تحولت وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة في المغرب، خاصة "فيسبوك" و"يوتيوب" الأكثر استخداماً بين المواطنين، إلى منصات مباشرة قوية عوضت آليات الوساطة الاجتماعية والسياسية، من قبيل الأحزاب والجمعيات، فباتت أخيراً قوة ضاربة لا يستهان بها.
وانطلقت العديد من الاحتجاجات وحملات المقاطعة الشعبية من مواقع الاتصال هذه، لتكبر مثل "كرة ثلج"، وتشكل قوة ضغط على المسؤولين، وبالتالي أخذت قرارات حكومية عدة بعين الاعتبار مطالب محتجي الفضاء الأزرق.
قوة ضغط
وكانت لافتة خلال الأشهر الأخيرة الحملة الشعبية لمقاطعة عدد من المنتجات، على رأسها الحليب ومياه معدنية ومحطة للوقود تمتلكها شخصية سياسية معروفة. وأطلق الدعوة ناشطون عبر موقع "فيسبوك"، محتجين على غلاء أسعار المنتجات وتدني جودتها.
وفي الوقت الذي اعتقد كثيرون أن الحملة التي بدأت في الموقع ستنتهي مبكراً، عرفت نجاحاً غير مسبوق، إلى حد أنها تسببت في ارتباك حكومي واضح، ودفعت المسؤولين إلى التفكير في حلول لظاهرة الغلاء، كما أرغمت بعض مسؤولي الشركات (موضوع المقاطعة) على التراجع وخفض السعر، كما حصل في مادة الحليب.
صفحات "فيسبوك" و"يوتيوب" لم تتوقف عند حملة المقاطعة، بل نظمت تظاهرات على أرض الواقع، احتجاجاً على قرار حكومي، أو غضباً من ظاهرة اجتماعية معينة مثل العنف، أو تنديداً بتفشي آفات اجتماعية من قبيل الرشوة.
وفي الوقت الذي انكفأت فيه أحزاب سياسية وجمعيات داخل المجتمع المدني عن ممارسة دورها في تأطير المواطنين والوساطة بينهم وبين الدولة، تلقفت وسائل التواصل الرقمي لتقوم هذا الدور، فتابع مستخدموها أدق تفاصيل الحياة العامة سياسياً واجتماعياً وفنياً وثقافياً، لتتحول بالفعل إلى أداة احتجاج اجتماعي يضرب له المسؤولون ألف حساب.
اعتراف رسمي
"المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، وهو مؤسسة حكومية، تطرق إلى هذا التحول في تقريره الأخير عن أوضاع البلاد، إذ أكد أن "توسع مجال استعمال الفضاء الافتراضي ساهم في تغير موقف وسلوك المواطنين، لا سيما الشباب، تجاه الفوارق وأشكال الحيف". وأورد المجلس أن "استغلال العالم الرقمي باعتباره فضاء للتعبير الحر والنقاش حـول مواضيع تهم المجتمع لاسيما قضية الفوارق، أصبح يتزايد في سياق يعرف مشاركة سياسـية متواضعة، وتراجعاً علـى مستوى الثقة في مؤسسات التأطير والوسـاطة"، في إشارة إلى الأحزاب والمنظمات المدنية.
ووفق التقرير الرسمي نفسه، فإن "الانفتاح المتزايد على الإنترنت والشبكات الاجتماعية والصحافة الإلكترونية ومختلف القنوات التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصال قـد يسَّـر بشـكل كبيـر عمليـة توعية المواطنيـن وتعبئة الرأي العام في المغرب"، كما أن "الولوج إلى هـذه التكنولوجيات مكّن المواطنين مـن إجراء مقارنات بين مسـتويات عيشهم ومستوى عيش فئات أخرى من المجتمع".
احتجاج أم تحريض؟
صفحات عدة تولت نقل الأحداث والشكاوى بالصوت والصورة عبر "فيسبوك"، وأبرزها صفحة "الشعب يريد" و"كفاح" و"تقشاب سياسي". كما ينقد المواطنون من خلالها السياسات الحكومية الراهنة. يقول مراد، أحد القائمين على صفحة "تقشاب سياسي"، لـ "العربي الجديد"، إن تحويل حدث سياسي إلى فرجة اجتماعية هو هدف الصفحة، حيث تتحول الواقعة السياسية أو القرار الحكومي إلى نوع من السخرية السوداء، وآخرها تسابق برلمانيين للحصول على الحلوى، بمناسبة افتتاح العاهل المغربي الملك محمد السادس الدورة البرلمانية الجديدة، ما أثار سخرية المغاربة وتندّرهم.
