09 نوفمبر 2024
المنطقة في عين العاصفة
كان مفاجئاً وطيباً أن تتم الدعوة من الرياض إلى قمتين طارئتين، خليجية، وثانية عربية، في مكة المكرمة في 30 مايو/ أيار الجاري. ومن شأن عقد قمة خليجية بدء احتواء الأزمة الخليجية وتبريدها، خطوة أولى على طريق حلها، إذا ما تمت الدعوة إلى القمة حسب الأصول المتبعة، وهو الأمر المأمول والمتوقع، وإذا ما تمت المشاركة الشاملة بها على أعلى مستوى.
وحسب ما تم تداوله، سوف تنظر القمتان في التحدّي الإيراني المتزايد، بنداً رئيساً على جدول أعمالهما، إذ من الواضح أن طهران تستسهل الرد على التحدّي الأميركي لها بمحاولة إيذاء دول المنطقة، وهو أسلوب إيراني أثير ومعهود، في حرف المواجهة عن مسارها وميدانها، (طهران تتفادى بكل السبل أية مواجهة مع واشنطن أو تل أبيب)، ومحاولة توريط دول أخرى في مواجهةٍ ليست هي طرفا فيها، مع استثمار أذرع إيران هنا وهناك للقيام بالمهمات التي أنشئت من أجلها، وهي تصديع أمن الدول التي "تحتضنها"، وتهتيك نسيجها الاجتماعي. والتحدّي الإيراني، في هذا المنظور الواقعي، جدّي ووجودي. وفي هذا الشأن بالذات، ليس الخلاف الخليجي مع إيران بالضرورة جزءا من الخلاف الإيراني الأميركي، كما تروّج الدعاية
الإيرانية. فقد كان الخلاف الخليجي الإيراني قائما أيام كانت هناك تهدئة إيرانية أميركية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. هناك بالطبع التقاء مصالح في هذه المرحلة، وهناك تفاهمات استراتيجية يدل عليها الوجود الأميركي في سائر دول الخليج، غير أن السياسات قد تفترق وقد تلتقي في منعطفٍ من المنعطفات إزاء الموقف من طهران ومن غيرها.
ومن المهم، في جميع الأحوال، بلورة موقف عربي يستند إلى أن الخلاف مع طهران يعود إلى رفضها البقاء دولة طبيعية داخل حدودها، وإلى عبثها في النسيجين، الوطني والاجتماعي، لدول المنطقة، وإلى طموحاتها النووية التي تهدد دول الجوار. ولا يندرج بالضرورة ودائماً في الخلاف الأميركي الإيراني. وإذ كانت هناك تفاهمات ذات طابع استراتيجي، وبعيد المدى، مع أميركا والغرب عموماً، فإن لطهران مثل هذه التفاهمات مع روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا، وبدرجة أقل مع الصين. على أنه تستوقف المرء كثرة المشاريع التي طرحت في السنوات القليلة الماضية، من قبيل التحالفات ضد الإرهاب، و"الناتو" العربي والإسلامي. وهي مشاريع تحلّق فوق الخلافات العربية، ولا تضع حلا لها. ومع غياب مشروعٍ عربيٍّ متماسك، للتعامل مع التحدّيات، ووضعها في أضمومةٍ واحدةٍ من: التحدّي الإيراني إلى الإسرائيلي إلى تحدّي الإرهاب، فهذه التحدّيات تتغذّى من بعضها بعضا، بتقديم الذرائع والمسوغات، وبالخلط المتعمد للأوراق، والخلط بين الأولويات من أجل تشويش الصورة في الأذهان، والتلاعب بالوقائع والعقول. وعلى سبيل التوضيح، فإن نشر النفوذ الإيراني ليس بديلاً صالحاً لتعاظم الدور الإسرائيلي، كما أن التمدّد الإسرائيلي ليس ترياقاً لمواجهة التمدّد الإيراني، علما أن الطرفين يتذرّعان بمحاربة الإرهاب، من أجل بسط النفوذ وتشبيك مصالح آنية مع العالم العربي، واختراق الأمن الجماعي العربي.
