* هل يمكن أن تقدموا فكرة عن الهيكلية العامة للطريقة التيجانية في السنغال اليوم؟
الشيخ عبد العزيز سي هو القائم بالأعمال باسم الطريقة التيجانية في السنغال، ولا سيما أسرة الشيخ الحاج مالك سي في مدينة تيواون، والشيخ الحاج مالك هو من رجال الطرق الصوفية المرموقين في السنغال؛ وهو الناشر الحقيقي للطريقة التيجانية في السنغال وغرب أفريقيا، وأنا أتكلم هنا باسم الشيخ عبد العزيز وباسم الخليفة الحالي الشيخ أحمد تيجاني سي، وأنا أيضاً عضو في اللجنة العليا لتسيير المدرسة المالكية، وهذه اللجنة تأسست منذ قرابة عشر سنوات في تيواون برئاسة الشيخ أبوبكر سي الابن الأكبر للشيخ الحاج عبد العزيز، وهو كان أحد الخلفاء.
* ما هي مكانة الخليفة في التيجانية؟
الخليفة هو الشخصية الأبرز في الطريقة التيجانية بالسنغال، ونسميه الخليفة لأنه هو الذي يتولى أمور تسيير الطريقة التيجانية في هذه المنطقة، وبصفته أيضاً أكبر أبناء الجد المؤسس السيد الشيخ الخليفة أبوبكر سي، الذي كان الخليفة المباشر للشيخ الحاج مالك.
* وهل أسرتكم سنغالية؟
نحن أسرة سنغالية وننحدر من سلالة التكرور، وهي سلالة من قبائل الفلان، والشيخ الحاج مالك ينحدر من سلالة التكرور من حيث الوالد، ومنطقتنا الرئيسية هي حوض نهر السنغال، وتحديداً بالقرب من مدينة سينلوي، والسبب الذي جعل الشيخ الحاج مالك ينتقل إلى هذه المنطقة بالذات في تيواون، هو أن وجهاء المدينة كانوا يبحثون عمن يفسر لهم القرآن تفسيراً دقيقاً وصحيحاً. وعندما سمعوا عن الشيخ الحاج مالك ذهبوا إليه وطلبوا منه أن يأتي إلى تيواون لكي يعلمهم ويدرسهم التفسير.
*على يد من درس التفسير؟
الشيخ الحاج مالك درس التفسير على شيوخ عديدين، أولهم الشيخ سيدي مولود فال وهو عالم موريتاني شهير، وأحد أبرز الشخصيات التي نشرت الطريقة التيجانية في موريتانيا وغرب أفريقيا؛ كما درس الشيخ الحاج مالك لدى عدد من كبار شيوخ العلم في موريتانيا منهم الشيخ العلي اليعقوبي والشيخ ابن باب.
متى وصل لتيواون؟
كان قد قدم إلى مدينة تيواون عام 1900، أي قبل أكثر من قرن.
* ما هي نسبة التيجانيين في السنغال؟
تبلغ نسبة المنتسبين إلى الطريقة التيجانية في السنغال حوالي 65 في المائة من مجموع السكان، حسب الإحصائيات الرسمية التي تعدها الحكومة، ومجموع سكان السنغال قرابة 14 مليون نسمة. إذا فأغلبية السنغاليين هم تيجانيون، ويأتي بعد ذلك الطريقة المريدية ثم الطريقة القادرية.
* إلى ماذا تعزون انتشار التيجانية في السنغال أكثر من بقية الطرق الصوفية؟
يعود انتشار الطريقة التيجانية في السنغال إلى كثرة رجالها الذين يعملون من أجل توسيع دائرة مريديهم، ولأنها أيضاً أقرب للمواطن السنغالي بسبب أنها طريقة أهل العلم، ومؤسسها كان رجل علم. كما أن الطريقة التيجانية تختلف عن الطرق الأخرى بكثرة العلماء الذين يقومون بنشرها وتعليم الأتباع وتكوينهم تكويناً إسلامياً صحيحاً، هذا ما أدى إلى انتشار الطريقة التيجانية، ونحن لدينا معاهد ومدارس في شتى أنحاء البلاد تتبع للطريقة التيجانية.
