رأت المعارضة الجزائرية في قرار تمرير تعديل الدستور داخل البرلمان، تهرباً سياسياً، ووصفته بأنه "إجراء عبثي" في وقتٍ، أعلن فيه الرئيس الجزائري، أن "تعديل الدستور الجديد، سيعرض على البرلمان في جلسة ستجمع غرفتيه، بدلاً من طرحه للاستفتاء العام أمام الشعب.
وزكت أغلب التشكيلات السياسية الموالية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أمس، قراره بطرح مسودة التعديل على غرفتي البرلمان، بدلاً من استفتاء شعبي.
وعبرت مجموعة من القادة السياسيين في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عما وصفوه بـ"خطورة تعديل الدستور دون اللجوء للتشاور والاستفتاء الشعبي، على مستقبل الجزائر".
وترأس الرئيس بوتفليقة اجتماعاً مصغراً، هو الثاني من نوعه خلال شهر، أعطى فيه موافقته النهائية على مسودة التعديل الدستوري، وقرر عرضها على البرلمان للمصادقة.
وتعهد الرئيس بوتفليقة، بتوجيه نسخة من مشروع تعديل الدستور في الأيام المقبلة إلى الشخصيات والأحزاب السياسية، بالإضافة إلى الجمعيات التي تمت استشارتها في الدستور.
كما تعهد بعرضها على الرأي العام عن طريق وسائل الإعلام في قت لاحق، على أن يبدأ مجلس الوزراء شهر يناير/كانون الثاني المقبل، في دراسة مسودة تعديل الدستور، قبل عرضه على المجلس الدستوري الذي سيقوم بإبداء رأيه حول الطريقة التي ستتم بها المصادقة.
اقرأ أيضاً: حسين آيت يطوي صفحة جيل سياسي أقصته السلطة الجزائرية
لكن المعارضة السياسية في الجزائر، وعلى الرغم من تطمينات الرئيس بوتفليقة، لا تبدي موقفاً إيجابياً تجاه مسودة التعديل الدستوري، التي يقترحها الرئيس بوتفليقة.
واعتبرت المعارضة أن المسودة، لم تستجب لأبرز مطالباها، إذ لا تؤسس الوثيقة الجديدة لمرتكزات الدولة المدنية، التي ينادي بها الرئيس بوتفليقة، كما لا توضح بشكل جدي طبيعة النظام السياسي، والذي أبقت عليه نظاماً شبه رئاسي.
وطرحت المعارضة الجزائرية، في ملاحظاتها، عدم تضمن المسودة لمطلب إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، ما يعني، حسب موقفها، إبقاءها في يد وزارة الداخلية والجهاز الحكومي. مشدداً على أن هذا الخيار، يغيب أية ضمانات لشفافية جدية للانتخابات.
وفي سياق استقلالية الاستحقاقات في الجزائر، قالت المعارضة، إن بنود الدستور الجديد، تبقي على تداخل كبير بين السلطة التنفيذية والقضائية، ولا تعيد للبرلمان والمؤسسات الرقابية أية صلاحية فعلية على صعيد مراقبة عمل الحكومة ومؤسسات الدولة.
وقال القيادي في حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر حمداداوش ناصر إن ما يطرحه الرئيس بوتفليقة، يعد "عملية عبثية، لأنها مرت عبر مجلس وزاري مصغر غير دستوري، وتطعن في مصداقية هذا التعديل".
وذهب القيادي الحزبي في حديثه لـ"العربي الجديد"، حد وصف الخطوة بـ "الانقلاب على الإصلاحات السياسية وعلى التعديل الجذري الشامل والعميق الذي وعد به، وإحالته على البرلمان دليل على أنه تعديل شكلي وجزئي، وهو دون طموحات الطبقة السياسية، وآمال الشعب الجزائري".
اقرأ أيضاً: بوتفليقة يوافق على مسوّدة تعديل دستوري ويحضر لطرحها برلمانيّاً
وأضاف حمدادوش "ليست لدينا الثقة في هذا التعديل في ظل هذه السلطة الفاقدة للشرعية وللمشروعية، بالنسبة لنا هو لا حدث ولا يعنينا، وتتحمل هذه السلطة العملية العبثية والذهاب نحو المجهول، ولقد تأكد للجميع أن كل هذا المخاض وهذه المشاورات كانت عبثية".
وتعتبر قوى المعارضة أن التعديلات التي يقترحها الرئيس بوتفليقة، وزعمه أنها "عميقة وجوهرية"، تفرض عليه وجوباً، وفقاً للدستور طرح التعديل الدستوري للاستفتاء الشعبي، وفقا للمادة 176 من الدستور الجزائري".
وفي السياق ذاته، وصفت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، تمرير الدستور دون استفتاء شعبي، بأنه "اغتصاب لإرادة الشعب".
وقال العضو القيادي في الرابطة هواري قدور لـ"العربي الجديد" إن"نجاح المسار الديمقراطي هو رهين صياغة دستور توافقي، يمر عبر استفتاء شعبي، وليس على غرفتي البرلمان"، مشيراً إلى أن "الجزائر في هذه المرحلة بحاجة إلى دستور توافقي، يشارك الجميع في اقتراح التعديلات فيه، في ظل التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تمر بها البلاد".
اقرأ أيضاً: الجزائر تنظر في أكبر قضية فساد بقطاع النفط
وشدد هواري على ضرورة، التفكير بعيداً عن مرحلة كسر العظام، وأضاف أن "تثبيت أركان الديمقراطية ومقومات الدولة الحديثة لا تأتي خارج سلطة الشعب".
وحمل المتحدث ذاته، المجلس الدستوري الجزائري، مسؤولية المصادقة على هذا الخيار. وحذر مما وصفه "التلاعب بالدستور، ما قد جر البلاد إلى المجهول".
وقال الأمين العام السابق لحركة النهضة فاتح ربيعي، لـ"العربي الجديد"، "أخيراً يظهر مشروع تعديل الدستور، وتظهر معه أسئلة كثيرة حول ما إذا كانت الجزائر فعلاً اليوم في حاجة إلى دستور".
وتساءل ربيعي، عن توقيت طرح الرئيس لتعديل الدستور، وعما اذا كان البرلمان الحالي الذي توجه إليه انتقادات حادة بشأن ضعفه الهيكلي والسياسي، مؤهلا للمصادقة عليه، وبديلاً عن الاستفتاء الشعبي العام".
جدير بالذكر، أنه يحق للرئيس طرح تعديل دستوري على البرلمان في جلسة تجمع غرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة). وهذه ثالث مرة يطرح فيها الرئيس بوتفليقة، تعديلاً دستورياً أمام البرلمان، بعد تعديل أول جرى عام 2005، تضمن ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية.
اقرأ أيضاً: رحيل آخر قادة ثورة التحرير يجمّد الحياة السياسية بالجزائر