21 مارس 2018
المرأة القيادية والمعارك السياسية
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
قد يتندّر بعضهم باسم موزا، أو قد يدخله بعضهم معركة التنابز في مشاكسات سياسية. أعني عندما يتعلق الأمر بحرم أمير قطر السابق، موزا بنت ناصر، في حين أنه كاسم مؤنث في العربية علمٌ في المعاني، وفي معركة الكسب السياسي، حيث يعود إلى تاريخ عريق، يفرّق فيه العرب في تسميات بناتهم اللغوية أيضا بين مصادر الثروة وموارد الاستهلاك.
لم يكن اسم موزة الخليجي المنبع إلا شاهدا واحدا ضمن عدة شواهد على اعتزاز عرب الخليج بمصادر ثروتهم الطبيعية التي تمثل قوة اقتصادهم قبل مائة عام، وخصوصا أن "الموز" نوعٌ من اللؤلؤ العربي الطبيعي النادر، مثل الحصّ، وهو أنواع وأحجام، ومن غلائه جاءت تسميات الخليجيين بناتهم، موزة وحصّة والدانة وقماشة ولولوة، ومنها يتجّذر اسم موزا. و"لموز اللؤلؤ" صور موثّقة يجدر بالمثقف زيارة المتاحف الوطنية في دول الخليج للتعرّف عليها. والحديث هنا عن التاريخ الذي لا يقبل إلا شهادة الحقّ في وجه من اعتمد على أكاذيب وحملات إعلامية مغرضة في سابقةٍ غير أخلاقية، في ما لا يقبله عرف، ولا دين، في سطحية الترميز عند الحديث عن قطر وتاريخ المرأة القيادية القدوة.
"موزا" التي يقصدون هي والدة أمير قطر الذي تشرّف العرب بمواقفه مع قضايا أمته، وهو نجل الزعيم العربي "الوالد" الذي عرف التاريخ وقوفه بانيا لنهصة قطر العصرية، ونصيرا للشعوب، وكان هو الحاكم العربي الوحيد الذي كسر "حصار غزة" عام 2012.
تميم بن حمد.. تميم المجد.. أو تميم بن موزا شاء النّسابون أن ينسبوه فلا ضير، إذ لا فرق بين ذلك كله في سلّم المجد، وليس انتقاصا أن يُنسب المرء أيضا لأمه، فيوما سننادى جميعا بأمهاتنا... المهم أن نلبي قبل البعث التربية والأخلاق، كأمة بُعث فيها النبي محمد (ص) قبل أي شيء "متمّما لمكارم الأخلاق".
في قطر، نفخر جميعنا بأمهاتٍ نجيباتٍ ولدننا، وولدن معنا أجيالا، ومنها نفخر بالرمز الذي تمثله أم أمير قطر. لكن بصفتنا صحافيين، حقّ لنا أن نقف عند شواهد رأيناها، في ما وراء التغطيات الإعلامية، وأخص هنا والدة سمو الأمير تميم، وأبدأ من المنطلقات.
يومها شاهدنا الأمير الوالد على شاشة التلفزيون، بعد خروجه من افتتاح المدينة التعليمية، في
حدث هو الأضخم في قطر، ليقود السيارة بنفسه، ومعه الشيخة موزا، لتجلس بمحاذاته، وأخذ بيدها قبل وضع يده على مقود السيارة، لتعلن الصورة من دون أن تنطق بمسيرةٍ تقوم سواعدها في قطر على الرجل والمرأة على حدّ سواء. .. صورة لا تزال حية في ذاكرتنا، يدرك المتابع حينها أن قطر مقدمةٌ على نهضةٍ برؤية قائدها، تتطلب سواعد الجنسين، بمباركة مباشرة لتقلد المرأة الكفء مثلها مواقع القيادة، ولنهضة مقبلة في مجال التعليم والتنمية الاجتماعية.
تاريخيا، كنّا في سباق مع الزمن... ولم يكن تعليم تميم الابن وإخوته هو الهاجس الرئيس لوالدته، بل حملت همّ أبناء قطر، والمقيمين فيها جميعا في بادرة سباقة تنظر إلى العلم من منظور آخر...