* من يمول المعاهد والمدارس؟
تمول من طرف المريدين والأتباع، من خلال تبرعات، فنحن ليس لدينا نظام اشتراكات، ويستمر العمل في هذه المعاهد والمدارس بفضل جهود الخليفة. وقد أسس الشيخ الحاج مالك هذه المدرسة على مبدأ أنه إذا انتهى من تعليم أحد أتباعه يأمره بالعودة إلى أهله ومحل سكنه من أجل تعليم الناس ما حصل عليه من علم.
* ألا يوجد دعم من طرف الدولة؟
حتى الآن لم نجد أي دعم من طرف الدولة وذلك لأنها تتبع نظام حكم علماني، ونحن ليست لدينا أي مشكلة مع هذا النظام، لأن هنالك حدوداً واضحة بين الدولة وبين القوى الدينية، فنحن لا نتعرض للسياسة ونترك الحكم للحكومة، والحكومة أيضاً لا تتعرض لرجال الدين وتترك الدين لأهل الدين، فهناك فصل بين السياسة والدين.
* وهل هناك مساعدات خارجية؟
لا نقول إن هنالك مساعدات خارجية، وإنما تعاون مع دول مثل المغرب وأحياناً موريتانيا والمملكة العربية السعودية والكويت ودول عربية أخرى، ولكنها مساعدات ضئيلة وقليلة ولا يمكن الاعتماد عليها.
* هل المعاهد والمدارس تعمل وفق نظام الكتاتيب المعروف؟
منذ القدم كانت هنالك كتاتيب تعلم جميع المجالات العلمية، القرآن والتفسير والحديث واللغة والبلاغة والنحو وهكذا، ولكن بعد الاستقلال ظهرت المدارس المنتظمة مثل المعاهد الإسلامية.
* كيف يتقبل السنغالي اللغة العربية؟
تقبل السنغاليين للغة العربية من أجل تعلم دينهم، يعود في أغلبه إلى التأثير الذي خلفه لدينا العلماء الموريتانيون، كما أننا كمواطنين سنغاليين منفتحون على اللغة العربية لأننا مسلمون أولاً وقبل كل شيء، واللغة العربية هي لغة الإسلام بالنسبة لنا قبل أن تكون لغة جنس أو عرق معين؛ والمسلم لا بد أن يتعلم اللغة العربية لأنها هي لغة القرآن ولغة أهل الجنة والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك. ولذلك كثرت المدارس والمعاهد الإسلامية في هذه المناطق.
المعاهد الإسلامية هي فكرة من شيوخنا كأمثال الشيخ عبد العزيز سي الذي هو المتحدث الرسمي، فكان يرأس اتحاد الجمعيات الإسلامية في السنغال. ومهمة هذه الجمعيات هي جمع وتنظيم تلك المعاهد والمدارس وجعلها معترفا بها بشكل رسمي، حتى أنهم كافحوا لنيل الحق في تنظيم الشهادات الثانوية والإعدادية بصورة شاملة عبر البلاد، فكانوا يرسلون المفتشين والمدرسين لإجراء تلك الامتحانات، وتستمر الدراسة في هذه المعاهد قبل التخرج في نفس الفترة المعروفة في المعاهد الأخرى؛ وذلك حسب المراحل.
* كم عدد الطلاب الدارسين في المعهد؟
لدينا في المعهد قرابة 400 طالب وفي كل سنة يزداد العدد، والمدرسون يتلقون الأجور من المعهد، وذلك من خلال ميزانية المعهد، فالطلاب بعضهم يدفع رسوماً والبعض الآخر يتكفل الشيخ الخليفة بدفع الرسوم عنهم.
