استمع إلى الملخص
- التأثير على القضية الفلسطينية والتطبيع: أعادت الصواريخ الإيرانية الثقة للفلسطينيين وأحرجت الدول العربية الصامتة، مما أثر على مساعي التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية وأعاد القضية الفلسطينية إلى عمقها العربي والإسلامي.
- الرد الإيراني وتداعياته: جاء القصف الإيراني رداً على اعتداءات إسرائيلية، مما أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة وأكد على أهمية إيجاد حل عادل، مع تعقيد المشهد الإسرائيلي بفعل العمليات الفلسطينية النوعية.
كشفت ليلة الصواريخ الإيرانية على إسرائيل عن مدى اعتماد الأخيرة على الآخرين، وتحديداً على الولايات المتّحدة، ليس في الدعم السياسي والمادي والعسكري فقط، إنّما في الدفاع عن أمنها الذاتي أيضاً، عبر نصب منظومات دفاع جوي عدّة في المنطقة، لمنع وصول الصواريخ الإيرانية صوب إسرائيل، التي فشلت فشلاً كبيراً.
أظهرت تلك الليلة أنّ إسرائيل قد تُصبح عبئاً على الولايات المتّحدة، والدول الغربية مستقبلاً، نظراً لأنّ العلاقة بينهما قد أصبحت معكوسةً، فبدلاً من أن تحمي إسرائيل المصالح الأميركية والغربية في المنطقة، باتت الولايات المتّحدة والدول الغربية هي من تحميها. إذ كان النقاش يدور سابقاً حول تعريف إسرائيل بأنّها "حاملة طائرات أميركية متقدمة في المنطقة، لحماية المشروع الغربي الاستعماري"، حتّى كانت أحداث "طوفان الأقصى"، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وحالة الإرباك التي رافقتها، وانهيار قوّة الردع الإسرائيلية، التي دفعت الولايات المتّحدة إلى إحضار حاملات طائرات ومدمرات وسفن حربية عدّة للشرق الأوسط لحماية إسرائيل، ما ورط الولايات المتّحدة في مواجهة مع أنصار الله (الحوثيين) في البحر الأحمر، التي أدت بدورها إلى إحراج الولايات المتّحدة وضرب هيبتها، نظراً إلى عدم قدرة أميركا على حماية قواتها في البحر الأحمر، في الوقت الذي قدمت به من أجل حماية إسرائيل أولاً، وحماية حركة التجارة في المياه الدولية ثانياً، وبالتالي فإنّ فشلها في حماية نفسها يضع علامات استفهام على مدى قدرتها على حماية إسرائيل ومصالحها الأخرى في المنطقة.
أعادت الصواريخ الإيرانية ثقة الفلسطينيين بإمكانية كسر عنجهية إسرائيل وغرورها، خصوصاً أنّ إسرائيل المغرورة لا تفهم سوى لغة الخوف والقوة
أحدث قصف إيران للمواقع الإسرائيلية، في ليلة الأول من أكتوبر، إرباكاً للمشروع الأميركي في المنطقة، إذ شكلت تلك الصواريخ إحراجاً للدول العربية الصامتة أو المتواطئة تجاه القضية الفلسطينية عامةً، وقطاع غزّة خاصّةً، ففي الوقت الذي فشلت/ تقاعست فيه عن حماية غزّة من الإبادة الجماعية، التي تتعرض لها، فضلاً عن عدم قدرتها، أو عدم نيتها، على تقديم المساعدات الإنسانية للقطاع، قصفت إيران إسرائيل، وفي الوقت ذاته؛ ما زالت الإدارة الأميركية تعمل ليلاً نهاراً من أجل إتمام صفقات التطبيع، بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية، على اعتبارها جزءاً من استراتيجية الولايات المتّحدة للرد على "طوفان الأقصى"، إذ ادّعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، في اليوم الأول لطوفان الأقصى أن "إفشال مساعي التطبيع بين المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال" من بين الأسباب التي دفعت حركة حماس، وقائدها الشهيد يحيى السنوار، إلى تنفيذ عملية السابع من أكتوبر، لذا وعدت الولايات المتّحدة، في حينها، بالرد على حماس والسنوار عبر الاستمرار في دفع مساعي التطبيع حتّى تحقيقه، وإفشال، ما تسميه الولايات المتّحدة، مخطط إيران وحلفائها في المنطقة، الساعي إلى ضرب العلاقات الإسرائيلية مع العرب، ومنع نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد، بقيادة دولة الاحتلال، بعد تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وضرب قوى المقاومة كلّها في المنطقة، التي ترفض مشروع الهيمنة الأميركية والإسرائيلية.
