06 نوفمبر 2024
المرحلة الثالثة من الصراع السوري
مع دخول المواجهات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق مراحلها النهائية، يبرز سؤال يتردد هذه الأيام: ماذا بعد؟ أي ماذا بعد دحر التنظيم الذي شغلت حربه العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، وخلفت المشرق العربي دمارا. في العراق، تحضر الإجابة بصورة أسهل منها في سورية، إذ يرجح أن تمثل الانتخابات العامة المقبلة محطة لإنعاش العملية السياسية، وخلط التحالفات الحزبية، وإعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي، مع احتمال، ولو ما زال ضعيفاً، لبروز قيادة عراقية بأجندة وطنية، تعيد بناء البلد، وتستفيد من أخطاء الماضي. لن تكون الأمور سهلة طبعاً مع وجود مليشيات الحشد الشعبي، وقوى سياسية عراقية أخرى تتبارى في إعلان ولائها لإيران وارتباطها بها. كما أن عودة التنافس الأميركي - الإيراني في العراق لن تكون عاملاً مساعداً، وخصوصاً أن الأميركيين جاؤوا هذه المرة ليبقوا، على ما يبدو. مع ذلك، هناك حد أدنى من الاتفاق بين الإيرانيين والأميركيين، أقله حول دعم الحكم العراقي القائم، وضمان استمراره، وقد تبدى هذا واضحاً خلال أزمة استفتاء كردستان، والمواجهات بين الحكومة المركزية وإقليم شمال العراق حول كركوك والمناطق المتنازع عليها، حيث وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع العاجز عن الاختيار بين أحد حلفائها في بغداد أو أربيل، على الرغم من أن يد إيران كانت واضحة في الضربة التي تلقاها مسعود البارزاني، حليف واشنطن الكردي الأبرز.
على العكس من ذلك، يبدو المشهد السياسي والميداني والعلاقات الدولية للصراع السوري أكثر تعقيداً بمراحل، فعدد القوى الإقليمية والدولية التي تتنافس على الأرض السورية أكبر بكثير مما هو في العراق، حيث يكاد يكون التنافس محصوراً بين إيران والولايات المتحدة. وبعكس العراق أيضاً، هناك حرب وكالة تدور في سورية، ينتظم أطرافها في معسكرين دوليين - إقليميين كبيرين. تقود الأول واشنطن، ويضم في عضويته دولاً خليجية عربية، وتحاول إسرائيل أن تجد فيه مكاناً. والثاني تقوده روسيا ويضم إيران، وقد اقتربت منه تركيا أخيراً، لتقاطع جزء من مصالحها معه، في حين تضع مصر قدماً هنا وقدماً هناك.
ميدانياً، طرأت خلال العام الماضي تحولات كبيرة على موازين القوى في سورية، إذ جرى إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية الذي بسط، في إحدى المراحل، سيطرته على نصف مساحة البلاد، إلى حد القضاء عليه تقريباً كقوة عسكرية، كما جرى إضعاف المعارضة، وتثبيتها في جيوب معزولة بموجب اتفاقات خفض التصعيد، تمهيداً لتطويعها في إطار عملية سياسية، تقودها روسيا في أستانة، في حين صعدت قوتان رئيستان، هما النظام والأكراد، يقتسمان اليوم السيطرة على أكثر الجغرافيا السورية، ويشكل نهر الفرات الحاجز الطبيعي بينهما، مع خروق بسيطة على الطرفين، إذ يحتفظ النظام بوجود صغير في مركز محافظة الحسكة، في حين يحتفظ الكرد بجيبين معزولين خارج الجزيرة السورية (منبج وعفرين).
