01 نوفمبر 2024
المستبد الفرعون المتأله
بعد قمةٍ قيل إنها "أميركية عربية إسلامية"، وما صاحب ذلك من إعلام حاول أن يروّج ويصف مشاركة المنقلب فيها بأنه "حضور بارز"، وقد حاول، كعادته، أن يدشن ذلك الدور بكلمته الشفرية بشأن محاربة الإرهاب، باعتبار أنها استراتيجية رسمية لنظامه، وبدا هؤلاء يتحدثون أن عبد الفتاح السيسي يمثل ركنا أساسيا في استراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية، وأن دونالد ترامب يرى دوره محوريا في الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب، وفي ظل هذا كله، اعتبر المنقلب ذلك أمرا مواتيا لتعظيم مكانه ومكانته.
وعلى الرغم من أنه يبادر، وبشكل دائم، بوصف سياساته الخارجية بأنها سياسة مستقلة، وأنه لن يعمل "ذيلا" لأحد، إلا أنه، في حقيقة الأمر، أن ما يقوم به في هذا المقام ليس إلا تكريسا وتعبيرا عن هذه "الذيلية" التي ينكرها، فهو يُعد تابعا للولايات المتحدة الأميركية وفق ما تراه وتأمره بالقيام به، حتى إن هناك من يؤكد أن حضوره القمة لم يتأكّد إلا عقب تلقيه اتصالا من الرئيس الأميركي نفسه، ذلك أن كيمياء السيسي وترامب تتفاعل في هذا المقام، وتجعل ما استقر عليه الاثنان من محاربة التطرّف الإسلامي أمرا يشتركان فيه ضمن سلسلة التصريحات العنصرية التي أطلقها ترامب من جانب، وأيده السيسي معبرا عنها على طريقته من جانب آخر.
مؤسفٌ حقا أن حضور هذا المنقلب لهذه القمة يعبر عن مكانة مستجدّة وفرعنة لانقلابه وتمكنه من السلطة، مع ما يشهده المسرح الدولي من تغاضي كل هؤلاء، سواء الولايات المتحدة
الأميركية أو بعض الدول الغربية، عن تلك الممارسات الاستبدادية الصارخة، وكل الانتهاكات الفاضحة في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بدا ذلك كله بيئة مواتية للمنقلب أن يعلن أن العالم صار يحتاج إليه، الأمر الذي أورثه في حالة متضخمة من الغرور.
في هذا الإطار، عبر عن هذه الحالة الشديدة من الغرور في افتتاحه بعض مشاريع خلال زيارته دمياط، وعقده لقاءً من الواضح أنه أعدّ له وفقا للقواعد المتعارف عليها، حضره بعض المسؤولين التنفيذيين، وأعضاء من مجلس النواب، وبعض مواطنين مختارين وفقا للمعايير المخابراتية. وفي هذا اللقاء، طلب أحد أعضاء مجلس النواب المنقلب إرجاء رفع أسعار المحروقات والكهرباء إلى أن يصل الحد الأدنى للأجور في مصر إلى ثلاثة آلاف جنيه، وربما ظن هذا النائب أن ذلك يتوافق مع كلام سابق تحدث فيه السيسي أنه لابد وأن "يغني الناس" قبل أن يأخذ منهم، وهو ما نفذ عكسه في سياسات تقوم على الأخذ فحسب، ومطالبة المواطنين بمزيد من التحمل والصبر.
وحينما بادر النائب بهذا الحديث، قاطعه المنقلب غاضبا "أنت مين؟" في سؤال استنكاري يحط من قدره ابتداء، فلو كان مواطنا فليس من حقه أن يتحدّث بشطر كلمة، أو أن يطلب أو يتحفظ على سياسة سيادته. المواطن في عرفه، والشعب في ظنه، يجب أن ينصاع ويمتثل، وأن يتحمل بمزيد التحمل، لأن مبعوث العناية الإلهية قرّر أن يفعل ما يفعل كسياسة اقتصادية أوردت الناس المهالك، وضاعفت الأسعار، وصارت المسألة ضمن سياسات تعمد الإفقار، ما أدى إلى تدهور حال الناس في معاشهم وحاجاتهم الضرورية.
