24 سبتمبر 2020
المسكوت عنه في جريمة يهوذا
اسمه يهوذا ليندسبرغ، عمره 25 عاماً، متزوج وله ثلاثة أطفال، يهودي متعصب، مستوطن على أرض فلسطينية مغتصبة. هو الذي ارتكب جريمة حرق الطفل الرضيع، علي الدوابشة، في قرية دوما في نابلس، ارتكبها بالمشاركة مع بعض رفاقه من المستوطنين، وهم يحرقون منزلين فلسطينيين. جريمة وضيعة وبشعة، أعقبتها ردود الفعل المعتادة، غضب شعبي فلسطيني، ومسيرات واحتكاك مع قوات الاحتلال، وسقوط ثلاثة شبان فلسطينيين، ليلحقوا بالرضيع، ونحسبهم جميعا شهداء، وتوالت بعض بيانات الشجب والتنديد من أمين عام الأمم المتحدة، والخارجية الأميركية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ندد، وحمّل حكومة العدو الإسرائيلي المسؤولية، وأضاف إلينا معلومة جديدة، هي أنه سبق ارتكاب 11 ألف جريمة منذ عام 2004 من مستوطنين يهود ضد الفلسطينيين، وأن السلطة الفلسطينية ستتقدم بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية. والجديد أن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خرج علينا أيضا، منددا بالجريمة، وقال إنه اتصل بعباس، وأبلغه أسفه وعزمه زيارة أهل الرضيع الحريق في المستشفى، وأكد أهمية العيش بسلام مع جيرانهم الفلسطينيين في يهودا والسامرة، أي الضفة الغربية.
هذا ما حدث، وما جرى. جريمة وضيعة، من مستوطن وضيع. ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، وإن كان المثير للانتباه انخفاض حدة ردة الفعل العربية، والذي يكاد يكون معدوماً. ولعل السبب يرجع إلى أن الكل مشغول بشأنه الداخلي، خصوصاً الدول العربية الرئيسية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج العربية، مشغولة بعاصفة الحزم، وإعادة الأمل، والسهم الذهبي، في اليمن، وتطورات الموقف على الأرض، وانعكاسات الاتفاق النووي الإيراني على مجمل الأوضاع الإقليمية، واجتماعات وزراء الخارجية مع وزيري الخارجية، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، في الدوحة، ومصر وانشغالها باستقبال ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، ومعه وزير الخارجية، وإصدار إعلان القاهرة، ثم استقبال كيري لاستئناف الحوار الاستراتيجي بعد توقف طويل. والأهم الاستعداد للاحتفالات الأسطورية بافتتاح قناة السويس "الجديدة". وهذه هي المرة الثالثة لإجراء احتفالات كبرى، تبدأ بإبحار اليخت المحروسة في عرض القناة، وفى حضور ضيوف من ذوي المقام الرفيع من أنحاء العالم. كانت الأولى في 1869 عند الافتتاح الأول. والثانية في 1975، بعد إعادة تطهير القناة وتشغيلها بعد توقف دام ثماني سنوات بسبب الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، وهذه هي المرة الثالثة، بعد عمليات الحفر والتطوير الجديدة التي تمت في عام واحد، وتبدأ الاحتفالات أيضا من على ظهر اليخت المحروسة.
وليست باقي الدول العربية أفضل من ذلك، فالكل مشغول بأحواله، في سورية والعراق، وبلاد المغرب، وسائر بلاد العرب.
نعود إلى يهوذا وجريمته النكراء، ونتنياهو ودعوته المستوطنين اليهود بالتعايش مع جيرانهم الفلسطينيين في الضفة، ومحمود عباس وشكواه للمحكمة الجنائية الدولية بشأن 11 ألف قضية، والصمت والانشغال العربي عن ما تعرف بقضية العرب الأولى والمركزية؟
ماذا سيحدث؟ لا يهوذا سيعاقب على جريمته، ولا المستوطنون سيلقون بالاً إلى نصيحة نتنياهو المخادعة، ولا الجنائية الدولية ستحقق في 11 ألف قضية التي تقدمت بها سلطة أبو مازن. وسيبقى الغضب الفلسطيني حبيس الصدور، ومحاطاً بقوات الأمن الوقائي لسلطة أبو مازن في إطار التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، وستبقى المقاومة محاصرة في غزة.
