08 نوفمبر 2024
المغرب و"إيكواس".. أي أفق للاختراق الناعم؟
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
تُعقد منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، في العاصمة النيجيرية أبوجا، القمة 52 لزعماء الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس). ومن المتوقع أن تكون مخرجات هذه الدورة بداية مرحلة جديدة في مسار المجموعة، في حال تم التعاطي بإيجابية مع طلب المغرب الانضمام إليها. وهي خطوة أخرى للمغرب، بعد أشهر من عودته في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى الاتحاد الأفريقي، ضمن استراتيجية الاختراق الناعم التي بدأتها أخيرا الدبلوماسية المغربية، بحثا عن موقع ريادي، يؤهل المغرب ليكون في المستقبل رقما صعبا في القارة السمراء.
واختِيار زعماء الدول الخمس عشرة المكونة لمجموعة إيكواس (نيجيريا، توغو، سيراليون، النيجر، مالي، السنغال، ليبيريا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، غامبيا، ساحل العاج، الرأس الأخضر، بوركينافاسو، بنين) التصويت لصالح قبول انضمام المغرب، سيجعل منه ثاني أكبر اقتصاد في المجموعة بعد نيجيريا، ومن المجموعة القوة الاقتصادية 16 عالميا، بفضل مؤهلاتها الطبيعية الممتدة على مساحة إجمالية تصل إلى 5,1 ملايين كيلومتر مربع؛ أي 17% من إجمالي مساحة القارة السمراء. وساكنة تقدر بحوالي 320 مليون نسمة؛ تعتبر أكثر شعوب الأرض شبابا، وناتج داخلي خام يصل إلى 700 مليار دولار.
تعود بدايات هذا التجمع الاقتصادي إلى 1959، حيث انطلق في شكل اتحاد جمركي بين ست دول: فدرالية مالي (مالي والسنغال)، ودول الوئام الأربع (بوركينا فاسو، بنين، النيجر، ساحل العاج). ثم تطورت الفكرة على مدار عقد ونصف العقد، قبل أن تتوج في مطلع عام 1975، بإعلان ميلاد المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية.
ويسجل تجمع إقليمي حاليا نسبة اندماج اقتصادي على مستوى التجارة البينية، تصل إلى
10%، ويعترف بحرية تنقل الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال فيما بين أعضائه. وقبل سنتين (2015) شرع في تفعيل منظومة التعرفة الخارجية الموحدة التي حُددت في 9%، ويسير نحو اعتماد عملة موحدة بين أعضائه في أفق عام 2020. ويصطدم طموح المغرب هذا برفض حاد من بعض الأطراف التي ترى فيه تهديدا مباشرا لنفوذها ومصالحها (نيجيريا، توغو، سيراليون) داخل المجموعة، وحتى خارجها. وقد عمل على التصدّي لمثل هذه التأويلات في خطاب ملك المغرب، محمد السادس، في القمة الأفريقية الأوروبية في أبيدجان، وقد بسط فيه المرتكزات التي تؤطر عودة المغرب إلى القارة الأفريقية.
يبقى تحدي الموقع الجغرافي أهم دفعٍ يرفعه معارضو عضوية المغرب، فالمجموعة الإقليمية رأت النور لخدمة دول غرب أفريقيا؛ ما يعني أن البلد غير مؤهلٍ للانتماء إليها بحكم موقعه في شمال أفريقيا. من دون إغفال العائق الثقافي، فالثقافة العربية مختلفة تماما عن التي في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وانسحاب موريتانيا البلد العربي الوحيد في المجموعة سنة 2001 خير مثال على ذلك.
وكان طلب المغرب قد قوبل باعتراضات سرعان ما تتهاوى مع إمعان النظر فيها، فالمبرّر الجغرافي يسقط بالنظر إلى أن "إيكواس" منحت تونس صفة "العضو المراقب"، عند اختتام أشغال دورتها 51 في العاصمة الليبيرية مونروفيا. أما عن الاعتراض الثقافي، فهذه الدول أول من ينقضه بعجزها عن إبراز الوحدة الثقافية المشتركة، أمام سيادة ثقافة هجينة؛ إما فرانكوفونية في بلدان، وأنغلوفونية في أخرى، وأحيانا برتغالية.
