06 نوفمبر 2024
المسكوت عنه في الحال العراقية
أمر ملفت حقاً أن تنبري صحف وفضائيات عراقية لرسم صورة وردية لواقع الحال في البلد الذي اجتاز العام الخامس عشر بعد "تحريره"، مؤشرة إلى جملة ما تسميها "انتصاراتٍ" و"إنجازاتٍ" و"مكاسب"، ومبشّرة المواطنين المهمومين بحياتهم اليومية بأن ثمّة عاماً قادماً سوف يكون أكثر إشراقاً وأملاً، وأن يجري تمرير هذه الحفنة من الأكاذيب التي يضطر لتكرارها صحافيون مذعورون، وتدعمها تحليلاتٌ قاصرةٌ ورخيصةٌ لمحللين مأجورين، بسهولةٍ وراحة بال، في حين تزخر تقارير لمنظمات دولية معتبرة، وحتى منظمات مدنية محلية شجاعة، بوقائع وأرقام فضائحية، يصعب على المراقب المحايد تجاهلها، أو النأي بنفسه عنها.
الذعر الذي يصيب بعض المنخرطين في هذه الحملة من الصحافيين والكتاب مصدره مخاطر لا قبل لهم بمواجهتها، فقد قتلت جهات مجهولة (اقرأ: معروفة) 21 صحافيا في العام المنصرم. وسجل المرصد العراقي للحريات الصحافية حالات تهديدٍ لصحافيين، على خلفية مشاركتهم في حركة الاحتجاجات والتظاهرات. وجرى إغلاق مكاتب قنوات تلفزيونية ومصادرة أجهزتها واعتقال عاملين فيها، كما وجهت تهديداتٌ لصحافيين بالذبح، واستدعي آخرون إلى مكاتب مسؤولين رسميين، وتعرّضوا للإهانة على خلفية تقارير نشروها عن واقع الحال في دوائرهم. واعتبر المرصد العراق بيئة خطرة على الصحافيين. وقالت لجنة حماية الصحافيين في العالم إنه من أخطر خمسة أقطار على العمل الصحافي في العام السالف.
لا تسألوا إذن لماذا انخرط بعضهم مذعورين في حملة تزيين المشهد الماثل وتلوينه، ولماذا صمت آخرون عن الكلام، أو عمدوا إلى التخفي وراء أسماء مستعارة، كي يستطيعوا إخلاء مسؤوليتهم المهنية في كشف ما يجري، والإفلات من دائرة الخطر.
في ظل ذلك، ثمّة مقادير كثيرة لوقائع مثيرة انشغلت بها جهات دولية. فقد أحصت الأمم المتحدة 3229 مواطنا مدنيا قتلوا خلال 11 شهرا من العام المنصرم، 4639 آخرين أصيبوا بجراح. وتحدثت عن عمليات اختطاف وقتل وتغييب خارج القانون، وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، يرقى بعضها إلى "عقوباتٍ جماعية"، ليس تنظيم داعش وحده من ارتكب هذه الجرائم، وإن كان له النصيب الأكبر فيها. لكن ثمة مساهمة مرصودة من المليشيات السوداء، وحتى قوات الجيش والأمن والقوات المساندة لها، وقيل إن لجانا تحقيقية شكلت لكن أحدا لم يسمع بنتائج تحقيقاتها، حتى الأمم المتحدة لم يصل إليها شيء بهذا الخصوص.
تحدثت الأمم المتحدة أيضا عن عمليات تهديد وإخلاء قسري للعوائل، وأعداد مهولة من نازحين ومهجرين، لم يعودوا بعد إلى مواطن سكناهم الأولى. وحسب تقديرها، فإن العدد وصل في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت إلى خمسة ملايين وأربعمئة ألف نازح، لم تتوفر أمامهم سبل العودة، وليس هناك رؤية واضحة لدى الحكومة لمعالجة مشكلاتهم التي أدت إلى تعقيدات كارثية.
وماذا عن الفساد؟ ليس هناك بلد سوى العراق تحدث السرقات فيه علناً. ولا يخجل اللصوص الكبار فيه من أن يجهروا بالحقيقة، ويظلون محصّنين من العقوبة. وقالت هيئة النزاهة العراقية إن العفو العام الذي صدر أخيرا شمل 2252 مسؤولا وموظفا عاما كانوا قد دينوا في قضايا فساد. وانتشرت تغريدة على وسائل التواصل تقول: "أيها الموظف العام، اسرق ما تحت يدك وانتظر عفوا عاما". ونقلت الوكالة الفرنسية عن أحدهم قوله إن المسؤول الذي يسرق أقل من ستين مليون دولار يُنظر إليه على أنه نزيه مقارنةً بالحيتان الكبار، أو أنه مغفلٌ لأنه لم يسرق كل ما وصلت إليه يده.
أصدرت الهيئة على مدى تسعة أشهر أمر قبضٍ بحق 17 وزيرا و117 من ذوي الدرجات الخاصة، لضلوعهم في قضايا فساد. وبالطبع، لم تنفذ تلك الأوامر، نتيجة ضغوط من أحزاب ومراجع دينية ورجال في السلطة، وعضو برلماني يثبت رقم 228 مليار دولار، يقول إنها أهدرت في مشاريع وهمية وتطايرت مثل الدخان.