ويسيطر الأكراد اليوم بدعم أميركي على ثلث مساحة سورية (الحسكة والرقة ودير الزور) التي تضم أكثر ثروات البلاد من النفط والغاز والمياه والأراضي الزراعية الخصبة، كما يسيطرون على أهم السدود المائية فيها (سورية المفيدة فعلياً)، والتي لا يمكن لجزئها الآخر الذي يضم أكثرية السكان أن يقوم من دونها. وإذا لاحظنا أن روسيا باتت تعتبر أكراد سورية بمثابة أدوات نفوذ أميركي في المنطقة، وأن إيران باتت ترى فيهم عقبةً على طريق وصل مناطق نفوذها في العراق وسورية، إضافة إلى تركيا التي لا يحتاج موقفها إلى تفصيل، نجد أن كل الأسباب تدفع نحو صراع كبير على مناطق شرق الفرات. وتبدو تقسيمات المعركة هنا أكثر وضوحاً من مراحل الصراع السابقة، حيث سيحاول النظام شد العصب العربي إليه، باعتبار أنه يواجه الطموحات الكردية الانفصالية المدعومة أميركياً وإسرائيلياً، والتي تستهدف وحدة البلد وثرواتها، لتبدأ بذلك المرحلة الثالثة من الصراع السوري، على خلفية قومية - إثنية، هذه المرة، بعد أن بدأت ثورة شعبية ضد نظام فاسد، ومستبد (على الرغم من أن الإعلام الغربي قدمها على صورة صراع طائفي)، ثم تحولت إلى حرب ضد الإرهاب والتطرف الذي مثله تنظيم الدولة الإسلامية، وها نحن ندخل مرحلة الحرب على أسس قومية، نرجو أن تكون الأخيرة!
على العكس من ذلك، يبدو المشهد السياسي والميداني والعلاقات الدولية للصراع السوري أكثر تعقيداً بمراحل، فعدد القوى الإقليمية والدولية التي تتنافس على الأرض السورية أكبر بكثير مما هو في العراق، حيث يكاد يكون التنافس محصوراً بين إيران والولايات المتحدة. وبعكس العراق أيضاً، هناك حرب وكالة تدور في سورية، ينتظم أطرافها في معسكرين دوليين - إقليميين كبيرين. تقود الأول واشنطن، ويضم في عضويته دولاً خليجية عربية، وتحاول إسرائيل أن تجد فيه مكاناً. والثاني تقوده روسيا ويضم إيران، وقد اقتربت منه تركيا أخيراً، لتقاطع جزء من مصالحها معه، في حين تضع مصر قدماً هنا وقدماً هناك.
ميدانياً، طرأت خلال العام الماضي تحولات كبيرة على موازين القوى في سورية، إذ جرى إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية الذي بسط، في إحدى المراحل، سيطرته على نصف مساحة البلاد، إلى حد القضاء عليه تقريباً كقوة عسكرية، كما جرى إضعاف المعارضة، وتثبيتها في جيوب معزولة بموجب اتفاقات خفض التصعيد، تمهيداً لتطويعها في إطار عملية سياسية، تقودها روسيا في أستانة، في حين صعدت قوتان رئيستان، هما النظام والأكراد، يقتسمان اليوم السيطرة على أكثر الجغرافيا السورية، ويشكل نهر الفرات الحاجز الطبيعي بينهما، مع خروق بسيطة على الطرفين، إذ يحتفظ النظام بوجود صغير في مركز محافظة الحسكة، في حين يحتفظ الكرد بجيبين معزولين خارج الجزيرة السورية (منبج وعفرين).
ويسيطر الأكراد اليوم بدعم أميركي على ثلث مساحة سورية (الحسكة والرقة ودير الزور) التي تضم أكثر ثروات البلاد من النفط والغاز والمياه والأراضي الزراعية الخصبة، كما يسيطرون على أهم السدود المائية فيها (سورية المفيدة فعلياً)، والتي لا يمكن لجزئها الآخر الذي يضم أكثرية السكان أن يقوم من دونها. وإذا لاحظنا أن روسيا باتت تعتبر أكراد سورية بمثابة أدوات نفوذ أميركي في المنطقة، وأن إيران باتت ترى فيهم عقبةً على طريق وصل مناطق نفوذها في العراق وسورية، إضافة إلى تركيا التي لا يحتاج موقفها إلى تفصيل، نجد أن كل الأسباب تدفع نحو صراع كبير على مناطق شرق الفرات. وتبدو تقسيمات المعركة هنا أكثر وضوحاً من مراحل الصراع السابقة، حيث سيحاول النظام شد العصب العربي إليه، باعتبار أنه يواجه الطموحات الكردية الانفصالية المدعومة أميركياً وإسرائيلياً، والتي تستهدف وحدة البلد وثرواتها، لتبدأ بذلك المرحلة الثالثة من الصراع السوري، على خلفية قومية - إثنية، هذه المرة، بعد أن بدأت ثورة شعبية ضد نظام فاسد، ومستبد (على الرغم من أن الإعلام الغربي قدمها على صورة صراع طائفي)، ثم تحولت إلى حرب ضد الإرهاب والتطرف الذي مثله تنظيم الدولة الإسلامية، وها نحن ندخل مرحلة الحرب على أسس قومية، نرجو أن تكون الأخيرة!