سيأتيك مالٌ كثير، مالٌ سيأتي من حيث لا تدرين أو تحتسبين!
قالت العرّافة للمرأة الشابة وهي تقرأ طالعها في فنجان أبيض صغير في المقهى، وأضافت فجأة بتنهيدة قوية أجفلت المرأة :"من تحبينه يوليك ظهره". هنا فتحت المرأة عينيها - وهي تدرك جيداً سر تنهيدة العرافة -، على اتساعهما وحدقت نحو الفضاء وكأنها تعد سرباً من الطيور مرّ أمام ناظريها.
"انتبهي". قالت العرافة: "لا أقول يحبها إنما يوليها عناية، أعني اهتمامًا، إنني أحاول أن أقرأ بدقة. الدقة والتحديد هما ما أسعى إليهما في قراءة هذه الأشكال والخطوط المتداخلة في قعر فنجانك".
صوبت إصبعها ذات الظفر متقشر الطلاء: "حدقي بهذه الظلال والكتل السوداء الداكنة والرابضة في قعر فنجانك. ما الذي يحدث لك؟". قالت من جديد : "هل رأيتك من قبل؟ هل أعرفُ عنك ِشيئاً؟ أليست هذه بصورة امرأة؟ حدقي جيداً وحاولي أن تكوني صادقة معي".
وفعلت مثلما أشارت العرافة عليها وحدقت من جديد.
"ألا ترينها بقوامها الواضح هذا؟ أعني المرأة وظلالها المتشكلة هنا. ألا ترينها بشكل زرافة بعنقها الطويل والرفيع؟ هذه المرأة تقف في وجهك لأسباب غامضة".
***
كان يجلس على مبعدة منها، يتكئ بمرفقيه على حافة طاولة المقهى، ويحتسي القهوة مع صديقة.
تحدق هي بقعر الفنجان جيداً كما قالت العرافة. ترى أشكالاً متقاطعة بخطوط منفرجة حيناً ومتداخلة حيناً آخر كأنها أمام أشكال هندسية في صف مدرسي.
أصابتها رعدة وهي تستمع إليها وتطيل التحديق من دون أن تعلق بكلمة.
"اطمئني يا أختي". قالت العرافة : "المرأة التي يحاول أن يثير اهتمامها توليه ظهرها. آه يا أختي، العالم جحيم نعيشه. لا شيء يدعو للكآبة إذا ما فهمنا هذه المسألة".
حبست المرأة دمعة كادت أن تفلت منها وأطرقت برأسها من جديد داخل الفنجان الأبيض الصغير، قبل أن تنسحب العرافة خلسة كما ظهرت.
***
حسناً.
الأمر أشبه بطرفة أو نكتة سمجة وثقيلة. لكن سأحاول هنا أن أضع المسألة أمامي وأفك رموزها بهدوء وحنكة مدرس رياضيات حديثة.
أنا واقعة في حب رجل يوليني ظهرة أو كتفه، لا يهم ما دامت النتيجة نفسها، وهو واقع في حب واحدة أخرى، وهذه المرأة توليه ظهرها، إذ إنها واقعة في حب رجل آخر. هذه هي المعادلة : إذاً من أحبه يحب أخرى وهذه تحب آخر.
لأضع المسألة ثانية من جديد:
بدأ الرجل الذي أحبه، مؤخراً بعدم إيلائي عناية أو رعاية، حتى أنه صار يتجنب لقائي منفردة إذا ما سنحت الفرصة لذلك، بل صار يتحدث أمامي عن عائلته، أعني زوجته بشكل خاص. لا بد أنها هي من رأيتها في قعر الفنجان. وحتى لو لم تكن أريد لها أن تكون، أريد لها أن تظهر على هذه الهيئة التي تشبه هيئة سعدان. بدت امرأة تقاتل حتى الهواء المار جنبها. كيف يحتملها؟ لا بد أنه غبي.