ويختلف مغاربة في تقدير أهمية مثل هذه الصفحات ودورها في "الحراك الاجتماعي" في البلاد، إذ يرى الناشط الشبابي، الحسين أزكاني، أن وسائل التواصل الاجتماعي "صارت ملجأ من لا ملجأ له، فالذي لا يجد سنداً من حزب أو جمعية أو حتى من الحكومة، يبث شكواه أو تعليقه أو انتقاداته في صفحته على (فيسبوك) أو ينشر فيديو في (يوتيوب)".
في المقابل، تعتبر الناشطة على موقع "فيسبوك"، مريم مرتضى، أن "هذه الصفحات تتجاوز للأسف هدف رفع وعي المواطنين وتوصيل شكاواهم مباشرة إلى المسؤولين، إلى كونها صارت منصات تحرض على الاحتجاج والسب والشتم، من خلال تبخيس عمل الدولة ومجهوداتها في كثير من الميادين".
اقــرأ أيضاً
تطور المنصات الرقمية
الخبيرة في الإعلام الجديد، شامة درشول، تعلق بالقول إنه "حين أطلق (يوتيوب) كان الهدف توفير فرصة لعشاق الفيديو لنشر مقاطعهم، وحين أطلق (فيسبوك) كانت الغاية توفير فرصة للتعارف بين طلاب الجامعة بشكل خاص، وحين بات قادراً على الخروج من الجغرافية الأميركية رُوج له على أنه منصة من خلالها يمكنك حفظ التواصل مع أصدقائك، وبالتالي لم يكن الهدف مند البداية هو الحشد الرقمي من أجل الاحتجاج والضغط لتغيير قرار ما، ولا كان هدفه التأثير في الرأي العام".
وتشير درشول إلى أن "أحداثاً معينة ومتسلسلة وقعت في العالم وجعلت التفاعل معها يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي جعلت المواطن يشعر بأنه يملك أداة في يده يمكنه من خلالها إسماع صوته بل فرضه وإخافة صاحب السلطة مهما كانت هذه السلطة سواء سياسية أو مالية أو ثقافية أو دينية، وقتها بات لهذه المنصات دور قوي تنامى مع تطور التكنولوجيا"، في حديثها لـ "العربي الجديد".
وعن هذا الدور في المغرب، توضح أنه "في البداية كان يُنظر لهذه المنصات باستخفاف، وبأنها موجهة للفئة الشابة المراهقة، إلى أن وقعت أحداث متسلسلة مثل واقعة (قناص تارجيست)، الفتى الذي كان يقتنص رجال الدرك وهم يحصلون على إتاوات سائقي الشاحنات، وقام بنشر هده المقاطع على (يوتيوب)، وهزت مؤسسة الدرك الملكي في المغرب".
وتكمل الخبيرة بأنه "مع هبوب رياح الربيع العربي في المغرب، تحول العالم الأزرق إلى مجال يتواجد فيه الوزير والمواطن، وبات المواطن يفرض على الوزير أن ينصت له ويتحمل انتقاداته، وأضحى منصة للمظاهرات الاحتجاجية الرقمية، والحملات الرقمية، آخرها كانت حملة المقاطعة التي كانت ناجحة ليس في قدرتها على إسقاط المنتوجات المستهدفة، بل في قدرتها على إثارتها الجدل".
قادة التعبئة
تشرح درشول أن "مواقع التواصل الاجتماعي إجمالاً قائمة على محتوى يصنعه المواطن، لذلك حين نتحدث عن التعبئة لا يمكن أن نتجاهل من يقوم بها، ومن يكون وراءها، خاصة أننا بتنا أمام مشهد سياسي فاشل، ونخبة سياسية وثقافية وإعلامية ميتة، مما جعل الساحة فارغة للتواصل الاجتماعي".
وتستدرك "من يقود التعبئة في هده المنصة ليسوا هم الفئة الشابة القيادية التي برزت قبيل الربيع العربي وخلاله، بل هي فئة يحركها الغضب والسخط، ولا تعرف لها وجهة محددة، مما يجعلها فئة هشة، ويسهل التأثير فيها، وتماهيها مع أي موجة جديدة. وبدل أن تشكل صوتاً معارضاً يطالب السلطة بالامتناع عن الشطط، تجدها هي نفسها تعارض وتحتج في الخفاء لأنها غير قادرة على مواجهة السلطة".
