30 أكتوبر 2024
المغرب.. عام الريف و"البلوكاج"
إذا أردنا وضع عنوان كبيرا لأهم الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدها المغرب عام 2017، لاختزل في كلمتين، الريف و"البلوكاج"، أي ما عرف بالحراك الشعبي الذي شهدته منطقة الريف في أقصى شمال المغرب، وحالة الاحتباس التي رافقت مفاوضات تشكيل الحكومة التي كان سيقودها عبد الإله بنكيران، قبل أن يعفيه الملك، وينصّب خلفا له سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الحالي.
تعود أحداث "حراك الريف" في المغرب إلى شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عندما تعرّض بائع السمك الشاب محسن فكري لعملية "طحن" داخل جهاز شاحنة لجمع النفايات، حين كان يحاول استرجاع السمك الذي صادرته منه سلطات المدينة، بدعوى أنه خالف قانون الصيد، فأدّى حادث مقتله بتلك الطريقة البشعة والمأساوية إلى خروج مظاهرات تلقائية شعبية في مدينته الحسيمة.
ومثل كرة الثلج، أخذت الاحتجاجات تكبر وتنتشر، حتى شملت كل مناطق الريف (نسبة إلى سلسلة جبال الريف في أقصى شمال المغرب). وطوال أكثر من تسعة أشهر، استمرت الاحتجاجات بوتيرة أسبوعية، وفي أكثر من منطقة في الريف، بشكل سلمي ومطالب اجتماعية محضة، حتى اعتقال أحد أبرز قادة ذلك الحراك، ناصر الزفزافي يوم 29 مايو/ أيار 2017. ومباشرة بعد الاعتقال، شهدت المنطقة حملة اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء، قدّرتها المنظمات الحقوقية بأكثر من 400 حالة اعتقال، بينهم قاصرون، وقد صدرت ضد بعضهم أحكام وصلت إلى السجن النافذ عشرين عاما، ومازال كثيرون منهم يحاكمون بتهم ثقيلة، منها المس بأمن الدولة.
وعلى الرغم من أن المقاربة الأمنية المتشدّدة التي انتهجتها السلطات المغربية أنهت الاحتجاجات التي كانت تشهدها منطقة الريف، إلا أنها لم تزد سوى من توتير الأجواء المحتقنة أصلا. وأكثر من ذلك، هزّت صورة المغرب الخارجية، خصوصا في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي انتقدت التراجعات التي يعرفها المغرب في مجالي الحريات والحقوق، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن مستقبل ما عرف بـ "الاستثناء المغربي" الذي جعل المغرب يجتاز عواصف "الربيع العربي" بلا أضرار.
وبارتباط مع الحدث نفسه، وتزامنا معه، سيشهد المغرب أطول أزمة سياسية يمر بها البلد في عهد الملك محمد السادس، تمثلت فيما سمي في الإعلام المغربي "البلوكاج" الحكومي، أي حالة الاحتباس التي شهدتها أطول مفاوضات سياسية لتشكيل حكومة مغربية. فبعد انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، في المغرب، والتي تصدّر نتائجها حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، كلف الملك محمد السادس يوم 10 من الشهر نفسه، زعيم الحزب ورئيس الحكومة المنتهية ولايتها، عبد الإله بنكيران، بتشكيل حكومة جديدة، بناء على نتائج الانتخابات. وفي البداية، بدا واضحا أن "العدالة والتنمية" سيشكل أغلبية مريحة بطريقة سهلة وسريعة، خصوصا بعدما أبدى حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي استعدادهما للتحالف معه، بالإضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية، حليفه الرئيسي، وكان تحالف هذه الأحزاب الأربعة كفيلا بأن يوفر للحكومة المنبثقة عنها أغلبية مريحة داخل مجلس النواب.
لكن رئيس الحكومة المكلف بنكيران أراد توسيع أغلبيته، لهدفين: ضم حزب التجمع الوطني للأحرار إليها، لما يتمتع به زعيم هذا الحزب، عزيز أخنوش، من قربٍ من دوائر القصر. وفي الوقت نفسه، عزل غريمه السياسي، حزب الأصالة والمعاصرة. وعندما فتح بنكيران مفاوضاته مع أخنوش، بدأ الأخير، الذي كان مدركا أن رئيس الحكومة المكلف يريد ضمه إلى حكومته المقبلة للتقرّب من دوائر الحكم، بدأ في فرض شروطه، إلى أن أوصل مفاوضاته إلى الباب المسدود الذي أطلقت عليه الصحافة المغربية مفهوم "البلوكاج" الحكومي.