دعتنا جامعة قطر، في العام 1997، إلى أول حوار مفتوح ومباشر من نوعه بين الطالبات والخريجات، مع حرم أميرٍ بمبادرة منها، بعنوان "الجامعة والمجتمع"، وكان حضورها مهيبا حول مخرجات الجامعة وهمومها والتماسا لاحتياجات الدولة وصياغة لمستقبلها التعليمي. كان ذلك في بواكير تقلد الأمير حمد الحكم القائم على قواعد العلم المعرفة. وفي 1998، كنا على موعد مع نقلة أخرى في التعليم النظامي الحكومي، فظهرت مبادرة تطوير التعليم في المدارس العلمية، ومن ثم الانتقال بالتعليم الى مرحلةٍ عزّزت المعايير العالمية التي أخرجت قطر من مدارس التنظير والحشو إلى مدارس التطبيق والتفكير النقدي.
حملت موزا هم التعليم العام في قطر، فكان التنوع والمسؤولية دافعا لتطبيقها وتعميمها نموذج المدارس المستقلة، رغبة في فتح آفاق التخصصات المختلفة، وبث التنافسية والحرية الفردية في اختيار المسارات التعليمية باستقلالية تامة لنظام مدرسي يمنع البيروقراطية. وهذه مبادرة ليست سهلة، كونها جديدة كليا حتى على مستوى العالم، لها ما لها وعليها ما عليها، ولكنها تجتمع ونجتمع فيها جميعا على جودة المعايير الدولية في التعليم الحكومي، ومساواة بين أبناء القطريين والمقيمين. ولأنه كما يقول العرب "كل جديد برهبته"، أُشبعت المبادرة بحثا ونقدا بصدرٍ رحب بشقيه، فاتسع له صدرها، بل تابعت عن كثب كل ما يكتب وينشر عنها رغبةً في التطوير والأخذ بالنقد البناء.
ولا ننكر ما لأي مبادرة جديدة من تحدّيات وهنات أيضا، لكننا لا ننكر أنها خرّجت لنا أجيالا ناقدة لا حافظة، يُباهى بها في مصاف العالم، قطفت قطر ثمار نتاجها، في وقت حصار قطر، كل في مجاله.
في التعليم العالي، توجت موزا، برئاستها مجلس إدارة مؤسسة قطر وجامعة قطر، حرصها على ترادف المخرجات التعليمية النظامية مع تنوّع فرص التعليم الجامعي، فحقق التعليم في جامعة قطر معايير الجودة، وفتح آفاقا لم تُطرق من قبل، والتي لا ننكر فيها أيضا جهود الرائدات فيها، شيخة المسند، رئيسة جامعة قطر سابقا، ونائبتها شيخة بنت جبر آل ثاني، فضلا عن افتتاح تخصصات علمية نادرة في مؤسسة قطر، شملت سبعة فروع من أعرق الجامعات الدولية ومراكز البحوث التي تعدّ صروحا تنافس المراكز العالمية، ومكتبة قطر الوطنية المرتبطة مع المكتبة البريطانية.
وعلى المستوى الدولي، لن أحصي ما قدمته موزا، أم تميم، للعلم والتعليم ومبادارته، ليس في قطر فحسب، بل في العالم، حيث عينتها عام 2003 الأمم المتحدة مبعوثا خاصا لليونسكو
للتعليم الأساسي والعالي، وتتابعت عضوياتها الدولية ومبادراتها العالمية، مثل "التعليم فوق الجميع"، في بواعث أمل جديدة للأطفال والشباب والنساء في البلدان الفقيرة والنامية، في مبادراته "علّم طفلا" و"حماية التعليم في ظروف النزاع" و"الفاخورة" و"صلتك" التي فتحت وظائف لعدد كبير من العاطلين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما عيّنت في 2010 عضوا في مجموعة الأمم المتحدة الاستشارية حول الأهداف الإنمائية للألفية، والتي تعنى بتعميم التعليم الأساسي، وعام 2012 عضوا في اللجنة التوجيهية لمبادرة الأمين العام للامم المتحدة "التعليم أولا".
ليس التعليم فحسب، ففي عام 2016، عيّنها الأمين العام عضوا في مجموعة الأمم المتحدة المدافعة عن أهداف التنمية المستدامة. وقبله في 2008 سفيرة لتحالف الأمم المتحدة للحضارات. ولن أسرد أرقاما مدوّنة تظهرها نقرة بحث على "غوغل"، بل سأذكر ما شهدته مما لم يغطّه الإعلام، فوقت انعقاد مؤتمر تحالف الحضارات في ريو دي جانيرو - عام 2010، قامت بزيارة ميدانية للأحياء الفقيرة من العشوائيات البرازيلية، وقدمت برامج تعليم لهم، ينطبق عليها ما يجري على صدقة السر.