وخلصت إلى أن "منصات التواصل الاجتماعي في المغرب فقدت قدرتها على حشد حقيقي، وعلى تشكيل ما يعرف بالرأي العام الرقمي، وأصبحت مجرد شكل آخر من أشكال الفشل الذي يخترق مشهد الحياة الواقعية في المغرب"، على حد تعبيرها.
وانطلقت العديد من الاحتجاجات وحملات المقاطعة الشعبية من مواقع الاتصال هذه، لتكبر مثل "كرة ثلج"، وتشكل قوة ضغط على المسؤولين، وبالتالي أخذت قرارات حكومية عدة بعين الاعتبار مطالب محتجي الفضاء الأزرق.
قوة ضغط
وكانت لافتة خلال الأشهر الأخيرة الحملة الشعبية لمقاطعة عدد من المنتجات، على رأسها الحليب ومياه معدنية ومحطة للوقود تمتلكها شخصية سياسية معروفة. وأطلق الدعوة ناشطون عبر موقع "فيسبوك"، محتجين على غلاء أسعار المنتجات وتدني جودتها.
وفي الوقت الذي اعتقد كثيرون أن الحملة التي بدأت في الموقع ستنتهي مبكراً، عرفت نجاحاً غير مسبوق، إلى حد أنها تسببت في ارتباك حكومي واضح، ودفعت المسؤولين إلى التفكير في حلول لظاهرة الغلاء، كما أرغمت بعض مسؤولي الشركات (موضوع المقاطعة) على التراجع وخفض السعر، كما حصل في مادة الحليب.
صفحات "فيسبوك" و"يوتيوب" لم تتوقف عند حملة المقاطعة، بل نظمت تظاهرات على أرض الواقع، احتجاجاً على قرار حكومي، أو غضباً من ظاهرة اجتماعية معينة مثل العنف، أو تنديداً بتفشي آفات اجتماعية من قبيل الرشوة.
اعتراف رسمي
"المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، وهو مؤسسة حكومية، تطرق إلى هذا التحول في تقريره الأخير عن أوضاع البلاد، إذ أكد أن "توسع مجال استعمال الفضاء الافتراضي ساهم في تغير موقف وسلوك المواطنين، لا سيما الشباب، تجاه الفوارق وأشكال الحيف". وأورد المجلس أن "استغلال العالم الرقمي باعتباره فضاء للتعبير الحر والنقاش حـول مواضيع تهم المجتمع لاسيما قضية الفوارق، أصبح يتزايد في سياق يعرف مشاركة سياسـية متواضعة، وتراجعاً علـى مستوى الثقة في مؤسسات التأطير والوسـاطة"، في إشارة إلى الأحزاب والمنظمات المدنية.
ووفق التقرير الرسمي نفسه، فإن "الانفتاح المتزايد على الإنترنت والشبكات الاجتماعية والصحافة الإلكترونية ومختلف القنوات التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصال قـد يسَّـر بشـكل كبيـر عمليـة توعية المواطنيـن وتعبئة الرأي العام في المغرب"، كما أن "الولوج إلى هـذه التكنولوجيات مكّن المواطنين مـن إجراء مقارنات بين مسـتويات عيشهم ومستوى عيش فئات أخرى من المجتمع".
احتجاج أم تحريض؟
صفحات عدة تولت نقل الأحداث والشكاوى بالصوت والصورة عبر "فيسبوك"، وأبرزها صفحة "الشعب يريد" و"كفاح" و"تقشاب سياسي". كما ينقد المواطنون من خلالها السياسات الحكومية الراهنة. يقول مراد، أحد القائمين على صفحة "تقشاب سياسي"، لـ "العربي الجديد"، إن تحويل حدث سياسي إلى فرجة اجتماعية هو هدف الصفحة، حيث تتحول الواقعة السياسية أو القرار الحكومي إلى نوع من السخرية السوداء، وآخرها تسابق برلمانيين للحصول على الحلوى، بمناسبة افتتاح العاهل المغربي الملك محمد السادس الدورة البرلمانية الجديدة، ما أثار سخرية المغاربة وتندّرهم.