وعندما وجد رئيس الحكومة المكلف نفسه في مأزق حقيقي، هو من وضع نفسه فيه، استسلم وأوقف مفاوضاته التي استغرقت نحو ستة أشهر، معلنا عبارته الشهيرة "انتهى الكلام". عندها تدخل الملك بوصفه رئيس الدولة، وأعفى بنكيران في مارس / آذار 2017، وعين خلفا له سعد الدين العثماني، من حزب العدالة والتنمية نفسه، الذي قبل بكل الشروط التي كان يرفضها سلفه، وشكل أغلبيته الحكومية في أقل من 20 يوما.
كان واضحا، منذ البداية، أن الهدف من "البلوكاج" المتعمد هو إقصاء بنكيران من رئاسة الحكومة، قبل أن يبعد أخيرا من رئاسة حزبه. والسبب وجود "فيتو" من القصر على رئيس الحكومة السابق ورئيس الحزب السابق، لما أصبح للرجل من شعبية وشرعية مزعجتين، وأيضا بسبب "خرجاته" الإعلامية غير المتحكّم فيها، والتي انتقد في إحداها ازدواجية الدولة، وهو ما كلفه انتقادا رسميا من الملك في إحدى خطبه الرسمية.
وما بين حراك الريف وحالة "البلوكاج" الحكومي، هناك أكثر من تداخل وتقاطع، فثمّة من يعتبر أن حالة "البلوكاج" التي استمرت نحو ستة أشهر هي التي أدت إلى تأجيج الاحتجاجات في الريف، واحتدام وطيسها بسبب الفراغ السياسي الذي أوصلت إليه البلاد. وهناك من كان يرى أن الحراك الذي أحدث أجواء متوترة في المغرب هو الذي عقَّد مفاوضات تشكيل
الحكومة، وسرّع في إقالة رئيسها المكلَّف.
عندما سيودع المغاربة عام 2017، سيظلون يتذكّرون هذه السنة التي أغنت القاموس السياسي المغربي بمفهومين جديدين، حراك الريف و"البلوكاج الحكومي"، اللذين لم ينتهيا، وإنما تواريا عن الأنظار، فما زالت حالة الاحتقان الاجتماعي تهدّد باندلاع حراك في أكثر من منطقة مغربية، وما زالت حالة "البلوكاج" تلاحق الحكومة التي جاءت لإخراج البلاد منها. ومنذ أكثر من خمسين يوما والمغاربة ينتظرون تنصيب وزراء في قطاعات مهمة في التربية والتعليم والصحة والسكن والعمران، بعد أن أعفى الملك من كانوا يرأسونها بسبب "حراك الريف". ألم نقل إن الحالتين متداخلتان ومتقاطعتان ومستمرتان؟ كل عام والمغرب والمغاربة بألف خير.
تعود أحداث "حراك الريف" في المغرب إلى شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عندما تعرّض بائع السمك الشاب محسن فكري لعملية "طحن" داخل جهاز شاحنة لجمع النفايات، حين كان يحاول استرجاع السمك الذي صادرته منه سلطات المدينة، بدعوى أنه خالف قانون الصيد، فأدّى حادث مقتله بتلك الطريقة البشعة والمأساوية إلى خروج مظاهرات تلقائية شعبية في مدينته الحسيمة.
ومثل كرة الثلج، أخذت الاحتجاجات تكبر وتنتشر، حتى شملت كل مناطق الريف (نسبة إلى سلسلة جبال الريف في أقصى شمال المغرب). وطوال أكثر من تسعة أشهر، استمرت الاحتجاجات بوتيرة أسبوعية، وفي أكثر من منطقة في الريف، بشكل سلمي ومطالب اجتماعية محضة، حتى اعتقال أحد أبرز قادة ذلك الحراك، ناصر الزفزافي يوم 29 مايو/ أيار 2017. ومباشرة بعد الاعتقال، شهدت المنطقة حملة اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء، قدّرتها المنظمات الحقوقية بأكثر من 400 حالة اعتقال، بينهم قاصرون، وقد صدرت ضد بعضهم أحكام وصلت إلى السجن النافذ عشرين عاما، ومازال كثيرون منهم يحاكمون بتهم ثقيلة، منها المس بأمن الدولة.
وعلى الرغم من أن المقاربة الأمنية المتشدّدة التي انتهجتها السلطات المغربية أنهت الاحتجاجات التي كانت تشهدها منطقة الريف، إلا أنها لم تزد سوى من توتير الأجواء المحتقنة أصلا. وأكثر من ذلك، هزّت صورة المغرب الخارجية، خصوصا في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي انتقدت التراجعات التي يعرفها المغرب في مجالي الحريات والحقوق، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن مستقبل ما عرف بـ "الاستثناء المغربي" الذي جعل المغرب يجتاز عواصف "الربيع العربي" بلا أضرار.