استطردت المرأة مسترجعة تفاصيل أخيرة :
حتى أنه تجرأ وصرخ في وجهي بأنه مشغول هذه الأيام، عندها سألته إن كنا سنلتقي هذا المساء. اعتذر بقسوة، بلا سبب واضح. حينها تمنيت لو تنشق الأرض وتبتلعني. لكن، لأحاول أن أكون امرأة عقلانية متفهمة لحالته هنا، إذ ما يزال الرجل الذي أحبه، وما أزال متعلقة به رغم كل شيء. لقد استسلم مبكراً. أحياناً كثيرة يبدو التسليم بالأمر جزءاً من حل المشكلة وتقبلها في الوقت نفسه، تماماً كما يتقبل المرء تعاقب الليل والنهار. ماذا كنت أقول؟ آه، كدت أن أنحرف عن المعادلة. حسناً
بدت الأمور تتضح أمامي: رجلي يهتم بامرأة أخرى، وهي لا تعرف شيئاً وغير مكترثة أصلاً، لأنها مشغولة بحب رجل آخر. هذا الآخر لا يعلم شيئاً عنها، إذ إنه مشغول بحب أخرى. إضافة جديدة لا مفر منها لتكون المعادلة متكافئة.
سأحاول أن أبسط المسألة قليلًا: الرجل الذي أحبه يحب امرأة أخرى وهي تحب رجلا آخر، والآخر لا يعلم شيئاً عما يجري حوله لأنه مشغول بحب امرأة ثالثة، وهكذا.
وأنا بمساعدة عرّافتي اللعينة التي ظهرت هذا الصباح بينما أحتسي القهوة في المقهى، أحاول فك خيوط المسألة التي وضعت أمامي بلا سابق إنذار، بل وأعترف هنا أنها سببت لي صداعاً حاداً عانيت من آثاره طويلًا. لو لم تظهر العرافة اللعينة لبقيت الأمور على حالها الرتيب والمعتاد كدقات الساعة، وكنت أجلس بالمقهى وحدي بعد أن انسحب هو حين ظهر صديق له.
جلسا إلى طاولة قريبة وأخذا يتحدثان. تعمدت حينها أن أنسحب بطاولتي للوراء لأترك لهما راحة تامة ومن دون أن يصل سمعي ما يتهامسان به. ماذا سأفعل الآن والخيارات أمامي محدودة. لا شيء.
امرأة تحب رجلاً. أمر يتكرر حدوثه كل يوم. هذا الرجل يحب امرأة أخرى، وتلك المرأة تحب رجلا آخر، والرجل يحب امرأة ثالثة. المسألة برمتها لا تستحق العناء.
أنا امرأة غارقة في جحيم هذا العالم وبؤسه أحاول خداع الجميع: فمنذ أن أدركت اللعبة بدأت بحب الرجل الذي تحبه المرأة التي يحاول رجلي أن يحبها.
اقــرأ أيضاً
قالت العرّافة للمرأة الشابة وهي تقرأ طالعها في فنجان أبيض صغير في المقهى، وأضافت فجأة بتنهيدة قوية أجفلت المرأة :"من تحبينه يوليك ظهره". هنا فتحت المرأة عينيها - وهي تدرك جيداً سر تنهيدة العرافة -، على اتساعهما وحدقت نحو الفضاء وكأنها تعد سرباً من الطيور مرّ أمام ناظريها.
"انتبهي". قالت العرافة: "لا أقول يحبها إنما يوليها عناية، أعني اهتمامًا، إنني أحاول أن أقرأ بدقة. الدقة والتحديد هما ما أسعى إليهما في قراءة هذه الأشكال والخطوط المتداخلة في قعر فنجانك".
صوبت إصبعها ذات الظفر متقشر الطلاء: "حدقي بهذه الظلال والكتل السوداء الداكنة والرابضة في قعر فنجانك. ما الذي يحدث لك؟". قالت من جديد : "هل رأيتك من قبل؟ هل أعرفُ عنك ِشيئاً؟ أليست هذه بصورة امرأة؟ حدقي جيداً وحاولي أن تكوني صادقة معي".
وفعلت مثلما أشارت العرافة عليها وحدقت من جديد.
"ألا ترينها بقوامها الواضح هذا؟ أعني المرأة وظلالها المتشكلة هنا. ألا ترينها بشكل زرافة بعنقها الطويل والرفيع؟ هذه المرأة تقف في وجهك لأسباب غامضة".
***
كان يجلس على مبعدة منها، يتكئ بمرفقيه على حافة طاولة المقهى، ويحتسي القهوة مع صديقة.
تحدق هي بقعر الفنجان جيداً كما قالت العرافة. ترى أشكالاً متقاطعة بخطوط منفرجة حيناً ومتداخلة حيناً آخر كأنها أمام أشكال هندسية في صف مدرسي.
أصابتها رعدة وهي تستمع إليها وتطيل التحديق من دون أن تعلق بكلمة.