هكذا نراقب معاً، ونحن ندخل عاماً جديداً، بلدا يحمل ستة آلاف سنة على ظهره، وهو ينحدر ببطء إلى القاع، ولا يجرؤ كاتب أو صحافي هناك أن يسخّر قلمه لفضح حقيقة ما يجري، ويكتفي بالتغريد أن "الجو بديع، والدنيا ربيع". يذكّرنا ذلك بما يقوله أصدقاؤنا الصينيون "ذاك الذي يتكلم لا يعرف، وذاك الذي يعرف لا يتكلم".
الذعر الذي يصيب بعض المنخرطين في هذه الحملة من الصحافيين والكتاب مصدره مخاطر لا قبل لهم بمواجهتها، فقد قتلت جهات مجهولة (اقرأ: معروفة) 21 صحافيا في العام المنصرم. وسجل المرصد العراقي للحريات الصحافية حالات تهديدٍ لصحافيين، على خلفية مشاركتهم في حركة الاحتجاجات والتظاهرات. وجرى إغلاق مكاتب قنوات تلفزيونية ومصادرة أجهزتها واعتقال عاملين فيها، كما وجهت تهديداتٌ لصحافيين بالذبح، واستدعي آخرون إلى مكاتب مسؤولين رسميين، وتعرّضوا للإهانة على خلفية تقارير نشروها عن واقع الحال في دوائرهم. واعتبر المرصد العراق بيئة خطرة على الصحافيين. وقالت لجنة حماية الصحافيين في العالم إنه من أخطر خمسة أقطار على العمل الصحافي في العام السالف.
لا تسألوا إذن لماذا انخرط بعضهم مذعورين في حملة تزيين المشهد الماثل وتلوينه، ولماذا صمت آخرون عن الكلام، أو عمدوا إلى التخفي وراء أسماء مستعارة، كي يستطيعوا إخلاء مسؤوليتهم المهنية في كشف ما يجري، والإفلات من دائرة الخطر.
في ظل ذلك، ثمّة مقادير كثيرة لوقائع مثيرة انشغلت بها جهات دولية. فقد أحصت الأمم المتحدة 3229 مواطنا مدنيا قتلوا خلال 11 شهرا من العام المنصرم، 4639 آخرين أصيبوا بجراح. وتحدثت عن عمليات اختطاف وقتل وتغييب خارج القانون، وانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، يرقى بعضها إلى "عقوباتٍ جماعية"، ليس تنظيم داعش وحده من ارتكب هذه الجرائم، وإن كان له النصيب الأكبر فيها. لكن ثمة مساهمة مرصودة من المليشيات السوداء، وحتى قوات الجيش والأمن والقوات المساندة لها، وقيل إن لجانا تحقيقية شكلت لكن أحدا لم يسمع بنتائج تحقيقاتها، حتى الأمم المتحدة لم يصل إليها شيء بهذا الخصوص.
تحدثت الأمم المتحدة أيضا عن عمليات تهديد وإخلاء قسري للعوائل، وأعداد مهولة من نازحين ومهجرين، لم يعودوا بعد إلى مواطن سكناهم الأولى. وحسب تقديرها، فإن العدد وصل في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت إلى خمسة ملايين وأربعمئة ألف نازح، لم تتوفر أمامهم سبل العودة، وليس هناك رؤية واضحة لدى الحكومة لمعالجة مشكلاتهم التي أدت إلى تعقيدات كارثية.
وماذا عن الفساد؟ ليس هناك بلد سوى العراق تحدث السرقات فيه علناً. ولا يخجل اللصوص الكبار فيه من أن يجهروا بالحقيقة، ويظلون محصّنين من العقوبة. وقالت هيئة النزاهة العراقية إن العفو العام الذي صدر أخيرا شمل 2252 مسؤولا وموظفا عاما كانوا قد دينوا في قضايا فساد. وانتشرت تغريدة على وسائل التواصل تقول: "أيها الموظف العام، اسرق ما تحت يدك وانتظر عفوا عاما". ونقلت الوكالة الفرنسية عن أحدهم قوله إن المسؤول الذي يسرق أقل من ستين مليون دولار يُنظر إليه على أنه نزيه مقارنةً بالحيتان الكبار، أو أنه مغفلٌ لأنه لم يسرق كل ما وصلت إليه يده.
أصدرت الهيئة على مدى تسعة أشهر أمر قبضٍ بحق 17 وزيرا و117 من ذوي الدرجات الخاصة، لضلوعهم في قضايا فساد. وبالطبع، لم تنفذ تلك الأوامر، نتيجة ضغوط من أحزاب ومراجع دينية ورجال في السلطة، وعضو برلماني يثبت رقم 228 مليار دولار، يقول إنها أهدرت في مشاريع وهمية وتطايرت مثل الدخان.
هكذا نراقب معاً، ونحن ندخل عاماً جديداً، بلدا يحمل ستة آلاف سنة على ظهره، وهو ينحدر ببطء إلى القاع، ولا يجرؤ كاتب أو صحافي هناك أن يسخّر قلمه لفضح حقيقة ما يجري، ويكتفي بالتغريد أن "الجو بديع، والدنيا ربيع". يذكّرنا ذلك بما يقوله أصدقاؤنا الصينيون "ذاك الذي يتكلم لا يعرف، وذاك الذي يعرف لا يتكلم".