بعيدا عن تقديرات الدول الأعضاء بشأن العضوية التي تحسم بالتصويت في القمة يوم 16 من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، يرى مراقبون عديدون أن المغرب لم يحسب جيدا عواقب هذا القرار، فقبول الطلب يعني دخول المغرب في الاتفاقات الإقليمية الموحدة لدول غرب أفريقيا، والتي تشمل حرية تنقل الأشخاص، واعتماد رسوم جمركية موحدة بالنسبة إلى التجارة الخارجية، مطبقة على السلع المستوردة من خارج الاتحاد، والاستعداد للتخلي عن العملة الوطنية، بعد إنشاء مصرف مركزي وعملة موحدة، في السنوات المقبلة.
صحيح أن توحيد العملة سيبقى آخر مراحل التكتل؛ على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا الخيار سيُفقد الرباط إحدى أهم وسائل سياستها الاقتصادية؛ وهي السياسة النقدية، إذ لا يمكنها أن تحدّد سعر الفائدة، كما لن تتمكّن من المحافظة أو الدفاع عن مستوى التضخم، ما دام هناك بنك مركزي مشترك. كما يفرض الالتزام ببروتوكول عدم الاعتداء والدفاع المشترك لعام 1978، وما يستتبعه من مشاركة ومساهمة في قوات حفظ السلام التابعة لمجموعة إيكواس، المعروف اختصارا بكلمة "إيكوموج". قوات كان عملياتها حاسمة في إعادة استقرار الأوضاع في بلدين عضوين في التجمع، ليبيريا وسيراليون، حتى وإن كان ذلك على حساب البلدان الأكثر مساهمة، مثل نيجيريا التي أنفقت ما يقارب ثمانية مليارات دولار، لتمويل هذه العمليات. ويُنتظر أن تزيد حرية تنقل الأشخاص بعد الانضمام من متاعب المغرب مع المهاجرين غير الشرعيين؛ القادمين من البلدان الفقيرة في المجموعة، ممن يحولون البلد؛ مع اشتداد المراقبة على أبواب الحلم الأوروبي، من دولة عبورٍ إلى بلدٍ للاستقرار والإقامة.
ما أكثر المبرّرات التي تُقدم في شأن هذا القرار الذي يأتي انسجاما مع الإعلان المسبق للملك
محمد السادس، في خطاب العرش، عن تشكيل وزارة للشؤون الأفريقية، وتتويجا لسنواتٍ من العمل الدؤوب للمغرب في القارة الأفريقية على الأصعدة كافة (الاقتصادي، السياسي، الأمني، الديني، الدبلوماسي...). ومغانم المغرب من الانتساب إلى هذه المجموعة الاقتصادية الصاعدة، بهذه المقومات التي يصعب إيجادها في تجمع آخر في القارة الأفريقية، أكبر بكثير مما سيتنازل عنه أو حتى سيفقد. وهي باختصار:
أولا: بعث رسالة سياسية قوية إلى الجارة الشرقية الجزائر، يعلن فيها فشل الحصار الذي سعت إلى فرضه على المغرب بالاستعانة بالجارة الجنوبية موريتانيا. وإعلان نهاية الحلم المغربي الذي تعرّض للخيانة، كما جاء في خطاب الملك في القمة الأفريقية في أديس أبابا، الذي نافح المغرب من أجله قرابة ثلاثة عقود.
ثانيا: كسر أو على الأقل اختراق الحلف التقليدي المعادي لوحدته الترابية المغربية، والداعم للأطروحة الانفصالية، ممثلا في محور الجزائر ـ نيجيريا - جنوب أفريقيا. فالعضوية في نادي "إيكواس" تخول المغرب الاستفادة من بروتوكول عدم الاعتداء والدفاع المشترك، كما أنه سيضمن تحييد نيجيريا في الصراع.
ثالثا: فرصة لتقوية الموقع الاقتصادي للمغرب، بتوفره على ثاني أقوى نظام مالي في القارة، وعلى بنية اقتصادية مهمة في مجال صناعة السيارات والطيران والإلكترونيات والاتصالات.. إلى غير ذلك، ما سيجعل منه قوة اقتصادية مؤثرة على المستويين، القاري والعالمي.