والأخطر من ذلك كله الجريمة الكبرى المستمرة والمسكوت عنها، والتي تقع كل يوم أمام أعين الدنيا كلها، وهي الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية الفلسطينية، وعمليات تهويد القدس المحتلة.
وقبل أن نتعرض للأرقام، وهي ليست دقيقة تماماً، لكنها أقرب ما تكون إلى الصحة، نذكر أن مصادرها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومركز بتسليم للدفاع عن حقوق الإنسان في إسرائيل، والهيئة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس. وطبقا لأحدث التقديرات، فإن الضفة الغربية المحتلة (مساحتها 5844 كم مربع)، بلغ عدد مواطنيها العرب الفلسطينيين 2.83 مليون، بينما تعداد المستوطنين اليهود فيها بين 450 إلى 550 ألف مستوطن، منهم نحو 200 ألف مستوطن في القدس الشرقية، يمثلون ما بين 18- 20% من إجمالي سكان الضفة، ويعيشون في مئات المستوطنات الرئيسية، والبؤر والمواقع الاستيطانية، ويقيمون عشرات المشروعات الزراعية، والصناعية، والتجارية، ويمثلون امتداداً طبيعيا للمجتمع اليهودي داخل إسرائيل. عملية استيطان ممنهج تتم بهدوء، وبإصرار، لتغيير الواقع الديموغرافى على الأرض تدريجياً، حتى يصبح أمراً مقبولاً، ويصبح غاية ما تطلبه السلطة الفلسطينية في رام الله أن يكف المستوطنون اليهود عن ارتكاب جرائمهم ضد (جيرانهم) من العرب الطيبين!
ولأن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية مستمر، ويتزايد، ولأن سلطة رام الله ستظل تلهث وراء التنسيق الأمني مع العدو المحتل، ولأن المقاومة الفلسطينية ستبقى محاصرة من الجميع، ولأن الأشقاء العرب سيبقون مشغولين بأحوالهم، وبالمخاطر التي تحيط بهم، حكاماً ومحكومين، وبحروبهم الجديدة ضد الإرهاب، فإن الجميع قد يستيقظ يوما ليجد العالم يتحدث عن حقوق الأقلية الفلسطينية في الضفة، وكما نتحدث اليوم عن (عرب 48) سيتحدث من يأتي بعدنا عن (عرب 67)، ربما يحدث ذلك بعد 50 عاماً أو أقل؟
على من يعتقد أن ذلك ضرباً من المبالغة والخيال، عليه فقط أن يعيد قراءة التاريخ، منذ مائة عام فقط. هل كان هناك، في عالمنا العربي، من كان يمكن أن يتصور أنه ستقوم دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وتطالب العالم بالاعتراف بيهوديتها، وأن المسجد الأقصى سيصبح رهينة تحت احتلالها؟ وأن العرب والفلسطينيين سيطلبون من حكومتها مجرد الرفق بأطفالهم، فلا يقتلونهم، كما قتلوا الطفل محمد الدرة (11 عاماً) برصاص جنودهم في عام 2000، وأحرقوا الرضيع علي الدوابشة (18 شهرا)، على يد المستوطن يهوذا في عام 2015؟
على العرب أن يدركوا أن للاحتلال عنوانا، هو الاستيطان.
وليست باقي الدول العربية أفضل من ذلك، فالكل مشغول بأحواله، في سورية والعراق، وبلاد المغرب، وسائر بلاد العرب.