أضافت ليلة الصواريخ الإيرانية بعداً جديداً يتمثّل في ضرب سردية الاحتلال، بأن إسرائيل هي المكان الأكثر أمناً ليهود العالم، إذ أدت الصواريخ الإيرانية إلى فقدان الإسرائيليين لإحساسهم بالأمن الفردي، كما الأمن الجماعي، حين اضطرت إسرائيل كلّها إلى النزول إلى الملاجئ، في مقابل ذلك أثلج ذلك الخوف، الذي أصاب الإسرائيليين، صدور الفلسطينيين، وأدخل الفرحة إلى قلوب الملايين، الذين كانوا ينتظرون أي موقف من أيّ دولة عربية كانت، إلى أن أتى الرد الإيراني، وإن كان جزءاً كبيراً منه رداً على جملة كبيرة من الإهانات والاعتداءات والاستفزازات، التي قامت بها إسرائيل ضدّ إيران.
كان القصف الإيراني، في مساء الأول من أكتوبر 2024، رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، الأستاذ الشهيد إسماعيل هنية، في نهاية يوليو/ تموز الماضي في طهران، وعلى اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد حسن نصر الله، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، إضافةً إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على منشآت وشخصيات إيرانية في سوريا والعراق، كما جاء الرد الإيراني في خضم نقاش فلسطيني وعربي وإقليمي ودولي، حول مدى جدية إيران في الرد المباشر، ومن أراضيها على إسرائيل، أو عبر الاستمرار بما يسمى بالحرب غير المباشرة، عبر حلفاء إيران وشركائها في المنطقة، حزب الله اللبناني، وجماعة أنصار الله الحوثي في اليمين، والفصائل العراقية موالية لإيران، إذ يدّعي خصوم إيران في المنطقة أنّ إيران لن تضحي بمصالحها، ولن تواجه إسرائيل من أجل فلسطين، والقضايا العربية، إنّما ستستخدم العرب لخدمة مشروعها ومصالحها في المنطقة، إلّا أنّ الرد الإيراني النوعي، والكبير والمفاجئ، الذي لم يسبق أن قام بمثله جيشٌ عربي، من بداية المشروع الصهيوني وإقامة الكيان الإسرائيلي عام 1948، قد طاول مواقع ومنشآت استراتيجية حساسة في عمق إسرائيل. ما يعقد المشهد أيضاً؛ أن إيران التي انطلقت منها مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل ليست من دول الطوق، وليست من الدول الثانية، إنما من الدائرة الثالثة لإسرائيل، وتبعد حوالي 1500 كيلومتر عن حدود إسرائيل.
مثّلت الصواريخ الإيرانية، من وجهة نظر فلسطينية، محطة مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية، ومواجهة المشروع الصهيوني، إذ شعر الفلسطينيون، لأول مرّة منذ عقود، بأنّ قضيتهم الوطنية العادلة قد بدأت بالعودة إلى عمقها العربي والإسلامي، بعد محاولات غربية وإسرائيلية، وحتّى محاولات بعض النظم العربية الرسمية لسلخها عن عمقها العربي والإسلامي، جزءاً من مخطط تصفيتها، عبر تهميش القضية، وإسقاطها من النقاش الإقليمي والدولي، لتمرير اتّفاقيات سلام منفردة بين إسرائيل ودول عربية، لتتطور لاحقاً لاتّفاقيات وشراكات وتطبيع بين إسرائيل وأنظمة عربية، إذ ترى إسرائيل أن تطبيع الأنظمة العربية معها، يعني تخلي تلك الأنظمة عن مسؤولياتها العربية والسياسية والأخلاقية وغيرها تجاه فلسطين وقضيتها، ونسفها لمقررات القمة العربية 2002 في بيروت، التي نصت على منع التطبيع قبل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية والسورية العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على كامل حدود عام 1967. كما يرى الشعب الفلسطيني في التطبيع والشراكة بين الأنظمة العربية وإسرائيل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، لأنه يفترض أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، كون فلسطين وشعبها ومقدساتها جزءاً من العالم العربي والإسلامي، كما أن مسؤولية تحرير المقدسات الإسلامية، خصوصاً المسجد الأقصى المبارك، الذي يعتبر جزءاً من عقيدة الإسلام والمسلمين، ملقاة على عاتق العالميين العربي والإسلامي، رغم ذلك يتزامن الحديث الأميركي الإسرائيلي عن جلب أنظمة عربية جديدة للتطبيع مع تدنيس المستوطنين اليهود المتطرفين لأولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، في ظلّ صمت عربي وإسلامي مريب.
