المغربيات مهووسات بـ"التخمال" قبيل رمضان
كثر هم المغاربة الذين يبدأون احتفالاتهم برمضان قبل حلوله، من خلال طقوس وعادات، خصوصاً في الأيام الأخيرة من شهر شعبان يتحضرون من خلالها للشهر الفضيل. فهي بحسب اعتقادهم، تجلب الفأل الحسن والخير العميم. وتتمسّك النساء أكثر من الرجال بتلك الطقوس الاجتماعية، من قبيل احتفالات شعبانة وكذلك طقس "التخمال" وطلاء البيوت واقتناء المصاحف وسجادات الصلاة.
"شعبانة"، من أشهر الطقوس التي تسبق رمضان في المغرب، غير أنّها تختلف من منطقة إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى. البعض يحتفل بها بالموسيقى والرقص، فيما يجعل منها بعض آخر مناسبة لالتئام الأسرة حول مائدة الطعام. وتحرص أسر عدّة على طقوس شعبانة، فيما تتّجه نحو الاندثار في مناطق كثيرة من البلاد.
ويُصار إلى إحياء ليلة مشهودة قبل رمضان يُدعى إليها الجيران وأفراد الأسرة، وتحييها فرق موسيقية شعبية تشبه "الكناوة" أو "الزار". يُذكر أنّ وتيرة الرقص تأخذ في التصاعد فيما تحصل أحياناً إغماءات وسط النساء. في المقابل، تحيي عائلات أخرى طقس شعبانة من خلال اجتماع أفراد الأسرة حول وليمة عشاء تضمّ ما لذّ وطاب من مأكل ومشرب. فيتسامرون حولها بينما تستحضر النساء خلالها استعداداتهنّ المنزلية لشهر رمضان.
وتشرح الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير، اختلاف طقس شعبانة بين الأسر المغربية، قائلة لـ"العربي الجديد"، إنّ "من يحيي شعبانة بالحفل والرقص الذي يصل أحياناً إلى حد الهستيريا، يعتقد بأنّ هذه الممارسات تُرَوّح عن النفس قبل الانخراط في الصوم وما يستوجبه من ضوابط دينية". تضيف أنّ "النساء اللواتي يحتفلنَ بشعبانة من خلال الاجتماع حول مائدة أو وليمة، هنّ بدورهنّ يعتقدنَ أنّ ذلك نوع من التنفيس أو نيل حريّة تناول الطعام خلال النهار قبل بدء شهر كامل يُحرَّم فيه ذلك".
اقــرأ أيضاً
وتشير العوفير إلى أنّ "طقس شعبانة كان منتشراً بصورة كبيرة في المجتمع المغربي قبل سنوات خلت، وكان بمثابة احتفال مبكر بحلول رمضان وفق الاعتقادات الشعبية الرائجة، خصوصاً في الأحياء الشعبية. لكنّ مثل هذه الطقوس تقلصت اليوم". وتعيد العوفير "تراجع شعبانة في البلاد إلى عوامل ذاتية وموضوعية. فالدوافع الذاتية تتمثل أساساً في تقدّم وعي الفئات الشعبية والفقيرة، من خلال تعلّم أبنائها في المدارس بخلاف ما كان في السابق. أمّا الدوافع الموضوعية لانحسار مثل هذا الطقس فتكمن خصوصاً في تغيّر القيم داخل المجتمع المغربي بطريقة كبيرة في السنوات الأخيرة. لم تعد تلك اللمة العائلية واجتماعات الجيران حاضرة اليوم كما كانت في السابق".
إلى ذلك، يلجأ المغاربة في البوادي والقرى إلى طقوس أخرى استعداداً للشهر الكريم، من قبيل تجيير جدران منازلهم وطلائها، لا سيّما باللون الأبيض، تفاؤلاً بحلول رمضان. نلحظ ذلك في أحياء كثيرة، إذ يعتقد هؤلاء بأنّها تحمل الفأل الحسن لهم خلال رمضان.