نعود إلى يهوذا وجريمته النكراء، ونتنياهو ودعوته المستوطنين اليهود بالتعايش مع جيرانهم الفلسطينيين في الضفة، ومحمود عباس وشكواه للمحكمة الجنائية الدولية بشأن 11 ألف قضية، والصمت والانشغال العربي عن ما تعرف بقضية العرب الأولى والمركزية؟
ماذا سيحدث؟ لا يهوذا سيعاقب على جريمته، ولا المستوطنون سيلقون بالاً إلى نصيحة نتنياهو المخادعة، ولا الجنائية الدولية ستحقق في 11 ألف قضية التي تقدمت بها سلطة أبو مازن. وسيبقى الغضب الفلسطيني حبيس الصدور، ومحاطاً بقوات الأمن الوقائي لسلطة أبو مازن في إطار التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، وستبقى المقاومة محاصرة في غزة.
والأخطر من ذلك كله الجريمة الكبرى المستمرة والمسكوت عنها، والتي تقع كل يوم أمام أعين الدنيا كلها، وهي الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية الفلسطينية، وعمليات تهويد القدس المحتلة.
وقبل أن نتعرض للأرقام، وهي ليست دقيقة تماماً، لكنها أقرب ما تكون إلى الصحة، نذكر أن مصادرها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومركز بتسليم للدفاع عن حقوق الإنسان في إسرائيل، والهيئة الإسلامية المسيحية للدفاع عن القدس. وطبقا لأحدث التقديرات، فإن الضفة الغربية المحتلة (مساحتها 5844 كم مربع)، بلغ عدد مواطنيها العرب الفلسطينيين 2.83 مليون، بينما تعداد المستوطنين اليهود فيها بين 450 إلى 550 ألف مستوطن، منهم نحو 200 ألف مستوطن في القدس الشرقية، يمثلون ما بين 18- 20% من إجمالي سكان الضفة، ويعيشون في مئات المستوطنات الرئيسية، والبؤر والمواقع الاستيطانية، ويقيمون عشرات المشروعات الزراعية، والصناعية، والتجارية، ويمثلون امتداداً طبيعيا للمجتمع اليهودي داخل إسرائيل. عملية استيطان ممنهج تتم بهدوء، وبإصرار، لتغيير الواقع الديموغرافى على الأرض تدريجياً، حتى يصبح أمراً مقبولاً، ويصبح غاية ما تطلبه السلطة الفلسطينية في رام الله أن يكف المستوطنون اليهود عن ارتكاب جرائمهم ضد (جيرانهم) من العرب الطيبين!
ولأن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية مستمر، ويتزايد، ولأن سلطة رام الله ستظل تلهث وراء التنسيق الأمني مع العدو المحتل، ولأن المقاومة الفلسطينية ستبقى محاصرة من الجميع، ولأن الأشقاء العرب سيبقون مشغولين بأحوالهم، وبالمخاطر التي تحيط بهم، حكاماً ومحكومين، وبحروبهم الجديدة ضد الإرهاب، فإن الجميع قد يستيقظ يوما ليجد العالم يتحدث عن حقوق الأقلية الفلسطينية في الضفة، وكما نتحدث اليوم عن (عرب 48) سيتحدث من يأتي بعدنا عن (عرب 67)، ربما يحدث ذلك بعد 50 عاماً أو أقل؟
على من يعتقد أن ذلك ضرباً من المبالغة والخيال، عليه فقط أن يعيد قراءة التاريخ، منذ مائة عام فقط. هل كان هناك، في عالمنا العربي، من كان يمكن أن يتصور أنه ستقوم دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وتطالب العالم بالاعتراف بيهوديتها، وأن المسجد الأقصى سيصبح رهينة تحت احتلالها؟ وأن العرب والفلسطينيين سيطلبون من حكومتها مجرد الرفق بأطفالهم، فلا يقتلونهم، كما قتلوا الطفل محمد الدرة (11 عاماً) برصاص جنودهم في عام 2000، وأحرقوا الرضيع علي الدوابشة (18 شهرا)، على يد المستوطن يهوذا في عام 2015؟
على العرب أن يدركوا أن للاحتلال عنوانا، هو الاستيطان.