مخاطر الدستور الروسي
يعتبر المصدر أن لدى الروس استراتيجية في سورية، تقوم على فرض مرجعية تخصّهم، لذلك في كل المفاوضات السابقة التي أجرتها المعارضة مع الروس، لم يكونوا يعترفون بالمرجعية الدولية في كل المفاوضات، سواء كانت جنيف أو أستانة أو ميونخ وغيرها. ويشرح المصدر أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما "سايرت الروس إلى أن صدر القرار رقم 2254"، موضحاً أن روسيا دعت لاحقاً إلى أستانة، وكانت لديها ثلاثة بنود تسعى لتحقيقها: الأول عدم وحدة المعارضة، أي تحويلها لمعارضات. والبند الثاني، بحسب المتحدث، هو فصل "المعارضة المعتدلة" عن "غير المعتدلة" على أساس حضور مؤتمر أستانة، إذ تعتبر كل من لم يحضر أستانة إرهابياً. أما البند الثالث فهو تعديل مرجعية المعارضة السورية في أستانة. ويوضح أن الضغط الذي حدث قبل الذهاب ولا سيما القرار رقم 2336 الخاص بموافقة مجلس الأمن الدولي على اتفاق وقف إطلاق النار، لم يساعد روسيا في تعديل مرجعية المعارضة الذاهبة إلى أستانة، إضافةً إلى أنّها لم تتمكّن من الحصول على تسعة أصوات في مجلس الأمن.
ويشرح المصدر في المعارضة أن الروس لجأوا في أستانة إلى دفع المنظومة العسكرية في المفاوضات، لكن ما جرى أنه لم يتم الاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار في المحادثات، حتى أن وفد المعارضة لم يتحدّث عن أي اتفاق، لافتاً إلى أن الخطوة التالية لروسيا كانت تتمثّل في إنشاء منصّة عسكرية، وعسكر المعارضة "بلعوا هذا الطعم الروسي"، التي اكتفت بهذه الخطوة.
ويضيف المصدر: "اقترح الروس في أستانة 2 تشكيل لجنة لصياغة الوفد العسكري إلى جنيف، لكن الوفد رفض الفكرة"، مضيفاً أن الطرف الروسي يعتبر أنه بدأ الآن ينشئ علاقة ثقة مع القوى العسكرية في المعارضة لتساعده في المستقبل، واتضح ذلك في حرص ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أستانة، ألكسندر لافرونتيف، على إيصال رسالة للوفد العسكري في المعارضة مفادها "أن روسيا لا تتبنّى بشار الأسد ولا تدافع عنه، إضافةً إلى أنها لا تدافع عن أي أقليّة، وأنها ستقيم علاقة وثيقة مع جميع السوريين"، مشيراً إلى أنه قدّم تعهّداً بأن الطيران الروسي سيوقف قصفه، وسيعمل على إلزام النظام والإيرانيين بالهدنة. ويصف المصدر هذه النقطة بأنها دليل على أن الروس لا يملكون القرار الكامل، وهو ما يُبعد عنهم صفة الضامن.
ويشير إلى أن جلسات المفاوضات في أستانة أنتجت نوعاً من العلاقة بين المعارضة والروس، غير أنّها لم تنتج أي تغيير على الأرض في الملفات الثلاثة الأساسية، وهي "وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وملف المعتقلين"، موضحاً أن ثمّة تساؤلاً اليوم: هل أن موسكو غير قادرة على ممارسة نفوذها على النظام السوري والإيرانيين أم أنّها لا تريد أن تحقق تقدّماً في هذا المجال؟ ويضيف المصدر نفسه: "موسكو اليوم إيجابية لأنها تريد الذهاب إلى جنيف كلاعب أساسي في ظل انشغال الأميركيين وعدم جهوزيتهم، إضافة إلى أن روسيا لا تريد إفشال المفاوضات كونها لها مصلحة في الحل السياسي ولكن ضمن رؤيتها، التي تتضمّن إعادة تركيب مكوّنات المجتمع السوري، وإعادة تشكيل النظام السياسي وتشكيل المعارضة السورية". ويصف الدستور الروسي بأنه نموذج لتقسيم المنطقة بأسرها، عبر ما يُسمّى بـ"الدولة الناضجة" والتي تؤدّي إلى استقلال مناطق بحدِّ ذاتها، مضيفاً: "هنا تكمن خطورة الموقف الروسي، لأنه يُعتبر تغييراً للهوية".
تصاعد النفوذ الأوروبي
تفيد معلومات المصدر المعارض بأن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، سيركّز في جنيف على الملف السياسي من خلال البنود 12 و13 و14 من القرار رقم 2254، والتي تنص على مناقشة الحكم والدستور والانتخابات، مشيراً إلى أن دي ميستورا لم يلفظ كلمة الانتقال السياسي بشكلٍ مباشر لكنّ البنود الثلاثة تشير إلى ذلك. ويكشف أن المعارضة لن تذهب إلى جنيف لمناقشة وقف إطلاق النار والمعتقلين والملف الإغاثي، لأنها كانت مخصّصة للبحث في أستانة، وسيكون التركيز على البُعد السياسي في المفاوضات، موضحاً أن لدى المعارضة وفدين، الأول يقوده رئيس الائتلاف الوطني أنس العبدة، والذي شارك في مؤتمر الأمن الأوروبي، والتقى قبلها وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت ودي ميستورا، وتمحورت اللقاءات حول استمرار الدعم الأوروبي لمفاوضات جنيف، بما في ذلك عملية الانتقال السياسي.