ويقول في السياق حميد جنوبي، وهو سائق سيارة أجرة في وسط قروي، إنّه يشعر "بتفاؤل كبير بإعادة طلاء جدران منزلي باللون الأبيض خصوصاً، إذ هو لون البركة والخير ويأتي مرادفاً لمعاني شهر الصيام". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "شهر رمضان يأتي ضيفاً مرّة واحدة في السنة، لهذا أتهيأ له لأحتفي به مثل أيّ ضيف عزيز. وأطلي المنزل من الداخل فيتحوّل إلى مكان متجدد لاستقبال رمضان في أجواء نقية ونظيفة".
أمّا النساء، فيشمّرنَ عن سواعدهنّ ليقمنَ بما يسمّى في المغرب "التخمال" أو "الشقا"، وهي أعمال تنظيف لكلّ أرضيات المنزل، بالإضافة إلى نقل الأثاث، وما تحويه غرفة استقبال الضيوف خصوصاً، إلى السطح من أجل تعريضها لأشعة الشمس. وتخبر هنا سعاد أم آية، وهي ربّة منزل، أنّها "طيلة الأسبوع الأخير الذي يسبق رمضان أطلب مساعدة بناتي من أجل تخمال المنزل كله بغرفه ومطبخه. فلا تبقى أيّ أوانٍ أو أثاث من دون تنظيف". وعن دوافعها، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّها تشعر "براحة وطمأنينة داخلية عندما أقوم بذلك. وأنا كنت قد رأيت والدتي وجدتي تقومان بالطقوس نفسها، فضلاً عن كثيرات من ربّات البيوت المغربيات".
وتعلّق العوفير على "طقوس التنظيف التي تحرص عليها المغربيات إلى حدّ الإدمان والهوس"، بالقول إنّ "الأمر يتعلق باعتقاد راسخ لدى كثيرات من ربّات البيوت، يخلط بين الديني والنفسي والاجتماعي". وتشرح أنّ "تنظيف البيت والقيام بأعمال التخمال قبل رمضان بأيام قليلة يأتيان من إيمان داخلي للبعض بضرورة تهيئة المكان للعبادات والطاعة بعيداً عن أيّ دنس محتمل قد يكون أصاب البيت طيلة العام المنصرم". وتتابع أنّ "التخمال هو كذلك طقس نفسي يمنح المرأة نوعاً من التجدد وشحن بطارية الحياة اليومية استعداداً لشهر تُحشَر فيه ربّات البيوت في المطبخ لساعات طويلة. بالإضافة إلى ذلك، هو طقس اجتماعي يهدف إلى تجديد الأثاث أو على الأقلّ ترميمه والعناية به مرّة سنوياً".
اقــرأ أيضاً
"شعبانة"، من أشهر الطقوس التي تسبق رمضان في المغرب، غير أنّها تختلف من منطقة إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى. البعض يحتفل بها بالموسيقى والرقص، فيما يجعل منها بعض آخر مناسبة لالتئام الأسرة حول مائدة الطعام. وتحرص أسر عدّة على طقوس شعبانة، فيما تتّجه نحو الاندثار في مناطق كثيرة من البلاد.
ويُصار إلى إحياء ليلة مشهودة قبل رمضان يُدعى إليها الجيران وأفراد الأسرة، وتحييها فرق موسيقية شعبية تشبه "الكناوة" أو "الزار". يُذكر أنّ وتيرة الرقص تأخذ في التصاعد فيما تحصل أحياناً إغماءات وسط النساء. في المقابل، تحيي عائلات أخرى طقس شعبانة من خلال اجتماع أفراد الأسرة حول وليمة عشاء تضمّ ما لذّ وطاب من مأكل ومشرب. فيتسامرون حولها بينما تستحضر النساء خلالها استعداداتهنّ المنزلية لشهر رمضان.
وتشرح الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير، اختلاف طقس شعبانة بين الأسر المغربية، قائلة لـ"العربي الجديد"، إنّ "من يحيي شعبانة بالحفل والرقص الذي يصل أحياناً إلى حد الهستيريا، يعتقد بأنّ هذه الممارسات تُرَوّح عن النفس قبل الانخراط في الصوم وما يستوجبه من ضوابط دينية". تضيف أنّ "النساء اللواتي يحتفلنَ بشعبانة من خلال الاجتماع حول مائدة أو وليمة، هنّ بدورهنّ يعتقدنَ أنّ ذلك نوع من التنفيس أو نيل حريّة تناول الطعام خلال النهار قبل بدء شهر كامل يُحرَّم فيه ذلك".