وبما أن التحدّي الإيراني، على جسامته وراهنيته، ليس هو التحدّي الوحيد الماثل، فإنه من
الواجب أخذ التواطؤ الأميركي الإسرائيلي بكل ما يستحق من اهتمام. التواطؤ الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية، بعيدا عن الشرعية الدولية، وعلى الضد منها، وبما يتعاكس مع المبادرة العربية للسلام (تطبيع شامل مقابل سلام كامل)، وصولاً إلى اختراق الكيان العربي في صميمه، عبر مشروعاتٍ اقتصاديةٍ من شأنها "التربيط" مع دولة الاحتلال، وبأموال عربية في المقام الأول، وبخبرات تقنية إسرائيلية في مجالات شتى. وأي تهوينٍ في مقابلة هذا المشروع سيؤدي، بالإضافة إلى نتائجه الكارثية على الأرض وتبديد الحقوق، إلى تقديم ذخيرة دعائية لإيران ومليشياتها، وإلى منظمات الإرهاب، وإلى تسميم الأجواء في المنطقة، وإلى تغذية التطرّف الصهيوني الإرهابي الذي سيرفع حينئذ عقيرته بالقول: "كنا على حق في رفض القرارات الدولية والاستيلاء على القدس، وإنه ليس لدى العرب من بضاعة ينتجونها سوى إطلاق الكلام في الهواء، حتى يستنفدوا كل طاقاتهم، ويبدأوا النكوص والتراجع أمام ثباتنا".
وبالنظر إلى الواقع الحالي، وما ينطق به من مستجدّات، فإن عقد واشنطن مؤتمراً في البحرين، عنوانه "الاستثمار في الأراضي الفلسطينية"، بعد نحو شهر من القمتين الخليجية والعربية، هو تطور أقل ما يقال فيه إنه مستغرب، ويلقي ظلالاً ثقيلة على القمتين المزمعتين في مكة المكرمة. لقد أصدرت حكومة البحرين بياناً بالمناسبة أعلنت فيه تمسّكها بالحقوق الفلسطينية الثابتة، وهذا موقف مبدئي جيد، غير أن السؤال الكبير المرتسم: كيف للمنامة أن تستضيف مؤتمرا بمعزل عن الطرف الشقيق المعني، ومن غير التنسيق معه. وهل يُعقل، على سبيل
المثال، أن يعقد مؤتمرٌ عن الاستثمار في البحرين، في بلدٍ ما وبرعاية دولية ما، بغير علم حكومة البحرين ومن دون موافقتها؟
ومعلوم أن المؤمر المزمع نسخة اقتصادية أولى عن "صفقة القرن"، وهي صفقة معلومة، ظهرت نتائجها منذ نحو عام بتسليم واشنطن بسيادة الاحتلال على القدس العربية، ونقل السفارة إليها، والتوقف عن دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف الدعم الأميركي للسلطة وللمؤسسات الفلسطينية في الأراضي المحتلة. وبهذا، بدأت الصفقة بإعلان حربٍ اقتصادية وسياسية أميركية على الشعب المشرّد والخاضع للاحتلال. والآن، فإنهم يريدون تحسين حياة الناس تحت الاحتلال! ويحرضون دولا عربية ضد الشقيق الفلسطيني، عقاباً له على تمسّكه بعدالةٍ نسبيةٍ، تستند إلى إنهاء الاحتلال الاستيطاني والعسكري للضفة الغربية المحتلة، وتشريع الأبواب أمام السلام.
كي تنجح القمتان في مكة المكرمة، من الواجب ربط التحديات بما يخدم الحقوق والمصالح العربية مجتمعة التي تستند إلى القانون الدولي، بالوقوف معاً أمام التحدّي الإيراني، ودعوة واشنطن إلى الكفّ عن سياستها العدائية تجاه شعب فلسطين، وأن تعيد النظر بصفقتها وبالإجراءات التي اتخذتها، لتهيئة الظروف لتسوية متوازنة ومتزنة، وبالتشاور مع الأطراف المعنية في المنطقة وفي العالم، وأن تتجه الضغوط إلى الطرف الرافض للسلام، لا إلى الأطراف الفلسطينية والعربية التي أبدت، على الدوام، عزمها على السير في طريق السلام، وقرنت أقوالها بالأفعال.
المنطقة كلها في عين العاصفة.. والعاصفة تهب من جهاتٍ شتّى، لا من جهة واحدة.