وبارتباط مع الحدث نفسه، وتزامنا معه، سيشهد المغرب أطول أزمة سياسية يمر بها البلد في عهد الملك محمد السادس، تمثلت فيما سمي في الإعلام المغربي "البلوكاج" الحكومي، أي حالة الاحتباس التي شهدتها أطول مفاوضات سياسية لتشكيل حكومة مغربية. فبعد انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، في المغرب، والتي تصدّر نتائجها حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، كلف الملك محمد السادس يوم 10 من الشهر نفسه، زعيم الحزب ورئيس الحكومة المنتهية ولايتها، عبد الإله بنكيران، بتشكيل حكومة جديدة، بناء على نتائج الانتخابات. وفي البداية، بدا واضحا أن "العدالة والتنمية" سيشكل أغلبية مريحة بطريقة سهلة وسريعة، خصوصا بعدما أبدى حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي استعدادهما للتحالف معه، بالإضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية، حليفه الرئيسي، وكان تحالف هذه الأحزاب الأربعة كفيلا بأن يوفر للحكومة المنبثقة عنها أغلبية مريحة داخل مجلس النواب.
لكن رئيس الحكومة المكلف بنكيران أراد توسيع أغلبيته، لهدفين: ضم حزب التجمع الوطني للأحرار إليها، لما يتمتع به زعيم هذا الحزب، عزيز أخنوش، من قربٍ من دوائر القصر. وفي الوقت نفسه، عزل غريمه السياسي، حزب الأصالة والمعاصرة. وعندما فتح بنكيران مفاوضاته مع أخنوش، بدأ الأخير، الذي كان مدركا أن رئيس الحكومة المكلف يريد ضمه إلى حكومته المقبلة للتقرّب من دوائر الحكم، بدأ في فرض شروطه، إلى أن أوصل مفاوضاته إلى الباب المسدود الذي أطلقت عليه الصحافة المغربية مفهوم "البلوكاج" الحكومي.
وعندما وجد رئيس الحكومة المكلف نفسه في مأزق حقيقي، هو من وضع نفسه فيه، استسلم وأوقف مفاوضاته التي استغرقت نحو ستة أشهر، معلنا عبارته الشهيرة "انتهى الكلام". عندها تدخل الملك بوصفه رئيس الدولة، وأعفى بنكيران في مارس / آذار 2017، وعين خلفا له سعد الدين العثماني، من حزب العدالة والتنمية نفسه، الذي قبل بكل الشروط التي كان يرفضها سلفه، وشكل أغلبيته الحكومية في أقل من 20 يوما.
كان واضحا، منذ البداية، أن الهدف من "البلوكاج" المتعمد هو إقصاء بنكيران من رئاسة الحكومة، قبل أن يبعد أخيرا من رئاسة حزبه. والسبب وجود "فيتو" من القصر على رئيس الحكومة السابق ورئيس الحزب السابق، لما أصبح للرجل من شعبية وشرعية مزعجتين، وأيضا بسبب "خرجاته" الإعلامية غير المتحكّم فيها، والتي انتقد في إحداها ازدواجية الدولة، وهو ما كلفه انتقادا رسميا من الملك في إحدى خطبه الرسمية.
وما بين حراك الريف وحالة "البلوكاج" الحكومي، هناك أكثر من تداخل وتقاطع، فثمّة من يعتبر أن حالة "البلوكاج" التي استمرت نحو ستة أشهر هي التي أدت إلى تأجيج الاحتجاجات في الريف، واحتدام وطيسها بسبب الفراغ السياسي الذي أوصلت إليه البلاد. وهناك من كان يرى أن الحراك الذي أحدث أجواء متوترة في المغرب هو الذي عقَّد مفاوضات تشكيل
عندما سيودع المغاربة عام 2017، سيظلون يتذكّرون هذه السنة التي أغنت القاموس السياسي المغربي بمفهومين جديدين، حراك الريف و"البلوكاج الحكومي"، اللذين لم ينتهيا، وإنما تواريا عن الأنظار، فما زالت حالة الاحتقان الاجتماعي تهدّد باندلاع حراك في أكثر من منطقة مغربية، وما زالت حالة "البلوكاج" تلاحق الحكومة التي جاءت لإخراج البلاد منها. ومنذ أكثر من خمسين يوما والمغاربة ينتظرون تنصيب وزراء في قطاعات مهمة في التربية والتعليم والصحة والسكن والعمران، بعد أن أعفى الملك من كانوا يرأسونها بسبب "حراك الريف". ألم نقل إن الحالتين متداخلتان ومتقاطعتان ومستمرتان؟ كل عام والمغرب والمغاربة بألف خير.