المعايدة.. طقس العيد في الجزائر

16 يوليو 2015
تنتشر "المعايدة"، بمعنى زيارة الأهل والأقارب، يومي العيد(فرانس برس)
+ الخط -
تنتشر "المعايدة"، بمعنى زيارة الأهل والأقارب، يومي العيد في المجتمع الجزائري بشكل كبير، وتعتبر إحدى العادات العريقة ومن الخصائص المشتركة بين مختلف مناطق الوطن الممتدة من الشرق إلى الغرب وصولا إلى الصحراء.


وإذا كان الشباب الجزائري من الجنسين يتفق على ضرورة التمسك بهذه الزيارات التي تميز احتفاله بالعيد، فإنه بالمقابل يثير جدلا واسعا حول ظهور ما يعرف بـ "معايدة العروس"، أي تلك الزيارة التي تقوم بها عائلة العريس يوم العيد لعائلة العروس خلال فترة الخطوبة، وما يصاحبها من ترتيبات، تعقيدات وتكاليف، لا سيما وأن عيد الفطر تزامن هذه السنة مع موسم الأعراس.

العادة تفرض على كل شاب وفتاة مخطوبين التحضير مبكرا لـ "المعايدة" والاتفاق على أدق التفاصيل، بداية من تحديد يوم الزيارة، بأول أو ثاني أيام العيد، ثم قائمة الأشخاص الذين سيشاركون في هذه الزيارة من أهل العريس التي تحتاجها الفتاة لأنها مطالبة بتقديم هدايا للضيوف، بينما يحتاج هو إلى قائمة من نوع آخر تتضمن مختلف الأشياء التي يجب أن يوفرها لتقدمها أسرته كهدية لحماته وخطيبته.

هذه الطقوس والتحضيرات لا يمكن الاستغناء عنها بأي شكل من الأشكال، لأنها تعبر عن مستوى تعامل العائلتين ومدى احترامهما للأصول والواجبات التي تقضي بأن يشهد بيت كل فتاة مخطوبة زيارة عيد تليق بالعروسين. وعليه فإنه يكون على الشاب غالبا، شراء هدية قيمة لزوجته المستقبلية، تتمثل عادة في قطعة حلي من الذهب مثل أقراط، أساور، سلسلة ذهبية أو خاتم وذلك حسب رغبتها، بالإضافة إلى مجموعة من الملابس والعطور الفاخرة، التي يحضرها أهله مع أشكال متنوعة من الحلويات المشهورة.

ومع أن بعض العائلات، غرب البلاد، تستغني عن الحلي وتترك لأهل العريس حرية اختيار نوع الهدايا التي يرغب ويستطيع الشاب تقديمها لخطيبته، شرط ألا تخلو من علبة حناء كونها جزءا لا يتجزأ من مظاهر الاحتفال الجزائري بالعيد وترتبط به بشكل كلي، غير أن أغلبها، خاصة في الشرق الجزائري، تشترط قطعة حلي ذهبية وفقا لما جرت عليه العادة.

وفي المقابل يتوجب على عائلة الفتاة أن تحضر أصنافا متعددة من الحلويات الجيدة للزوار، وشراء هدايا لكل ضيف لا سيما والدي العريس، كما يجب على العروس أن تتزين وترتدي ثوبا جديدا يكون على الأغلب تقليديا من أجل استقبال أهل خطيبها يوم العيد.

وفي وقت تحولت فيه هذه التدابير إلى إجراءات روتينية لتقديم هدية للفتاة المخطوبة كل عيد إلى غاية زواجها، حاولت بعض العائلات الجزائرية حصر مثل هذا الحدث في أول عيد بعد الخطوبة أو الأول والثاني على أكثر تقدير. وأصبحت بمرور الوقت، هدايا "المعايدة" فرصة للفتيات المخطوبات للتباهي في الأعياد أمام صديقاتهن وقريباتهن بقيمة الهدية التي حصلت عليها من خطيبها، بل وصل الأمر إلى اعتبار عدم ذهاب أهل أي شاب لمعايدة خطيبته، إنقاصا من قيمتها مقارنة بباقي البنات المخطوبات، وجعلها موضع سخرية وتهكم وسطهن. وهو ما يدفع الفتاة إلى مطالبة خطيبها بتنظيم زيارة "المعايدة".

كل ما سبق، لا يتعدى كونه هوس فتيات وعادة بالية في نظر الشباب، ومع ذلك فهم مضطرون لمسايرتهن والمشاركة في هذه "المعايدة" وتحمل جميع تكاليفها، خاصة وأن غالبية الشباب الجزائري من ذوي الدخل المتوسط والضعيف، ويعلقون عادة: "مصاريف زائدة تصل أحيانا إلى ألف دولار، ومبالغة في المظاهر والشكليات، لماذا لا نكتفي بزيارة عادية وبسيطة بين العائلتين؟!"، ولعل الشيء الذي يستفز الشباب في هذه الظاهرة التي يؤكد كبار السن أنها عادة حديثة ودخيلة على المجتمع الجزائري، هو تحويلها لدى الغالبية إلى فرض وواجب دون مراعاة رغبة الشاب وخطيبته في تنظيم هذه الزيارة من عدمها، أو أن يتم حصرها في العريس الذي يسمح له دخله المادي بتحمل نفقات "المعايدة" دون غيره. ما يؤكد أن هذه الزيارات التي يمكن أن نسميها بالظاهرة، قد تمكنت فعلا من التوغل في المجتمع والانتشار به بالرغم من حداثتها، حيث تقر الجزائريات: "هذه العادة دخيلة على الجزائريين، لم تكن موجودة من قبل، وبدأنا نسمع بها منذ التسعينيات ثم انتشرت بشكل سريع، قبلها لم نكن نعايد العروس بهذه الطريقة أبدا، كنا نزورهم كما نزور باقي الأهل والأقارب".

وفي فئة البنات أيضا، يعبر الكثير منهن على عدم الرضى بهذه الطقوس، ويرفضن الخضوع إلى هذه العادة، ويفضلن مراعاة الحالة المادية للشباب، ويؤكدن "بسبب هذه العادات والتكاليف التي لا تنتهي انتشرت العنوسة، لا معنى لمصاريف المعايدة، خاصة إذا كان حفل الزفاف سيكون بعد العيد".

من جهتهن ترى أخريات أن قيمة هدية العيد في خصوصيتها، وتعبرن: "ترتيبات الزيارة مملة جدا، متعبة ومكلفة، مثل الذهاب إلى صالون الحلاقة والتجميل وشراء ثوب تقليدي وتحضير الحلويات.. الأفضل أن يقدم لها خطيبها هدية رمزية بنفسه بعيدا عن هذه الفوضى". وتبقى هذه القناعات الرافضة للأبعاد الشكلية التي اتخذتها عادة معايدة الفتيات المخطوبات مجرد حالات شاذة في ظل تمدد الظاهرة الجديدة لتمس معظم البيوت الجزائرية.

(الجزائر)
المساهمون