ويلفت إلى أنه في فترة أوباما، كانت الأدوار تقوم على أن الأميركيين يديرون الملف السياسي، في حين يتسلّم الأوروبيون الملف الإغاثي، لكن الأوروبيين تخلّوا في أواخر فترة أوباما عن الملف الإنساني واتجهوا لصالح الدور السياسي، ولا سيما فرنسا وألمانيا، متوقّعاً أن "يكون الدور الأوروبي متفاعلاً معنا، في حين أننا في مرحلة استكشاف دور واشنطن، ومدى انخراطها في الجانبين السياسي والعسكري". ويوضح أن "ملامح الدور الأميركي ليست سلبية حتى الآن، والمعارضة تحاول التواصل مع الأميركيين لتصنيف المليشيات الإيرانية على أنّها منظمات إرهابية ودمجها مع المنظمات الإرهابية الأخرى". ويكشف المصدر أن المعارضة السورية "تحاول استثمار الخلاف الأميركي - الإيراني للحصول على دعم أميركي، لأن المعارضة تحارب تنظيم داعش في شمالي سورية ضمن عملية درع الفرات، وتحارب المنظمات الإرهابية الإيرانية على جبهات أخرى من سورية".
لا يتوقع المصدر في المعارضة السورية أن يكون الأميركيون ذاهبين إلى حرب مع إيران، "لكن إدارة دونالد ترامب تحاول إعادة صياغة الاتفاق النووي، لأن أوباما عندما أبرمه مع إيران منحها جائزتي ترضية: الأولى بالسماح لها بتصدير النفط إلى أوروبا وهو ما أزعج روسيا، والثانية أنه سمح لإيران بأن تكون ضمن منظومة أمن الخليج، وهي من أخطر الاتفاقات التي وقّعتها الولايات المتحدة، وشكّلت دافعاً لإيران للتوقيع". ويشير إلى أن السعودية احتجّت بسبب اعتبار إيران جزءاً من منظومة أمن الخليج وقامت بإثارة موضوع السفارة السعودية في طهران والتي تعرّضت للهجوم، وهو أمر دفع بأوباما للرد وإثارة قانون "جاستا"، مشيراً إلى أنه تم تجميد شق المنافع الاقتصادية لإيران في السوق الأوروبية وجرى ترحيل الصراع مع السعودية إلى الإدارة الأميركية الجديدة.
دور إسرائيلي
ويكشف المصدر نفسه أن الدور الإسرائيلي دخل على خط هذه الأزمات بشكلٍ كبير، ويريد من الدول العربية أن تقدّم تنازلات على المستوى الفلسطيني، وعلى مستوى زيادة دعم الخليج للمنظومة الأميركية وزيادة التطبيع معها، وذلك مقابل تحجيم الدور الإيراني وخطره في الخليج، مشيراً إلى أن المطلبين الإسرائيليين حسّاسان جداً، وأن إسرائيل ستبدأ بالظهور بشكلٍ علني كلاعب أساسي وبشكلٍ صريح في الملف السوري، متخوّفاً من أن تهاجم إسرائيل لبنان خلال الفترة المقبلة، قائلاً: "عندما يتوفّر لإسرائيل دعم أميركي مطلق وتعاني من مشاكل عميقة على الصعيد الداخلي وظروف إقليمية مساعدة، فإنها تتّجه مباشرةً لشنّ حرب خارجية، ومن الممكن أن تكون الحرب على لبنان". ويوضح المصدر أن "حزب الله" بدأ بسحب مجموعاته من الداخل السوري باتجاه لبنان، وبناء علاقة هادئة مع المعارضة المحيطة به في لبنان.
توقّعات سلبية للمفاوضات
وبالنسبة لمفاوضات جنيف 4 المرتقبة بعد أيام، يتوقع المصدر ألا تخرج بنتائج إيجابية، لكنه يوضح أن ذلك ليس شرطاً لاشتداد الصراع العسكري، مشيراً إلى أن فرصة التوصّل إلى اتفاق في جنيف 4 ضعيفة بسبب عدم وجود تفاهم روسي أميركي واضح حتى الآن، متوقّعاً أن يلجأ دي ميستورا انطلاقا من جنيف 4 إلى تحريك مجموعات عمل تشابه السيناريو الفلسطيني، وهي مجموعات منفصلة تناقش كلّ منها ملفّاً مختلفاً، كالدستور والمعتقلين وغيرها، وتستمر في النقاش إلى أمدٍ طويل. وحول المنطقة الآمنة، يرى أنّها معتمدة على تقاطعات الدول، إذ إنه من المتوقّع تعرّضها للهجمات في حال طرأ أي اختلاف، لكنه يشير إلى أن الطرف الأميركي إذا تدخّل بقوة فإن فكرة إنشاء المنطقة الآمنة ستنجح حتماً، قائلاً إن "ترامب لا يعمل من أجل ولايته الحالية فقط، وإنما لفترات مقبلة، سواء استمر بولايته الحالية أم لم يفعل، وسواء ترشّح لولاية ثانية أم لم يترشّح".