ذلك حال القادم من بطن العسكر الذي يحكم المجتمع، وكأنه معسكر، وينظر إلى الشعب باعتباره لا يملك من إرادته شيئا، إلا أن يستجيب لطاعة الأوامر، من غير تعقيب أو تحفظ. وفي هذا السياق، فإنه إذ يخبره الرجل أنه عضو في مجلس النواب، فيرد عليه مستنكرا ساخرا "نواب إيه وبتاع إيه"، ليؤكد مرة أخرى باعتباره رأسا للسلطة التنفيذية، كسلطة الأمر الواقع الذي لا يقيم وزنا لأي سلطةٍ أخرى، برلمانية كانت أو تشريعية، ويجعل كل ذلك طوع يمينه، على الرغم من أنه دبج مجلس النواب، بعد عمل ومراجعة مخابراتية، حتى أسماه بعضهم "برلمان المخابرات"، أليس هو القائل "افرضوا أن البرلمان طلب يراقب موازنة الجيش" يقول مستنكرا "مش ينفع ده يحصل"، إنه تصوّره لتلك العلاقة بين العسكر ومؤسسات الدولة، معتبرا هذا العضو لا يفهم، وهذه معادلة العسكر في الحكم والتحكّم، فليعلم الجميع أنه لا سلطة إلا سلطة العسكر.
بل إنه يواصل احتقار الرجل مؤكدا جهله وعدم فهمه، قائلا "وقبل ما تتكلم لازم تفهم وتدرس.. أنتم درستم المواضيع دي"، فليتخيل الناس أنه المحتفي بجهاز الكفتة ومروّجه، وهو الذي يتحدث في الوقت نفسه عن الدراسة، ويتهم كل مُطالب بالجهل، أنسي هذا المنقلب أنه صاحب مشروعٍ يتعلق بتفريعة قناة السويس الذي وعد فيه الناس بالرخاء، متباهيا وخدّامه من الكهنة أنه لم يقم بدراسات جدوى، ولكن ثقة الناس فيه كبيرة، وبعد ذلك يتشدّق أنت درست؟!، عنوان مشاريعه الفنكوشية إنما تعبر عن حالة متاجرة بالأحلام وتوزيع الأوهام لا تقوم على أدنى معلومات أو دراسات.
يعد هذا الكلام بتلك الحدة وتلك السخرية من الرجل تعبيراً بحق عن أسوأ ما نحن فيه "حال
قتل السياسة"، "وإغلاق المجال العام" بالضبة والمفتاح، وأنه لم يعد يطيق كلمة واحدة من أي أحد، تخالف سياساته القاتلة، أو ما يتحدث به من كلماته الباطلة. وهنا نصل إلى تصور يشكل نموذجا للعسكر حول رؤيته أموراً تتعلق بالديمقراطية وحرية التعبير، والحقوق الإنسانية والمدنية والسياسية، ولا يمثل ذلك كله شيئا له قيمة في وجدانه أو في فعله. ومن هنا، نراه يؤكد أن "من يتحدّاه فإنما يتحدّى الله"، لا أدري أهي نظرية تفويض إلهي جديدة، أم هي استدعاء لمقولة فرعونية "أنا ربكم الأعلى"، إنها قمة الفاشية، حينما تمارس على هذا النحو، ليس ذلك مشهدا فريدا لنتأكد من امتلائه واستغنائه واستبداده وطغيانه إلى حد الفرعنة والتأليه.
ما بال هذا الطاغية يفكر أنه يملك الصواب والرشد، ويملك الكلام الفصل والقول الأخير واليقين الكبير، إنه طبيب الفلاسفة الذي تأتيه الحكمة فلا معقب عليه، يقول من الكلام التافه، فيؤكّد ممن حوله أنه الناطق بالحكمة. إن أصعب موقفٍ في هذا المقام موقف الذين سايروه في إطار استبداده وطغيانه، فصفقوا لهذا المنقلب، بعد أن حط من قدر ذلك النائب.
وعلى الرغم من أن المسألة معروفة، باعتبار تشكيل المؤسسات الخادمة، وامتهان وظائفها وأدوارها وتزوير نتائجها والتلاعب بها، فإنه لا يتحمل، في وسط هذا الركام من الزيف، أن يقول أحد خلاف ما يقول، ثم يأتي هؤلاء يصفقون من الصفاقة والوفاقة، ليحكموا الحلقة التي تتعلق بنفاق من يقوم على إذلالهم واستعبادهم، أيحسب أن لن يقدر عليه أحد. إن هذا الأمر الذي ارتكبه المنقلب إنما يعبر عن حال وهنه الشديد، ورعبه الأكيد، وسياساته الفاجرة وأقواله الطغيانية الفاضحة، ومحاولة عسكرة المجتمع الواضحة.