رابعا: كسب سوق أفريقية كبيرة تتيح للمغرب فرصا كبيرة لتسويق منتجاتها، بعيدا عن الشروط التعجيزية التي تفرضها الأسواق الأوروبية على المنتجات المغربية، التي تحمي بموجبها؛ وبشكل غير مباشر، منتجاتها المحلية بمبرّرات السلامة والجودة إلخ... والاستفادة، في المقابل، من السوق الطاقية التي توفرها هذه البلدان.
أيا تكن نتيجة طلب عضوية المغرب في المجموعة؛ قبولا أو رفضا، على صناع القرار في الرباط ألا ينساقوا كثيرا وراء "دبلوماسية الهلع" التي بدأ المغرب ينتهجها أخيرا، لأن هذه القرارات تثقل كاهل الدولة بالتزامات، وتدخل مؤسساتها في تعاقدات جديدة، ما يستدعي فتح نقاش سياسي عمومي بشأنها، حتى يكون الجميع واعيا بهذا التوجه، ومستعدا للمساهمة فيه من موقعه.
واختِيار زعماء الدول الخمس عشرة المكونة لمجموعة إيكواس (نيجيريا، توغو، سيراليون، النيجر، مالي، السنغال، ليبيريا، غانا، غينيا، غينيا بيساو، غامبيا، ساحل العاج، الرأس الأخضر، بوركينافاسو، بنين) التصويت لصالح قبول انضمام المغرب، سيجعل منه ثاني أكبر اقتصاد في المجموعة بعد نيجيريا، ومن المجموعة القوة الاقتصادية 16 عالميا، بفضل مؤهلاتها الطبيعية الممتدة على مساحة إجمالية تصل إلى 5,1 ملايين كيلومتر مربع؛ أي 17% من إجمالي مساحة القارة السمراء. وساكنة تقدر بحوالي 320 مليون نسمة؛ تعتبر أكثر شعوب الأرض شبابا، وناتج داخلي خام يصل إلى 700 مليار دولار.
تعود بدايات هذا التجمع الاقتصادي إلى 1959، حيث انطلق في شكل اتحاد جمركي بين ست دول: فدرالية مالي (مالي والسنغال)، ودول الوئام الأربع (بوركينا فاسو، بنين، النيجر، ساحل العاج). ثم تطورت الفكرة على مدار عقد ونصف العقد، قبل أن تتوج في مطلع عام 1975، بإعلان ميلاد المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية.
ويسجل تجمع إقليمي حاليا نسبة اندماج اقتصادي على مستوى التجارة البينية، تصل إلى
يبقى تحدي الموقع الجغرافي أهم دفعٍ يرفعه معارضو عضوية المغرب، فالمجموعة الإقليمية رأت النور لخدمة دول غرب أفريقيا؛ ما يعني أن البلد غير مؤهلٍ للانتماء إليها بحكم موقعه في شمال أفريقيا. من دون إغفال العائق الثقافي، فالثقافة العربية مختلفة تماما عن التي في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وانسحاب موريتانيا البلد العربي الوحيد في المجموعة سنة 2001 خير مثال على ذلك.
وكان طلب المغرب قد قوبل باعتراضات سرعان ما تتهاوى مع إمعان النظر فيها، فالمبرّر الجغرافي يسقط بالنظر إلى أن "إيكواس" منحت تونس صفة "العضو المراقب"، عند اختتام أشغال دورتها 51 في العاصمة الليبيرية مونروفيا. أما عن الاعتراض الثقافي، فهذه الدول أول من ينقضه بعجزها عن إبراز الوحدة الثقافية المشتركة، أمام سيادة ثقافة هجينة؛ إما فرانكوفونية في بلدان، وأنغلوفونية في أخرى، وأحيانا برتغالية.
بعيدا عن تقديرات الدول الأعضاء بشأن العضوية التي تحسم بالتصويت في القمة يوم 16 من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، يرى مراقبون عديدون أن المغرب لم يحسب جيدا عواقب هذا القرار، فقبول الطلب يعني دخول المغرب في الاتفاقات الإقليمية الموحدة لدول غرب أفريقيا، والتي تشمل حرية تنقل الأشخاص، واعتماد رسوم جمركية موحدة بالنسبة إلى التجارة الخارجية، مطبقة على السلع المستوردة من خارج الاتحاد، والاستعداد للتخلي عن العملة الوطنية، بعد إنشاء مصرف مركزي وعملة موحدة، في السنوات المقبلة.