شكلت تلك الصواريخ إحراجاً للدول العربية الصامتة أو المتواطئة تجاه القضية الفلسطينية عامةً، وقطاع غزّة خاصّةً
أعادت ليلة الصواريخ الإيرانية الشعب الفلسطيني إلى عام 1991، أي لأكثر من ثلاثين عاماً مضت، حين قصف العراق إسرائيل بعشرات الصواريخ البالستية، وخرج الفلسطينيون في الضفّة الغربية، وقطاع غزة، والداخل إلى الشوارع، وصعدوا على أسطح المنازل والبيوت لمشاهدة الصواريخ وهي تدك المواقع الإسرائيلية. كما أعادت الصواريخ الإيرانية ثقة الفلسطينيين بإمكانية كسر عنجهية إسرائيل وغرورها، خصوصاً أنّ إسرائيل المغرورة لا تفهم سوى لغة الخوف والقوة، وظهر ذلك بوضوح حين دعت الجبهة الداخلية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي الإسرائيليين كافة إلى النزول إلى الملاجئ، بمن فيهم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والقادة العسكريون والسياسيون والأمنيون، الذين اختبأوا بملجأ محصن ضدّ الأسلحة النووية تحت الأرض في جبال القدس المحتلة، في الوقت الذي كان فيه ملايين الفلسطينيين يصفقون ويهتفون فرحاً حين أضاءت صواريخ إيران سماء فلسطين، كما تعززت الثقة الفلسطينية أكثر بعد مشاهدة الصواريخ الإيرانية وهي تفلت من مئات صواريخ القبة الحديدية الإسرائيلية لتصل إلى أهدافها بدقة، حين فشلت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية والأميركية والغربية في اعتراض غالبية الصواريخ الإيرانية، وذلك على مرأى من ملايين الفلسطينيين، ما مثّل محطةً مهمةً في إعادة بناء وعي جمعي فلسطيني تحرري، مفاده إمكانية هزيمة إسرائيل، وبأنّ الشعب الفلسطيني لم يعد وحده، خصوصاً في ذروة عملية الإبادة والتطهير العرقي، التي تقوم بها إسرائيل ضدّ شعبنا الفلسطيني في قطاع غزّة، وباقي الأراضي الفلسطينية، بعد أن قتلت إسرائيل وأصابت حتى اللحظة أكثر من 150 ألف فلسطيني، جلهم من النساء والأطفال والشيوخ، وفي ظلّ دعم أميركي وغربي لإسرائيل، وصمت وتواطؤ عربي، واختفاء تام للجامعة العربية، التي عُقدت بعد أسابيع من بدء المجزرة الإسرائيلية، وقررت إدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزّة، لكنها فشلت في تنفيذ ذلك، ولم تتمكن من ترجمة وتنفيذ قراراتها خوفاً من مواجهة إسرائيل.
أدى غرور إسرائيل وعنجهيتها إلى تفسيرها حرص إيران على عدم الدخول في حرب على أنه ضعف وخوف من إسرائيل، ما دفع إسرائيل إلى التمادي كثيراً في إهانة إيران وحلفائها في المنطقة، سواء بالهجوم على قنصليتها ومنشآتها ومسؤوليها في سورية، الذي ردت عليه إيران في حينه بضربات صاروخية في الثالث عشر من إبريل/ نيسان، لكن ذلك القصف لم يكن قوياً، ولم يرقَ للإهانات والاعتداءات الإسرائيلية، ما فتح شهية إسرائيل أكثر باتجاه استمرار اعتداءاتها على المصالح الإيرانية داخل إيران وخارجها، كما تعزّز الغرور الإسرائيلي وتماديها في حينها نتيجة نجاح الدفاعات الجوية الأميركية والغربية والإسرائيلية في إسقاط أغلبية الصواريخ الإيرانية في ضربة إبريل، ما طمأن إسرائيل أكثر وشجّعها على التمادي، إلى أن وصلت الوقاحة والعنجهية إلى حدّ الاعتداء على العاصمة الإيرانية، وذلك باغتيال الأستاذ الشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أثناء حضوره احتفال تسلم الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان مهامه، ثم اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وما يمثله نصر الله بالنسبة لإيران في المنطقة، ما فرض على إيران أن تُعيد النظر في سياستها، وأجبرها على التخلي عن سياسة الصبر الاستراتيجي، لتقوم بهجومها القوي والكبير في ليلة الأول من أكتوبر، مستخدمةً صواريخ حديثةً وقويةً ودقيقةً، تحمل رؤوساً حربيةً متفجرةً تزن أكثر من 750 كيلوغراماً لكلّ صاروخ، وقادرة على تجاوز منظومات الدفاع الجوي الأميركية والغربية والإسرائيلية المختلفة، ما أدى إلى وصولها إلى أهدافها بسهولة.
تزامنت الصواريخ الإيرانية مع عملية فدائية فلسطينية نوعية في مدينة يافا، نفذها شابان فلسطينيان من مدينة الخليل، وأدت إلى مقتل سبعة إسرائيليين وإصابة آخرين، ما عقّد المشهد الإسرائيلي، وجعل الأمن الفردي الإسرائيلي في مهب الريح، كما الأمن الجماعي، والأهم من ذلك هو تحول الحرب على غزةّ إلى قضية إقليمية ودولية تكريساً لواقع أن فلسطين هي مفتاح الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، إذ عادت القضية الفلسطينية إلى صدارتها الإقليمية والدولية، وبدأت تتعالى الأصوات العالمية المشددة على ضرورة إيجاد حل عادل ودائم للقضية الوطنية الفلسطينية، من خلال حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه السياسية والوطنية الجماعية.