ذلك كله سياسات فاشلة لا يمكنها أن تقيم دولة، ولا يمكنها أن تؤسس مجتمعاً، الطاغية المتأله لابد أن يواجه في ذاته، يذكّر ذلك كله بما كان يفعله هؤلاء الحكام في تاريخ المسلمين الذين استندوا إلى حال الجبرية السياسية، فقالوا: إنما نحكمكم بإرادة الله، ونقتلكم بقدر من الله، ونستعبدكم بوحي من الخالق، ويحيلون ذنوبهم ـ حاشا لله ـ على الله، هكذا حال المتألهين الذين يظنون أنهم لا يسألون عما يفعلون والآخرون يسألون، إنها قمة الطغيان والاستبداد، أيمكن بعد هذا أن يصمت الصامتون، ولا يستكملوا ثورتهم التي تجمع بين العيش الكريم والحرية والكرامة والعدالة، "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد".
وعلى الرغم من أنه يبادر، وبشكل دائم، بوصف سياساته الخارجية بأنها سياسة مستقلة، وأنه لن يعمل "ذيلا" لأحد، إلا أنه، في حقيقة الأمر، أن ما يقوم به في هذا المقام ليس إلا تكريسا وتعبيرا عن هذه "الذيلية" التي ينكرها، فهو يُعد تابعا للولايات المتحدة الأميركية وفق ما تراه وتأمره بالقيام به، حتى إن هناك من يؤكد أن حضوره القمة لم يتأكّد إلا عقب تلقيه اتصالا من الرئيس الأميركي نفسه، ذلك أن كيمياء السيسي وترامب تتفاعل في هذا المقام، وتجعل ما استقر عليه الاثنان من محاربة التطرّف الإسلامي أمرا يشتركان فيه ضمن سلسلة التصريحات العنصرية التي أطلقها ترامب من جانب، وأيده السيسي معبرا عنها على طريقته من جانب آخر.
مؤسفٌ حقا أن حضور هذا المنقلب لهذه القمة يعبر عن مكانة مستجدّة وفرعنة لانقلابه وتمكنه من السلطة، مع ما يشهده المسرح الدولي من تغاضي كل هؤلاء، سواء الولايات المتحدة
في هذا الإطار، عبر عن هذه الحالة الشديدة من الغرور في افتتاحه بعض مشاريع خلال زيارته دمياط، وعقده لقاءً من الواضح أنه أعدّ له وفقا للقواعد المتعارف عليها، حضره بعض المسؤولين التنفيذيين، وأعضاء من مجلس النواب، وبعض مواطنين مختارين وفقا للمعايير المخابراتية. وفي هذا اللقاء، طلب أحد أعضاء مجلس النواب المنقلب إرجاء رفع أسعار المحروقات والكهرباء إلى أن يصل الحد الأدنى للأجور في مصر إلى ثلاثة آلاف جنيه، وربما ظن هذا النائب أن ذلك يتوافق مع كلام سابق تحدث فيه السيسي أنه لابد وأن "يغني الناس" قبل أن يأخذ منهم، وهو ما نفذ عكسه في سياسات تقوم على الأخذ فحسب، ومطالبة المواطنين بمزيد من التحمل والصبر.
وحينما بادر النائب بهذا الحديث، قاطعه المنقلب غاضبا "أنت مين؟" في سؤال استنكاري يحط من قدره ابتداء، فلو كان مواطنا فليس من حقه أن يتحدّث بشطر كلمة، أو أن يطلب أو يتحفظ على سياسة سيادته. المواطن في عرفه، والشعب في ظنه، يجب أن ينصاع ويمتثل، وأن يتحمل بمزيد التحمل، لأن مبعوث العناية الإلهية قرّر أن يفعل ما يفعل كسياسة اقتصادية أوردت الناس المهالك، وضاعفت الأسعار، وصارت المسألة ضمن سياسات تعمد الإفقار، ما أدى إلى تدهور حال الناس في معاشهم وحاجاتهم الضرورية.
