريين، هكذا تحجز مثلاً القناة "التربوية السورية" مساحات يومية لتعليم الناس، اللغة الروسية عبر برامج وأغنيات ورسوم متحركة، تحدّد نُطق الحروف وشكل أبجدية القياصرة التي ترتب الآن السياسة الداخلية على مقاس مصالحها.
"تبدع" القناة في تبسيط الدروس، بإقحامها رسومات لا تمتّ للملامح السورية بشبه، تتلوّن وجوه الأطفال الذين يقفزون على الشاشة بتأثير الرسوم المتحركة؛ وهم يردّدون لفظ حروف "اللغة الروسية"، سحنتهم القادمة من الريف السوفييتي ترفض الانتماء لشخصيات دروس القراءة في مناهج الدراسة الابتدائية السورية التي كان أبرزها "باسم" و"رباب" و"مازن".
لم يعد الأمر متوقفاً عند تعليم اللغة الروسية بشخوص ومناخات بصرية لا تقرب الشارع السوري، بل ذهب البث التلفزيوني باتجاه الاحتفاء بإدخال لغة "الاحتلال الثقافي" في مناهج التعليم السورية.
يفتتح أحد برامج إعلام النظام تقريره بزيارة لصف من المرحلة الإعدادية، ليُظهر "حبّ" الطلاب "العفوي" للغة الجديدة! ثم لتركز الكاميرا (ببلاهة) على بعض كتب التعليم تلك وتقترب، كاشفةً للمشاهد كيف يكتب الطلاب لفظ الحروف الروسية باللغة العربية!
وعدد الطلاب في الصف الواحد لا يتجاوز العشرة، بما لا يعكس الطبيعة الفعلية لازدحام الصفوف الذي تعرفه المدارس في سورية، ويكشف أنه صف جرى "تجميعه" وتدريبه كي يظهر تقرير انتشار اللغة الروسية "إنجازاً تربوياً"!
في مقطع آخر، يشير "مسؤول تربوي" سوري على الشاشة إلى أن "وزارة التربية تهدف إلى إعداد المواطن لمواكبة ما في العصر من مصادر المعرفة"؛ والإشارة هنا إلى أن عصر "التقدّم" بمعيار النظام السوري أصبح روسيّاً، وهو "تقدم معرفي" بحسب رأي هذا المسؤول، بينما يؤكد "تربوي" آخر أن "اللغة الروسية هي اللغة الثانية في العالم بعد الإنكليزية!".
هي إذن محاولة الانخراط الحتمي لأدوات التواصل مع "الحلفاء" نكاية بالدول التي لم تدعم النظام بما فيها العرب، إذ يجرم المسؤول التربوي، إياه، بلفظ الأحرف اللثوية العربية بطريقة تدل على أنه كان يعمل أي شيء في حياته باستثناء "التعليم والتربية".
مشهد ظهور الأحرف الروسية الكبيرة على شاشة تلفزيون النظام وفي أسفلها ساحة الأمويين، حيث عصبة القوة الإعلامية للأسد، تحاول أن تولّف ذهن السوري على وجود مثل هكذا كلام لاحقاً، ضمن نشرات الأخبار والأفلام وحاجيات الطعام والسلاح ومناديل الحمام وفراشي تنظيف الأحذية والثياب العسكرية وحتى البسكويت الذي يباع في المدارس.
لم تنج جامعة دمشق من هذا "البلاء" فوزارة التعليم العالي هناك تبشر بزيادة عدد طلاب قسم اللغة الروسية، لأن فرص العمل والترجمة والتعليم والسياحة وتجارة البيوت والمسح الجغرافي للمدن السورية كله "برعاية روسية"؛ وهذا يحتاج إلى ترجمة.. وهذه كلها كما نخشى من مشتقات ترجمة الذل!