* يبدو أن نهج التيجانية بعيد كلياً عن السياسة منذ القدم، كيف كانت العلاقة بين التيجانيين والاستعمار الفرنسي؟
كانت علاقة متميزة أثناء الاحتلال، فكان الفرنسيون يحترمون شيوخ الطريقة التيجانية احتراماً بالغاً، والسبب هو أن الجد المؤسس الشيخ الحاج مالك كان يتعامل معهم بسياسة السلم لأنه كان إنساناً مسالماً، وكان لا يرى فائدة في مواجهة هؤلاء الفرنسيين. وبالتالي كان لا يواجههم بالسلاح وإنما يريد فقط التفرغ لجمع الأتباع وتربيتهم تربية إسلامية صحيحة.
دعاه الاستعمار في إحدى المناسبات لكي يبين لهم ماذا يريد، فقد أخبر بعض الناس الفرنسيين بأن الشيخ الحاج مالك كان يجمع أتباعه في منطقة معينة لأداء بعض الأذكار والتعلم، فلما سمعوا بذلك نادوه وسألوه ماذا يريد وما نيته. وهل كان يسعى للهجوم عليهم أو أن يقيم ثورة ضدهم، فأخبرهم أنه لا يريد إلا التعليم والعمل.
* هناك اليوم مسلمون يستخدمون العنف ضد مسلمين آخرين، كيف ترون هذا السلوك؟
هذا أمر منافٍ للإسلام، فنحن متفقون على أن الدين الإسلامي دين سلام ووئام وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ بالعنف بل أجبر عليه، ولكنه استخدم السلاح والحرب من أجل الدفاع عن نفسه، وهذا موقف هذه الطريقة أن نكون سلميين وألا نهاجم ولا نقوم بالأعمال العدائية ضد أي شخص ولو كان لا يدين بالدين الإسلامي.
* هل هناك تخوف من وصول أعمال الإرهاب للمنطقة الأفريقية؟
نعم هناك تخوف للأسف الشديد، ولكن السنغال بحمد الله لم تصله هذه الهجمات ولم تصله حتى هذه التهديدات.
* وهل تعتبرون السنغال محصناً ضد وباء الإرهاب؟
نعم محصن لأن رجال الدين لا يميلون إلى العنف.
* ولكن الذين سلكوا هذا الطريق في بلدان أخرى لم يكونوا من رجال الدين؟
لا نقول إن السنغال محصن مائة في المائة، ولكن بفضل جهود رجال الدين هنالك اطمئنان بأن من يقومون بهذه الأعمال لن يكونوا من المنتمين لهذه الطرق وهذه الفئات الدينية، لأن معظمهم مسالمون ويعلمون أتباعهم الإسلام الصحيح كما كان أسلافنا يعلمونهم ويربونهم تربية إسلامية صحيحة، وهذا ما ستلاحظه في جميع مناطق السنغال التي عندما تزورها، لن تجد هذا النوع من العنف والتطرف.
* ولكن الإرهاب وصل إلى جارتكم مالي؟
نعم للأسف، ولكن يجب أن تعرفوا أن مالي قريبة من ليبيا ومن الجزائر، وهذا أمر قد يؤثر.
* ولكن نيجيريا بعيدة عن الجزائر وليبيا وتعاني من الإرهاب؟
نعم بعيدة، ولكن أغلبية الشعب النيجيري ليست من المسلمين، ونحن نرى ما يحدث في نيجيريا من نزاع بين المسيحيين والمسلمين وهو ما لا نجده في السنغال، ونحن سبق أن حكمنا رئيس مسيحي وينحدر من قبيلة تمثل أقلية في السنغال، ولكن لم يمنعه من أن يحكم البلاد قرابة عشرين عاماً.
* هل هناك خصوصية سنغالية؟
نعم هنالك خصوصية سنغالية؛ وهذا بفضل جهود رجال الدين الذين كانوا يسعون للفصل بين الدين والسياسة.