ذلك حال القادم من بطن العسكر الذي يحكم المجتمع، وكأنه معسكر، وينظر إلى الشعب باعتباره لا يملك من إرادته شيئا، إلا أن يستجيب لطاعة الأوامر، من غير تعقيب أو تحفظ. وفي هذا السياق، فإنه إذ يخبره الرجل أنه عضو في مجلس النواب، فيرد عليه مستنكرا ساخرا "نواب إيه وبتاع إيه"، ليؤكد مرة أخرى باعتباره رأسا للسلطة التنفيذية، كسلطة الأمر الواقع الذي لا يقيم وزنا لأي سلطةٍ أخرى، برلمانية كانت أو تشريعية، ويجعل كل ذلك طوع يمينه، على الرغم من أنه دبج مجلس النواب، بعد عمل ومراجعة مخابراتية، حتى أسماه بعضهم "برلمان المخابرات"، أليس هو القائل "افرضوا أن البرلمان طلب يراقب موازنة الجيش" يقول مستنكرا "مش ينفع ده يحصل"، إنه تصوّره لتلك العلاقة بين العسكر ومؤسسات الدولة، معتبرا هذا العضو لا يفهم، وهذه معادلة العسكر في الحكم والتحكّم، فليعلم الجميع أنه لا سلطة إلا سلطة العسكر.
بل إنه يواصل احتقار الرجل مؤكدا جهله وعدم فهمه، قائلا "وقبل ما تتكلم لازم تفهم وتدرس.. أنتم درستم المواضيع دي"، فليتخيل الناس أنه المحتفي بجهاز الكفتة ومروّجه، وهو الذي يتحدث في الوقت نفسه عن الدراسة، ويتهم كل مُطالب بالجهل، أنسي هذا المنقلب أنه صاحب مشروعٍ يتعلق بتفريعة قناة السويس الذي وعد فيه الناس بالرخاء، متباهيا وخدّامه من الكهنة أنه لم يقم بدراسات جدوى، ولكن ثقة الناس فيه كبيرة، وبعد ذلك يتشدّق أنت درست؟!، عنوان مشاريعه الفنكوشية إنما تعبر عن حالة متاجرة بالأحلام وتوزيع الأوهام لا تقوم على أدنى معلومات أو دراسات.
يعد هذا الكلام بتلك الحدة وتلك السخرية من الرجل تعبيراً بحق عن أسوأ ما نحن فيه "حال
ما بال هذا الطاغية يفكر أنه يملك الصواب والرشد، ويملك الكلام الفصل والقول الأخير واليقين الكبير، إنه طبيب الفلاسفة الذي تأتيه الحكمة فلا معقب عليه، يقول من الكلام التافه، فيؤكّد ممن حوله أنه الناطق بالحكمة. إن أصعب موقفٍ في هذا المقام موقف الذين سايروه في إطار استبداده وطغيانه، فصفقوا لهذا المنقلب، بعد أن حط من قدر ذلك النائب.
وعلى الرغم من أن المسألة معروفة، باعتبار تشكيل المؤسسات الخادمة، وامتهان وظائفها وأدوارها وتزوير نتائجها والتلاعب بها، فإنه لا يتحمل، في وسط هذا الركام من الزيف، أن يقول أحد خلاف ما يقول، ثم يأتي هؤلاء يصفقون من الصفاقة والوفاقة، ليحكموا الحلقة التي تتعلق بنفاق من يقوم على إذلالهم واستعبادهم، أيحسب أن لن يقدر عليه أحد. إن هذا الأمر الذي ارتكبه المنقلب إنما يعبر عن حال وهنه الشديد، ورعبه الأكيد، وسياساته الفاجرة وأقواله الطغيانية الفاضحة، ومحاولة عسكرة المجتمع الواضحة.
ذلك كله سياسات فاشلة لا يمكنها أن تقيم دولة، ولا يمكنها أن تؤسس مجتمعاً، الطاغية المتأله لابد أن يواجه في ذاته، يذكّر ذلك كله بما كان يفعله هؤلاء الحكام في تاريخ المسلمين الذين استندوا إلى حال الجبرية السياسية، فقالوا: إنما نحكمكم بإرادة الله، ونقتلكم بقدر من الله، ونستعبدكم بوحي من الخالق، ويحيلون ذنوبهم ـ حاشا لله ـ على الله، هكذا حال المتألهين الذين يظنون أنهم لا يسألون عما يفعلون والآخرون يسألون، إنها قمة الطغيان والاستبداد، أيمكن بعد هذا أن يصمت الصامتون، ولا يستكملوا ثورتهم التي تجمع بين العيش الكريم والحرية والكرامة والعدالة، "أيحسب أن لن يقدر عليه أحد".