هذه موزا عن كثب لمن عرفها عن بعد...، ولن يتسع مقال رأي لإنجاراتها، لأنها باختصار لم تكن في عطائها وسعيها إلى قطر أمّا لتميم فحسب، بل كانت أما للجميع. لذلك، إذا كان الفخر بتميم شبلا من ذاك الأسد حمد، فإننا نفخر أيضا بأنه ابن لأم نجيبة، يشرُّف أبناء قطر أن يكونوا معه أبناء موزا، خصوصا عندما تكون حضنا نوعيا لأجيالٍ من الثروة البشرية، كالتي صنعت قائد قطر تميم.
Twitter: @medad_alqalam
لم يكن اسم موزة الخليجي المنبع إلا شاهدا واحدا ضمن عدة شواهد على اعتزاز عرب الخليج بمصادر ثروتهم الطبيعية التي تمثل قوة اقتصادهم قبل مائة عام، وخصوصا أن "الموز" نوعٌ من اللؤلؤ العربي الطبيعي النادر، مثل الحصّ، وهو أنواع وأحجام، ومن غلائه جاءت تسميات الخليجيين بناتهم، موزة وحصّة والدانة وقماشة ولولوة، ومنها يتجّذر اسم موزا. و"لموز اللؤلؤ" صور موثّقة يجدر بالمثقف زيارة المتاحف الوطنية في دول الخليج للتعرّف عليها. والحديث هنا عن التاريخ الذي لا يقبل إلا شهادة الحقّ في وجه من اعتمد على أكاذيب وحملات إعلامية مغرضة في سابقةٍ غير أخلاقية، في ما لا يقبله عرف، ولا دين، في سطحية الترميز عند الحديث عن قطر وتاريخ المرأة القيادية القدوة.
"موزا" التي يقصدون هي والدة أمير قطر الذي تشرّف العرب بمواقفه مع قضايا أمته، وهو نجل الزعيم العربي "الوالد" الذي عرف التاريخ وقوفه بانيا لنهصة قطر العصرية، ونصيرا للشعوب، وكان هو الحاكم العربي الوحيد الذي كسر "حصار غزة" عام 2012.
تميم بن حمد.. تميم المجد.. أو تميم بن موزا شاء النّسابون أن ينسبوه فلا ضير، إذ لا فرق بين ذلك كله في سلّم المجد، وليس انتقاصا أن يُنسب المرء أيضا لأمه، فيوما سننادى جميعا بأمهاتنا... المهم أن نلبي قبل البعث التربية والأخلاق، كأمة بُعث فيها النبي محمد (ص) قبل أي شيء "متمّما لمكارم الأخلاق".
في قطر، نفخر جميعنا بأمهاتٍ نجيباتٍ ولدننا، وولدن معنا أجيالا، ومنها نفخر بالرمز الذي تمثله أم أمير قطر. لكن بصفتنا صحافيين، حقّ لنا أن نقف عند شواهد رأيناها، في ما وراء التغطيات الإعلامية، وأخص هنا والدة سمو الأمير تميم، وأبدأ من المنطلقات.
يومها شاهدنا الأمير الوالد على شاشة التلفزيون، بعد خروجه من افتتاح المدينة التعليمية، في
تاريخيا، كنّا في سباق مع الزمن... ولم يكن تعليم تميم الابن وإخوته هو الهاجس الرئيس لوالدته، بل حملت همّ أبناء قطر، والمقيمين فيها جميعا في بادرة سباقة تنظر إلى العلم من منظور آخر...
دعتنا جامعة قطر، في العام 1997، إلى أول حوار مفتوح ومباشر من نوعه بين الطالبات والخريجات، مع حرم أميرٍ بمبادرة منها، بعنوان "الجامعة والمجتمع"، وكان حضورها مهيبا حول مخرجات الجامعة وهمومها والتماسا لاحتياجات الدولة وصياغة لمستقبلها التعليمي. كان ذلك في بواكير تقلد الأمير حمد الحكم القائم على قواعد العلم المعرفة. وفي 1998، كنا على موعد مع نقلة أخرى في التعليم النظامي الحكومي، فظهرت مبادرة تطوير التعليم في المدارس العلمية، ومن ثم الانتقال بالتعليم الى مرحلةٍ عزّزت المعايير العالمية التي أخرجت قطر من مدارس التنظير والحشو إلى مدارس التطبيق والتفكير النقدي.