وتشير العوفير إلى أنّ "طقس شعبانة كان منتشراً بصورة كبيرة في المجتمع المغربي قبل سنوات خلت، وكان بمثابة احتفال مبكر بحلول رمضان وفق الاعتقادات الشعبية الرائجة، خصوصاً في الأحياء الشعبية. لكنّ مثل هذه الطقوس تقلصت اليوم". وتعيد العوفير "تراجع شعبانة في البلاد إلى عوامل ذاتية وموضوعية. فالدوافع الذاتية تتمثل أساساً في تقدّم وعي الفئات الشعبية والفقيرة، من خلال تعلّم أبنائها في المدارس بخلاف ما كان في السابق. أمّا الدوافع الموضوعية لانحسار مثل هذا الطقس فتكمن خصوصاً في تغيّر القيم داخل المجتمع المغربي بطريقة كبيرة في السنوات الأخيرة. لم تعد تلك اللمة العائلية واجتماعات الجيران حاضرة اليوم كما كانت في السابق".
إلى ذلك، يلجأ المغاربة في البوادي والقرى إلى طقوس أخرى استعداداً للشهر الكريم، من قبيل تجيير جدران منازلهم وطلائها، لا سيّما باللون الأبيض، تفاؤلاً بحلول رمضان. نلحظ ذلك في أحياء كثيرة، إذ يعتقد هؤلاء بأنّها تحمل الفأل الحسن لهم خلال رمضان.
ويقول في السياق حميد جنوبي، وهو سائق سيارة أجرة في وسط قروي، إنّه يشعر "بتفاؤل كبير بإعادة طلاء جدران منزلي باللون الأبيض خصوصاً، إذ هو لون البركة والخير ويأتي مرادفاً لمعاني شهر الصيام". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "شهر رمضان يأتي ضيفاً مرّة واحدة في السنة، لهذا أتهيأ له لأحتفي به مثل أيّ ضيف عزيز. وأطلي المنزل من الداخل فيتحوّل إلى مكان متجدد لاستقبال رمضان في أجواء نقية ونظيفة".
أمّا النساء، فيشمّرنَ عن سواعدهنّ ليقمنَ بما يسمّى في المغرب "التخمال" أو "الشقا"، وهي أعمال تنظيف لكلّ أرضيات المنزل، بالإضافة إلى نقل الأثاث، وما تحويه غرفة استقبال الضيوف خصوصاً، إلى السطح من أجل تعريضها لأشعة الشمس. وتخبر هنا سعاد أم آية، وهي ربّة منزل، أنّها "طيلة الأسبوع الأخير الذي يسبق رمضان أطلب مساعدة بناتي من أجل تخمال المنزل كله بغرفه ومطبخه. فلا تبقى أيّ أوانٍ أو أثاث من دون تنظيف". وعن دوافعها، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّها تشعر "براحة وطمأنينة داخلية عندما أقوم بذلك. وأنا كنت قد رأيت والدتي وجدتي تقومان بالطقوس نفسها، فضلاً عن كثيرات من ربّات البيوت المغربيات".
وتعلّق العوفير على "طقوس التنظيف التي تحرص عليها المغربيات إلى حدّ الإدمان والهوس"، بالقول إنّ "الأمر يتعلق باعتقاد راسخ لدى كثيرات من ربّات البيوت، يخلط بين الديني والنفسي والاجتماعي". وتشرح أنّ "تنظيف البيت والقيام بأعمال التخمال قبل رمضان بأيام قليلة يأتيان من إيمان داخلي للبعض بضرورة تهيئة المكان للعبادات والطاعة بعيداً عن أيّ دنس محتمل قد يكون أصاب البيت طيلة العام المنصرم". وتتابع أنّ "التخمال هو كذلك طقس نفسي يمنح المرأة نوعاً من التجدد وشحن بطارية الحياة اليومية استعداداً لشهر تُحشَر فيه ربّات البيوت في المطبخ لساعات طويلة. بالإضافة إلى ذلك، هو طقس اجتماعي يهدف إلى تجديد الأثاث أو على الأقلّ ترميمه والعناية به مرّة سنوياً".
مواد الملف
المساهمون
المزيد في مجتمع