ومن المهم، في جميع الأحوال، بلورة موقف عربي يستند إلى أن الخلاف مع طهران يعود إلى رفضها البقاء دولة طبيعية داخل حدودها، وإلى عبثها في النسيجين، الوطني والاجتماعي، لدول المنطقة، وإلى طموحاتها النووية التي تهدد دول الجوار. ولا يندرج بالضرورة ودائماً في الخلاف الأميركي الإيراني. وإذ كانت هناك تفاهمات ذات طابع استراتيجي، وبعيد المدى، مع أميركا والغرب عموماً، فإن لطهران مثل هذه التفاهمات مع روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا، وبدرجة أقل مع الصين. على أنه تستوقف المرء كثرة المشاريع التي طرحت في السنوات القليلة الماضية، من قبيل التحالفات ضد الإرهاب، و"الناتو" العربي والإسلامي. وهي مشاريع تحلّق فوق الخلافات العربية، ولا تضع حلا لها. ومع غياب مشروعٍ عربيٍّ متماسك، للتعامل مع التحدّيات، ووضعها في أضمومةٍ واحدةٍ من: التحدّي الإيراني إلى الإسرائيلي إلى تحدّي الإرهاب، فهذه التحدّيات تتغذّى من بعضها بعضا، بتقديم الذرائع والمسوغات، وبالخلط المتعمد للأوراق، والخلط بين الأولويات من أجل تشويش الصورة في الأذهان، والتلاعب بالوقائع والعقول. وعلى سبيل التوضيح، فإن نشر النفوذ الإيراني ليس بديلاً صالحاً لتعاظم الدور الإسرائيلي، كما أن التمدّد الإسرائيلي ليس ترياقاً لمواجهة التمدّد الإيراني، علما أن الطرفين يتذرّعان بمحاربة الإرهاب، من أجل بسط النفوذ وتشبيك مصالح آنية مع العالم العربي، واختراق الأمن الجماعي العربي.
وبما أن التحدّي الإيراني، على جسامته وراهنيته، ليس هو التحدّي الوحيد الماثل، فإنه من
وبالنظر إلى الواقع الحالي، وما ينطق به من مستجدّات، فإن عقد واشنطن مؤتمراً في البحرين، عنوانه "الاستثمار في الأراضي الفلسطينية"، بعد نحو شهر من القمتين الخليجية والعربية، هو تطور أقل ما يقال فيه إنه مستغرب، ويلقي ظلالاً ثقيلة على القمتين المزمعتين في مكة المكرمة. لقد أصدرت حكومة البحرين بياناً بالمناسبة أعلنت فيه تمسّكها بالحقوق الفلسطينية الثابتة، وهذا موقف مبدئي جيد، غير أن السؤال الكبير المرتسم: كيف للمنامة أن تستضيف مؤتمرا بمعزل عن الطرف الشقيق المعني، ومن غير التنسيق معه. وهل يُعقل، على سبيل
ومعلوم أن المؤمر المزمع نسخة اقتصادية أولى عن "صفقة القرن"، وهي صفقة معلومة، ظهرت نتائجها منذ نحو عام بتسليم واشنطن بسيادة الاحتلال على القدس العربية، ونقل السفارة إليها، والتوقف عن دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف الدعم الأميركي للسلطة وللمؤسسات الفلسطينية في الأراضي المحتلة. وبهذا، بدأت الصفقة بإعلان حربٍ اقتصادية وسياسية أميركية على الشعب المشرّد والخاضع للاحتلال. والآن، فإنهم يريدون تحسين حياة الناس تحت الاحتلال! ويحرضون دولا عربية ضد الشقيق الفلسطيني، عقاباً له على تمسّكه بعدالةٍ نسبيةٍ، تستند إلى إنهاء الاحتلال الاستيطاني والعسكري للضفة الغربية المحتلة، وتشريع الأبواب أمام السلام.
كي تنجح القمتان في مكة المكرمة، من الواجب ربط التحديات بما يخدم الحقوق والمصالح العربية مجتمعة التي تستند إلى القانون الدولي، بالوقوف معاً أمام التحدّي الإيراني، ودعوة واشنطن إلى الكفّ عن سياستها العدائية تجاه شعب فلسطين، وأن تعيد النظر بصفقتها وبالإجراءات التي اتخذتها، لتهيئة الظروف لتسوية متوازنة ومتزنة، وبالتشاور مع الأطراف المعنية في المنطقة وفي العالم، وأن تتجه الضغوط إلى الطرف الرافض للسلام، لا إلى الأطراف الفلسطينية والعربية التي أبدت، على الدوام، عزمها على السير في طريق السلام، وقرنت أقوالها بالأفعال.
المنطقة كلها في عين العاصفة.. والعاصفة تهب من جهاتٍ شتّى، لا من جهة واحدة.