صحيح أن توحيد العملة سيبقى آخر مراحل التكتل؛ على غرار تجربة الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا الخيار سيُفقد الرباط إحدى أهم وسائل سياستها الاقتصادية؛ وهي السياسة النقدية، إذ لا يمكنها أن تحدّد سعر الفائدة، كما لن تتمكّن من المحافظة أو الدفاع عن مستوى التضخم، ما دام هناك بنك مركزي مشترك. كما يفرض الالتزام ببروتوكول عدم الاعتداء والدفاع المشترك لعام 1978، وما يستتبعه من مشاركة ومساهمة في قوات حفظ السلام التابعة لمجموعة إيكواس، المعروف اختصارا بكلمة "إيكوموج". قوات كان عملياتها حاسمة في إعادة استقرار الأوضاع في بلدين عضوين في التجمع، ليبيريا وسيراليون، حتى وإن كان ذلك على حساب البلدان الأكثر مساهمة، مثل نيجيريا التي أنفقت ما يقارب ثمانية مليارات دولار، لتمويل هذه العمليات. ويُنتظر أن تزيد حرية تنقل الأشخاص بعد الانضمام من متاعب المغرب مع المهاجرين غير الشرعيين؛ القادمين من البلدان الفقيرة في المجموعة، ممن يحولون البلد؛ مع اشتداد المراقبة على أبواب الحلم الأوروبي، من دولة عبورٍ إلى بلدٍ للاستقرار والإقامة.
ما أكثر المبرّرات التي تُقدم في شأن هذا القرار الذي يأتي انسجاما مع الإعلان المسبق للملك
أولا: بعث رسالة سياسية قوية إلى الجارة الشرقية الجزائر، يعلن فيها فشل الحصار الذي سعت إلى فرضه على المغرب بالاستعانة بالجارة الجنوبية موريتانيا. وإعلان نهاية الحلم المغربي الذي تعرّض للخيانة، كما جاء في خطاب الملك في القمة الأفريقية في أديس أبابا، الذي نافح المغرب من أجله قرابة ثلاثة عقود.
ثانيا: كسر أو على الأقل اختراق الحلف التقليدي المعادي لوحدته الترابية المغربية، والداعم للأطروحة الانفصالية، ممثلا في محور الجزائر ـ نيجيريا - جنوب أفريقيا. فالعضوية في نادي "إيكواس" تخول المغرب الاستفادة من بروتوكول عدم الاعتداء والدفاع المشترك، كما أنه سيضمن تحييد نيجيريا في الصراع.
ثالثا: فرصة لتقوية الموقع الاقتصادي للمغرب، بتوفره على ثاني أقوى نظام مالي في القارة، وعلى بنية اقتصادية مهمة في مجال صناعة السيارات والطيران والإلكترونيات والاتصالات.. إلى غير ذلك، ما سيجعل منه قوة اقتصادية مؤثرة على المستويين، القاري والعالمي.
رابعا: كسب سوق أفريقية كبيرة تتيح للمغرب فرصا كبيرة لتسويق منتجاتها، بعيدا عن الشروط التعجيزية التي تفرضها الأسواق الأوروبية على المنتجات المغربية، التي تحمي بموجبها؛ وبشكل غير مباشر، منتجاتها المحلية بمبرّرات السلامة والجودة إلخ... والاستفادة، في المقابل، من السوق الطاقية التي توفرها هذه البلدان.
أيا تكن نتيجة طلب عضوية المغرب في المجموعة؛ قبولا أو رفضا، على صناع القرار في الرباط ألا ينساقوا كثيرا وراء "دبلوماسية الهلع" التي بدأ المغرب ينتهجها أخيرا، لأن هذه القرارات تثقل كاهل الدولة بالتزامات، وتدخل مؤسساتها في تعاقدات جديدة، ما يستدعي فتح نقاش سياسي عمومي بشأنها، حتى يكون الجميع واعيا بهذا التوجه، ومستعدا للمساهمة فيه من موقعه.
دلالات
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
محمد طيفوري
مقالات أخرى
23 أكتوبر 2024
11 أكتوبر 2024
22 سبتمبر 2024