تسعى روسيا إلى استغلال بعض الانعطافات في المواقف الدولية تجاه الوضع في سورية، ومصير رئيس النظام بشار الأسد، من أجل الضغط على المعارضة السورية، ودفعها إلى تغيير مواقفها بدورها. وقد تجلى هذا التوجه الروسي بشكل خاص خلال محادثات جنيف الأخيرة، والتي قالت روسيا إنها "حملت تبدلاً في مواقف المعارضة، لصالح القبول ببقاء الأسد في السلطة"، معتبرة أن "موقف رفض بقاء الأسد يصدر فقط عن المتشددين داخل المعارضة".
في هذا السياق، قال السفير الروسي في جنيف، ألكسي بورودافكين، إن "الجولة السابعة من المحادثات التي انتهت يوم الجمعة، تمخضت عن نتائج إيجابية، لا سيما في تصحيح نهج وفد الهيئة العليا للمفاوضات، والذي لم يطالب خلال هذه الجولة أبداً باستقالة الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية الشرعية فوراً". واعتبر السفير الروسي أن "من أهم سلبيات المحادثات هي وجود عناصر متطرفة داخل الهيئة العليا للمفاوضات تطالب بإقصاء الرئيس الشرعي للبلاد بشار الأسد". كذلك قال إن "الهيئة العليا للمفاوضات أدركت مع داعميها في العواصم الغربية والخليجية أن السلام يجب أن يحل أولاً وبعدها يمكن التفاوض على إصلاحات سياسية". وتابع قائلاً إنه "إذا كانوا مستعدين لإبرام اتفاقات مع وفد الحكومة فهذا أمر أساسي، أما إذا انزلقوا مجدداً إلى تحذيرات وشروط مسبقة ليست واقعية، فهذا لن ينجح، بل سيقود المفاوضات سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة إلى طريق مسدود".
وردّ المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، على تصريحات السفير الروسي في جنيف بهذا الشأن، في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه في "تويتر"، مشيراً إلى أن "ادعاء السفير الروسي بجنيف بأن وفد المعارضة قدم تنازلات هو محض تدليس إعلامي ومخالف للمهنية والمصداقية". وأكد حجاب أنه "لا تنازل عن مغادرة بشار الأسد وزمرته الذين تورطوا بارتكاب جرائم في حق السوريين، فالسوريون قالوا كلمتهم في بشار الأسد وزمرته، وليس من حقنا التنازل عن المطالب الأساسية للشعب السوري".
من جهتها، استنكرت الهيئة العليا للمفاوضات تصريح السفير الروسي، وعبّرت عن استغرابها من اعتباره ملايين السوريين الذين نادوا برحيل بشار الأسد متطرفين، مؤكدة أن "الذين يقبلون ببقائه ليسوا من الثورة أو المعارضة، وأنه لا يوجد في الهيئة العليا للمفاوضات ولا في وفدها المفاوض من يقبل ببقائه". ولفتت الهيئة انتباه السفير الروسي إلى "بيان الرياض"، والذي أصدرته الهيئة، وكان بمثابة خريطة طريق واضحة لها، والذي يطالب بألا يكون "للأسد أو زمرته وكل من تلطخت يده بدماء السوريين الأحرار، أي دور في المرحلة الانتقالية وفي مستقبل سورية السياسي"، مشدّدة على أن "هذا موقف الهيئة ككل وليس قسماً منها". كذلك طالب أعضاء مؤتمر الرياض التأسيسي بـ"محاكمة المجرمين الذين هدموا سورية وشردوا شعبها، واعتقلوا الآلاف من أبنائها، فضلاً عن مئات الآلاف من المعوقين والمفقودين".
واتهمت الهيئة السفير الروسي بأنه "يريد التشويش على وحدة موقف المعارضة الوطنية"، مشدّدة على أن "نظام بشار الأسد هو المسؤول الأول عن دماء السوريين، والتي أهرقها بحقد على كل من طالب بالحرية والكرامة". ولفت بيان الهيئة إلى أن "الأخيرة غير معنية بما يفكر به الآخرون من أشخاص أو دول تبحث عن مصالحها فقط، فثورة الشعب السوري مستمرة وسيزيدها القتل والتشريد إصراراً ووفاء لأرواح الشهداء".
