عمدت وزارة التربية الوطنية في المغرب، إلى تغيير مناهج ومقررات مادة التربية الإسلامية في مختلف المستويات التعليمية، إذ ما تزال مراجعة المؤلفات والكتب جارية إلى اليوم، وهو ما يفسر استمرار غياب هذه المؤلفات الدراسية من مكتبات البلاد.
وتُعزى هذه التنقيحات والتعديلات في مقررات مادة التربية الإسلامية، بحسب مصادر مطلعة بالشأن التعليمي والتربوي في المغرب، إلى الرغبة في انفتاح التعليم الديني على محيطه، و"تلبية لحاجات المتعلم الدينية التي يطلبها منه الشّرع، حسب سِنه وزمانه ونموه العقلي والنفسي وتنشئته وبناء شخصيته".
ومن التعديلات التي حدثت في مقررات التربية الإسلامية حذف الآيات القرآنية التي تدعو إلى الجهاد، والتي كانت مقررة في بعض مناهج مستويات التعليم الابتدائي والإعدادي، وهو ما اعتبره مراقبون "رغبة من المغرب في تحييد ومراجعة التعليم الديني ليبتعد عن كل ما من شأنه تأويله بالدعوة إلى العنف والتطرف".
وشملت التنقيحات الجارية على مقررات مادة التربية الإسلامية، حذف حفظ وفهم سورة "الفتح" من مقرر الصف الثالث الإعدادي، بدعوى أنها تحتوي على آيات القتال والجهاد، واستبدالها باستظهار واستيعاب سورة الحشر، لكونها تعج بآيات تزكية النفوس.
وأفضى تغيير وتنقيح مؤلفات التربية الإسلامية بالمستويات التعليمية، إلى سجال وردود أفعال بين منتسبين إلى التيار الإسلامي، ومن يتبنون التوجه الحداثي والعلماني، فالتيار الأول أبدى رفضه لهذه التغييرات، والثاني أيد الخطوة باعتبارها "تربوية".
ويقول الواعظ والباحث الإسلامي، إبراهيم بن الكراب، لـ"العربي الجديد"، إن تغيير مناهج التربية الإسلامية بالمغرب يساير ما يجري في دول عربية سارت في نفس المنحى، مضيفا أنه لا يجد أية مبررات تربوية أو شرعية تدفع إلى تغيير آيات قرآنية أو حذفها، لكونها تأمر بالجهاد وقتال المشركين.
وأبرز بن الكراب، أنه "بدلا من حذف السور التي تتضمن آيات القتال، أو القفز على آيات تنعت اليهود والمسيحيين بأوصاف معينة، مثل حذف شرح آيتي (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) في سورة الفاتحة، كان الأجدر بالقائمين على تأليف المقررات أن يعملوا على شرح معنى الجهاد وشروطه للتلاميذ، وأيضا الإبقاء على آيتي الفاتحة مع توضيح المراد والسياق الذي جاءتا فيه".
في المقابل، يقول الكاتب والباحث المغربي، سعيد لكحل، لـ"العربي الجديد"، إن "تنقيح مقررات التربية الإسلامية، وحذف الاجتهادات الفقهية التي تحرض على قتل المرتد، وكراهية أهل الديانات الأخرى، وكذا حذف آيات الجهاد، كانت مطالب ملحة فرضت نفسها عقب التفجيرات الإرهابية في 16 مايو/أيار 2003".
وأردف الكحل أن "تلك المقررات توحي للتلاميذ "أنهم يعيشون في مجتمع لا يطبق شرع الله، وتنشئتهم على ثقافة القتل، وتحبب لهم الجهاد ضد كل من يخالفهم، كما تخلق لديهم استعداداً لتقبل جرائم القتل على خلفية التكفير والاختلاف في العقائد، في الوقت الذي يقر فيه الدستور المغربي حقوق الإنسان المتعارف عليها كونياً".
وشدد الباحث على أن "المغرب اختار النظام الديمقراطي وإشاعة قيم المواطنة، فلا يمكن أبداً بناء مواطن متزن ومؤمن بقيم حقوق الإنسان، وهو يتلقى ثقافة الكراهية والقتل، ويحبب له الجهاد"، مضيفاً أنه كان ضرورياً على المغرب أن يغير مقررات التربية الإسلامية حتى تتماشى مع قيم العصر وثقافة حقوق الإنسان.
وذهب لكحل إلى أن "هناك آيات كثيرة تحث على التسامح والإخاء، وتدعو إلى التعاون بين بني البشر على اختلاف عقائدهم"، وأكمل بالقول "نحن بحاجة إلى بناء مواطن كوني ينتمي إلى الحضارة الإنسانية ويتقاسمها قيمها، والتفسير الجامد للقرآن لا يخدم هذا الهدف، بل يخلق إنساناً طائفياً يمقت باقي الأديان والثقافات"، وفق تعبيره.
من جهتها، نفت وزارة التربية الوطنية ما تم تداوله من أخبار في بعض المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بخصوص وجود أخطاء مطبعية وتحريف لآية من الآيات القرآنية وتمريرها في بعض كتب التربية الإسلامية للسنة الأولى من التعليم الابتدائي.
وقالت في بيان "تنهي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني إلى علم كافة آباء وأمهات وأولياء التلميذات والتلاميذ، وإلى علم كافة الفاعلين التربويين والرأي العام الوطني، أن الوزارة لم تصادق على أي كتاب مدرسي بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي لعدم إدراج وبرمجة أي كتاب دراسي لمادة التربية الإسلامية بهذا المستوى، وبالتالي، فإن الوزارة تُحَمِّل كامل المسؤولية للناشرين المسؤولين عن طبع وتوزيع هذه الكتب غير المقررة وكافة التبعات المترتبة عن أية أخطاء قد تشوبها".