* ورجال السياسة؟
رجال السياسة ليس عندهم أتباع، بل كل الأتباع كانوا إما من الطريقة التيجانية أو القادرية أو المريدية، ولذلك ترى في السنغال أن الطرق الصوفية هي القوة الأولى.
* ترون أنفسكم أقوى من رجال السياسة؟
كثيراً. نعم رجال الدين أقوى كثيراً من رجال السياسة، لأن رجال السياسة إذا كانوا يريدون شيئاً من الشعب لا يطلبونه مباشرة، بل يسعون إلى رجال الدين ويطلبون منهم أن يتدخلوا وبهذا التدخل يوافق الجمهور، وهذا ما يزال موجوداً حتى الآن، ولكنه يحدث مرات قليلة ونادرة.
* عودة إلى سبب اختيار مدينة تيواون كمقر للطريقة التيجانية. هل الأسباب دينية فقط؟
كنت قد تكلمت بشكل موجز عن الشيخ الحاج مالك، والسبب الذي دفعه إلى أن يتخذ من تيواون مقراً لتعليم أتباعه، من هذه الأسباب أن مدينة تيواون كانت في السابق من كبريات المدن التي ينزل فيها التجار والوجهاء، حتى أنه كان هنالك تجار من المغرب كانوا يقطنون في تيواون.
من جهة أخرى كان هنالك الاستعمار الفرنسي، الذي كان له وجود بارز في السنغال عموماً وفي تيواون على وجه الخصوص، لأن السكة الحديدية كانت تمر من المدينة، والقطار يتوقف فيها قبل أن ينطلق إلى العاصمة داكار. في السابق كانت مدينة تيواون محطة في منتصف الطريق ما بين العاصمة القديمة سينلوي والعاصمة الجديدة داكار، وبناء على كل ما سبق كانت تيواون مركزاً مهماً من الطبيعي أن يتخذها الشيخ الحاج مالك مقراً لتوصيل رسالته العلمية؛ والتي تقوم على مبادئ السنة النبوية الصحيحة. والشيخ الحاج مالك، كما قلت لك، عندما توفي ترك إرثاً غنياً من العلم، من ضمنه مؤلفات عديدة وفي مجالات كثيرة، ولا سيما في السيرة النبوية ومن مؤلفاته فيها كتابه المشهور "خلاص الذهب في سيرة خير العرب"، وهو عبارة عن قرابة ألف بيت من الشعر. كما أن له مؤلفات في الفقه المالكي، من ضمنها كتاب اسمه "كفاية الراغبين فيما يهدي إلى حضرة رب العالمين"، وهذا كتاب سلط الضوء على بعض أحكام الفقه المالكي كثبوت الصوم عبر التلغراف، وحكم إخراج الزكاة بالفول السوداني، وهي قضايا أثارت الجدل في عصره، فكما تعرفون نحن مزارعون وجميع المناطق في السنغال مشهورة بإنتاج الفول السوداني، وأغلب الناس يزرعونه في حقولهم ويعتمدون عليه في حياتهم اليومية، لذلك أفتى الشيخ الحاج مالك وبيّن حكم الشريعة في إخراج الزكاة بالفول السوداني وذلك انطلاقاً من المذهب المالكي، ولعلكم تعرفون أن المذهب المالكي هو المذهب السائد في السنغال، تماماً كما في المغرب، ونفس الشيء بالنسبة للعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي، فنحن نتخذ من التصوف الذي أسسه الإمام الجنيد علماً وأسلوب حياة.
* ما رأيك في أحد أعلام الصوفية الإشكاليين أبو يزيد البسطامي؟
كلهم من الرجال الصالحين، ولكننا نتبع طريقة الإمام الجنيد في التصوف، كما شرحها مولانا الشيخ سيدي أحمد التيجاني مؤسس الطريقة التيجانية.