بدوره، اعتبر المتحدث باسم وفد المعارضة الى مفاوضات جنيف يحيى العريضي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "المعارضة لا تزال على موقفها ورؤيتها السياسية التي حددتها بوضوح في مؤتمر الرياض، استناداً إلى مرجعيات دولية محددة، ولا يمكنها أن تغير رؤيتها بناء على تصريح من هنا أو هناك". وزاد العريضي بأن "الموقف الجديد الذي قد يصدر عن الهيئة العليا للمفاوضات هو المطالبة بمحاكمة بشار الأسد أمام محكمة الجنايات الدولية وربما تحرير سورية من الاحتلالين الروسي والإيراني".
وحول مبعث هذه التصريحات الروسية، رأى بأن "الجولة الأخيرة من مباحثات جنيف تمحورت حول اللقاءات مع المنصات الأخرى، وليس مع وفد النظام. وكان موقف منصة القاهرة أقرب إلى مواقف الهيئة بينما موقف منصة موسكو أقرب إلى الموقف الروسي، ومن هنا جاء الموقف الروسي الذي أخذ في الاعتبار موقف منصة موسكو فقط". وبشأن كيفية التعامل مع التغير في المواقف الدولية، وأوضحها موقف الرئيس الفرنسي ماكرون من مسألة التعامل مع الأسد، قال العريضي إن "ماكرون أطلق تصريحات متناقضة ومتذبذبة حيال المسألة السورية، وهو يحاول خصوصاً بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى باريس، العثور على موطئ قدم في سورية، واختار لذلك البوابة الروسية".
واستدرك العريضي قائلاً "لكن هذه التصريحات لا تغير في الواقع شيئاً لأن الأسد باعتراف القوى الدولية الرئيسية هو بمثابة مغناطيس للإرهاب. ولا يمكن الزعم بمحاربة الإرهاب والحفاظ على بقاء الأسد في الوقت نفسه. كذلك لا يمكن تخيير الشعب السوري بين الأسد والإرهاب، لأن خيارات الشعب هي غير ذلك، وأعلنها بوضوح منذ اليوم الأول، وما زال يتمسك بها، وهي إقامة دولة تقوم على الحرية والعدالة والديمقراطية".
ودعا العريضي إلى "عدم التعويل على نظام الأسد لبناء أية خطط سياسية على غرار اتفاق الجنوب الذي تم برعاية روسية ــ أميركية"، مؤكداً أن "النظام لم ولن يحترم أية اتفاقات، وهو يواصل قصف درعا بالرغم من بدء سريان الاتفاق، ولا بد في النهاية من إلزامه باحترام المرجعيات الدولية التي تقضي بضرورة رحيله، ومحاكمة رموزه لضمان نجاح أي حل سياسي". وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قد دعت إلى "جعل إقامة منطقة تخفيف التوتر في جنوب سورية، مثالاً لغيرها من المناطق في إدلب وشمالي حمص والغوطة الشرقية".
من جهته، قال عضو وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف وأستانة، العقيد فاتح حسون، إن "موقف الثورة السورية من مصير الأسد واضح وضوح الشمس، ولا يمكن قبول بشار المجرم في أي مرحلة من مراحل الانتقال السياسي". ورأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "التوجهات الدولية الجديدة بشأن بقاء الأسد في الحكم لن تؤدي إلى أي حل بل ستعقّد المشكلة أكثر".
وحول موقف المعارضة في حال حصل توافق روسي ــ أميركي ــ أوروبي - تركي بهذا الشأن، قال حسون إن "موقف المعارضة سيكون صعباً بلا شك، لكن هل خرجت الملايين ضد بشار الأسد بقرار من هذه الدول أو مجلس الأمن؟ بالتالي فإنهم لن يعدّلوا مواقفهم بقرار خارجي". وأضاف أن "الثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها ولو أتى جيل بعد جيل"، مستطرداً بالقول "ماذا فعل الأسد مع القرارات الدولية في جنيف1 وما تلاها من قرارات؟ لم يستجب لها وهو مجرم الكيميائي". وحول إمكانية القبول به في المرحلة الانتقالية فقط، وليس في الحل الدائم، قال حسون إن "منطق التاريخ يقول إنه ﻻ يمكن أن ينعم البلد بالاستقرار بوجود المجرم الذي قتل ودمر وهجّر السواد الأعظم من أهل البلد"، مشيراً إلى أنه" ليس لدى المعارضة علم بما يقال عن تفويض الأميركيين للروس بتقرير مصير بشار الأسد".