حملت موزا هم التعليم العام في قطر، فكان التنوع والمسؤولية دافعا لتطبيقها وتعميمها نموذج المدارس المستقلة، رغبة في فتح آفاق التخصصات المختلفة، وبث التنافسية والحرية الفردية في اختيار المسارات التعليمية باستقلالية تامة لنظام مدرسي يمنع البيروقراطية. وهذه مبادرة ليست سهلة، كونها جديدة كليا حتى على مستوى العالم، لها ما لها وعليها ما عليها، ولكنها تجتمع ونجتمع فيها جميعا على جودة المعايير الدولية في التعليم الحكومي، ومساواة بين أبناء القطريين والمقيمين. ولأنه كما يقول العرب "كل جديد برهبته"، أُشبعت المبادرة بحثا ونقدا بصدرٍ رحب بشقيه، فاتسع له صدرها، بل تابعت عن كثب كل ما يكتب وينشر عنها رغبةً في التطوير والأخذ بالنقد البناء.
ولا ننكر ما لأي مبادرة جديدة من تحدّيات وهنات أيضا، لكننا لا ننكر أنها خرّجت لنا أجيالا ناقدة لا حافظة، يُباهى بها في مصاف العالم، قطفت قطر ثمار نتاجها، في وقت حصار قطر، كل في مجاله.
في التعليم العالي، توجت موزا، برئاستها مجلس إدارة مؤسسة قطر وجامعة قطر، حرصها على ترادف المخرجات التعليمية النظامية مع تنوّع فرص التعليم الجامعي، فحقق التعليم في جامعة قطر معايير الجودة، وفتح آفاقا لم تُطرق من قبل، والتي لا ننكر فيها أيضا جهود الرائدات فيها، شيخة المسند، رئيسة جامعة قطر سابقا، ونائبتها شيخة بنت جبر آل ثاني، فضلا عن افتتاح تخصصات علمية نادرة في مؤسسة قطر، شملت سبعة فروع من أعرق الجامعات الدولية ومراكز البحوث التي تعدّ صروحا تنافس المراكز العالمية، ومكتبة قطر الوطنية المرتبطة مع المكتبة البريطانية.
وعلى المستوى الدولي، لن أحصي ما قدمته موزا، أم تميم، للعلم والتعليم ومبادارته، ليس في قطر فحسب، بل في العالم، حيث عينتها عام 2003 الأمم المتحدة مبعوثا خاصا لليونسكو
ليس التعليم فحسب، ففي عام 2016، عيّنها الأمين العام عضوا في مجموعة الأمم المتحدة المدافعة عن أهداف التنمية المستدامة. وقبله في 2008 سفيرة لتحالف الأمم المتحدة للحضارات. ولن أسرد أرقاما مدوّنة تظهرها نقرة بحث على "غوغل"، بل سأذكر ما شهدته مما لم يغطّه الإعلام، فوقت انعقاد مؤتمر تحالف الحضارات في ريو دي جانيرو - عام 2010، قامت بزيارة ميدانية للأحياء الفقيرة من العشوائيات البرازيلية، وقدمت برامج تعليم لهم، ينطبق عليها ما يجري على صدقة السر.
هذه موزا عن كثب لمن عرفها عن بعد...، ولن يتسع مقال رأي لإنجاراتها، لأنها باختصار لم تكن في عطائها وسعيها إلى قطر أمّا لتميم فحسب، بل كانت أما للجميع. لذلك، إذا كان الفخر بتميم شبلا من ذاك الأسد حمد، فإننا نفخر أيضا بأنه ابن لأم نجيبة، يشرُّف أبناء قطر أن يكونوا معه أبناء موزا، خصوصا عندما تكون حضنا نوعيا لأجيالٍ من الثروة البشرية، كالتي صنعت قائد قطر تميم.
Twitter: @medad_alqalam
دلالات
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
مريم الخاطر