ويختلف مغاربة في تقدير أهمية مثل هذه الصفحات ودورها في "الحراك الاجتماعي" في البلاد، إذ يرى الناشط الشبابي، الحسين أزكاني، أن وسائل التواصل الاجتماعي "صارت ملجأ من لا ملجأ له، فالذي لا يجد سنداً من حزب أو جمعية أو حتى من الحكومة، يبث شكواه أو تعليقه أو انتقاداته في صفحته على (فيسبوك) أو ينشر فيديو في (يوتيوب)".
في المقابل، تعتبر الناشطة على موقع "فيسبوك"، مريم مرتضى، أن "هذه الصفحات تتجاوز للأسف هدف رفع وعي المواطنين وتوصيل شكاواهم مباشرة إلى المسؤولين، إلى كونها صارت منصات تحرض على الاحتجاج والسب والشتم، من خلال تبخيس عمل الدولة ومجهوداتها في كثير من الميادين".
تطور المنصات الرقمية
الخبيرة في الإعلام الجديد، شامة درشول، تعلق بالقول إنه "حين أطلق (يوتيوب) كان الهدف توفير فرصة لعشاق الفيديو لنشر مقاطعهم، وحين أطلق (فيسبوك) كانت الغاية توفير فرصة للتعارف بين طلاب الجامعة بشكل خاص، وحين بات قادراً على الخروج من الجغرافية الأميركية رُوج له على أنه منصة من خلالها يمكنك حفظ التواصل مع أصدقائك، وبالتالي لم يكن الهدف مند البداية هو الحشد الرقمي من أجل الاحتجاج والضغط لتغيير قرار ما، ولا كان هدفه التأثير في الرأي العام".
وتشير درشول إلى أن "أحداثاً معينة ومتسلسلة وقعت في العالم وجعلت التفاعل معها يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي جعلت المواطن يشعر بأنه يملك أداة في يده يمكنه من خلالها إسماع صوته بل فرضه وإخافة صاحب السلطة مهما كانت هذه السلطة سواء سياسية أو مالية أو ثقافية أو دينية، وقتها بات لهذه المنصات دور قوي تنامى مع تطور التكنولوجيا"، في حديثها لـ "العربي الجديد".
وعن هذا الدور في المغرب، توضح أنه "في البداية كان يُنظر لهذه المنصات باستخفاف، وبأنها موجهة للفئة الشابة المراهقة، إلى أن وقعت أحداث متسلسلة مثل واقعة (قناص تارجيست)، الفتى الذي كان يقتنص رجال الدرك وهم يحصلون على إتاوات سائقي الشاحنات، وقام بنشر هده المقاطع على (يوتيوب)، وهزت مؤسسة الدرك الملكي في المغرب".
وتكمل الخبيرة بأنه "مع هبوب رياح الربيع العربي في المغرب، تحول العالم الأزرق إلى مجال يتواجد فيه الوزير والمواطن، وبات المواطن يفرض على الوزير أن ينصت له ويتحمل انتقاداته، وأضحى منصة للمظاهرات الاحتجاجية الرقمية، والحملات الرقمية، آخرها كانت حملة المقاطعة التي كانت ناجحة ليس في قدرتها على إسقاط المنتوجات المستهدفة، بل في قدرتها على إثارتها الجدل".
قادة التعبئة
تشرح درشول أن "مواقع التواصل الاجتماعي إجمالاً قائمة على محتوى يصنعه المواطن، لذلك حين نتحدث عن التعبئة لا يمكن أن نتجاهل من يقوم بها، ومن يكون وراءها، خاصة أننا بتنا أمام مشهد سياسي فاشل، ونخبة سياسية وثقافية وإعلامية ميتة، مما جعل الساحة فارغة للتواصل الاجتماعي".
وتستدرك "من يقود التعبئة في هده المنصة ليسوا هم الفئة الشابة القيادية التي برزت قبيل الربيع العربي وخلاله، بل هي فئة يحركها الغضب والسخط، ولا تعرف لها وجهة محددة، مما يجعلها فئة هشة، ويسهل التأثير فيها، وتماهيها مع أي موجة جديدة. وبدل أن تشكل صوتاً معارضاً يطالب السلطة بالامتناع عن الشطط، تجدها هي نفسها تعارض وتحتج في الخفاء لأنها غير قادرة على مواجهة السلطة".
وخلصت إلى أن "منصات التواصل الاجتماعي في المغرب فقدت قدرتها على حشد حقيقي، وعلى تشكيل ما يعرف بالرأي العام الرقمي، وأصبحت مجرد شكل آخر من أشكال الفشل الذي يخترق مشهد الحياة الواقعية في المغرب"، على حد تعبيرها.