إذا جاز تلخيص المناظرة الأولى، بين المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون ومنافسها الجمهوري دونالد ترامب، لأمكن القول إنّ الأخير رسب في الامتحان، وإنّ كلينتون متقدّمة عليه بالمواصفات الرئاسية.. وربما بأشواط. ليس هذا فقط بل ربما سددت ضربة لحملته قد تكون القاضية.
كانت المناظرة فرصة ترامب لتصحيح الصورة والمعادلة، خصوصا أنّ أرقام التأييد كانت متقاربة بين الإثنين، ولو أنّها بقيت متعثّرة وتراوح مكانها بالنسبة لترامب. لكنّه لم يقو على التصحيح، بل على العكس زاد من بؤس صورته، فالرجل "ميؤوس منه ولن يتغيّر"، كما قال وزير الدفاع السابق روبرت غيتس قبل أيام. أو كما وصفته صحيفة "واشنطن بوست" مؤخراً، عندما قالت إنّه "لا يصلح للرئاسة".
أمس الإثنين وخلال المناظرة، أكد ترامب ذلك. في حين كانت فرصته ليبرع في ضوء خبرته في فن الإخراج التلفزيوني، لكنّه على العكس بدا متوتراً. لم يأت بأي جديد في المضمون، إذ كرّر أجوبته، ولم يغادر كالعادة العموميات المفتقرة إلى التفاصيل، المحلية منها والخارجية، خصوصا فيما يتعلّق بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والعراق وليبيا وغيرها.
لم يكن لدى ترامب ما يقدّمه. عوّض عن ذلك عموماً بنقد سياسات باراك أوباما ودور كلينتون. وكثيراً ما لجأ إلى الالتفاف على السؤال ليتهرّب من الجواب الذي بدا أكثر من مرة أنه ليس بحوزته.
في المقابل، كانت كلينتون جاهزة وحاضرة وهجومية. بدت على إلمام واسع نسبياً بالقضايا الخارجية. ومن حسن حظها أنّ نقطة ضعفها المتعلّقة بصدقيتها، بقيت خارج النقاش عموماً.
في المحصلة، كسبت كلينتون جولة قد تكون قاضية لترامب، إذ عكست الاستطلاعات الفورية تفوّقها الوازن.
من بين 521 ناخباً شاهدوا المناظرة، حظيت كلينتون بتأييد 62% مقابل 27% لترامب، حسب استطلاع لشبكة "سي إن إن".
في السياسة الخارجية، نالت 62% مقابل 35% لترامب. حتى في الشأن الاقتصادي المفترض أن يلمع فيه ترامب، نالت كلينتون 51% مقابل 47%.
وفي استطلاع خاطف لشبكة أخرى شمل 22 مشاهداً، كانت حصة كلينتون 16 و6 فقط لمنافسها. وفي حصيلة أخرى من 20 ناخباً شاهدوا المناظرة معاً في ولاية فلوريدا الهامة، والتي اهتزّ فيها وضع كلينتون في الأيام الأخيرة، رأى 18 منهم أنّها "كسبت المناظرة" وتفوّقت على خصمها.
صحيح أنّها عينات أولية، لكنّ تقاربها وإجماعها يعكس النبض العام في النأي عن ترامب، وبالتالي يشي بهبوط حاد في رصيده، وانكشاف مدى هشاشة وضعه، لا سيما أنّ هذه العينات تقاطعت مع الشق الأكبر من تقييمات المراقبين الذين أعطوا ترامب علامة الرسوب في الامتحان.
عادة، تكمن أهمية المناظرة الأولى بين المرشَحين، بكونها المثول الأول أمام هيئة الناخبين، وبخاصة الناخبين المستقلين. وهؤلاء يشكلون 11% حتى الآن. كانوا ولا يزالون "بيضة القبّان".
وعندما تكون المعركة متوازنة إلى حدّ ما، يكون لهذه المناظرة فعلها في تزخيم المرشح الفائز فيها. الرئيس جورج بوش الابن، ركب موجة نجاحه فيها ليحسم المعركة لصالحه عام 2004. أما والده، فهبطت حملته بعد فشله فيها، عام 1992 وتعذّر عليه تجديد رئاسته.
وليس من المستبعد، بل هو من المرجح، أن تتكرّر القاعدة الآن مع كلينتون، بحيث تنقلب الأرقام بقوة لمصلحتها، كما هو متوقع في غضون أيام، فكلينتون أصلاً تتقدّم على ترامب بتسع نقاط في صفوف الناخبين الشباب، وبخمس وعشرين نقطة في صفوف المرأة، إضافة إلى أرجحية كفتها لدى ناخبي الأقليات، إلا إذا خفّ إقبالهم على التصويت.
من جهته، يتقدّم ترامب عليها بإحدى عشرة نقطة في صفوف الرجال البيض. وقد عزز أداؤها وضعها، حيث وظفّت الفرصة بكفاءة لتدعيم رصيدها وحجب أعطابها. ترامب، المتفوّق في الانتخابات التمهيدية، لم يكن على مستوى المنافسة أمس. الساحة مختلفة الآن. المناظرة كبوة، قد لا يكون من اليسير عليه النهوض منها... إلا إذا طرأ غير المحسوب.