"اطمئني يا أختي". قالت العرافة : "المرأة التي يحاول أن يثير اهتمامها توليه ظهرها. آه يا أختي، العالم جحيم نعيشه. لا شيء يدعو للكآبة إذا ما فهمنا هذه المسألة".
حبست المرأة دمعة كادت أن تفلت منها وأطرقت برأسها من جديد داخل الفنجان الأبيض الصغير، قبل أن تنسحب العرافة خلسة كما ظهرت.
***
حسناً.
أنا واقعة في حب رجل يوليني ظهرة أو كتفه، لا يهم ما دامت النتيجة نفسها، وهو واقع في حب واحدة أخرى، وهذه المرأة توليه ظهرها، إذ إنها واقعة في حب رجل آخر. هذه هي المعادلة : إذاً من أحبه يحب أخرى وهذه تحب آخر.
لأضع المسألة ثانية من جديد:
بدأ الرجل الذي أحبه، مؤخراً بعدم إيلائي عناية أو رعاية، حتى أنه صار يتجنب لقائي منفردة إذا ما سنحت الفرصة لذلك، بل صار يتحدث أمامي عن عائلته، أعني زوجته بشكل خاص. لا بد أنها هي من رأيتها في قعر الفنجان. وحتى لو لم تكن أريد لها أن تكون، أريد لها أن تظهر على هذه الهيئة التي تشبه هيئة سعدان. بدت امرأة تقاتل حتى الهواء المار جنبها. كيف يحتملها؟ لا بد أنه غبي.
استطردت المرأة مسترجعة تفاصيل أخيرة :
حتى أنه تجرأ وصرخ في وجهي بأنه مشغول هذه الأيام، عندها سألته إن كنا سنلتقي هذا المساء. اعتذر بقسوة، بلا سبب واضح. حينها تمنيت لو تنشق الأرض وتبتلعني. لكن، لأحاول أن أكون امرأة عقلانية متفهمة لحالته هنا، إذ ما يزال الرجل الذي أحبه، وما أزال متعلقة به رغم كل شيء. لقد استسلم مبكراً. أحياناً كثيرة يبدو التسليم بالأمر جزءاً من حل المشكلة وتقبلها في الوقت نفسه، تماماً كما يتقبل المرء تعاقب الليل والنهار. ماذا كنت أقول؟ آه، كدت أن أنحرف عن المعادلة. حسناً
بدت الأمور تتضح أمامي: رجلي يهتم بامرأة أخرى، وهي لا تعرف شيئاً وغير مكترثة أصلاً، لأنها مشغولة بحب رجل آخر. هذا الآخر لا يعلم شيئاً عنها، إذ إنه مشغول بحب أخرى. إضافة جديدة لا مفر منها لتكون المعادلة متكافئة.
سأحاول أن أبسط المسألة قليلًا: الرجل الذي أحبه يحب امرأة أخرى وهي تحب رجلا آخر، والآخر لا يعلم شيئاً عما يجري حوله لأنه مشغول بحب امرأة ثالثة، وهكذا.
وأنا بمساعدة عرّافتي اللعينة التي ظهرت هذا الصباح بينما أحتسي القهوة في المقهى، أحاول فك خيوط المسألة التي وضعت أمامي بلا سابق إنذار، بل وأعترف هنا أنها سببت لي صداعاً حاداً عانيت من آثاره طويلًا. لو لم تظهر العرافة اللعينة لبقيت الأمور على حالها الرتيب والمعتاد كدقات الساعة، وكنت أجلس بالمقهى وحدي بعد أن انسحب هو حين ظهر صديق له.
جلسا إلى طاولة قريبة وأخذا يتحدثان. تعمدت حينها أن أنسحب بطاولتي للوراء لأترك لهما راحة تامة ومن دون أن يصل سمعي ما يتهامسان به. ماذا سأفعل الآن والخيارات أمامي محدودة. لا شيء.
امرأة تحب رجلاً. أمر يتكرر حدوثه كل يوم. هذا الرجل يحب امرأة أخرى، وتلك المرأة تحب رجلا آخر، والرجل يحب امرأة ثالثة. المسألة برمتها لا تستحق العناء.
أنا امرأة غارقة في جحيم هذا العالم وبؤسه أحاول خداع الجميع: فمنذ أن أدركت اللعبة بدأت بحب الرجل الذي تحبه المرأة التي يحاول رجلي أن يحبها.