11 سبتمبر 2024
المهاجرون والمسلمون الخاسرون بعد هجمات باريس
يتشاءم الفرنسيون من يوم الجمعة، إذا صادف تاريخ 13 من الشهر، ويسمونه سخرية "الجمعة 13"، وها قد جاءهم يوم تشاؤمهم وشعوذتهم على وقع تفجيرات مدوية وقتل، تعددت في باريس، فأصابت المخابرات الفرنسية والغربية في مقتل. قُتل رهائن في قاعة حفلات مسرح باتاكلان، وفجر انتحاريان نفسيهما قرب ملعب فرنسا، فكان هذا التفجير الأعنف سياسياً، وذا دلالة استخبارية قوية، فالرئيس فرانسوا هولاند، داخل الملعب يستمتع، ومن معه، بمباراة لكرة القدم بين فرنسا وألمانيا.
تعد حالة الطوارئ التي أعلنها هولاند تطوراً خطيراً في سياسة باريس، ففرنسا لم تعلن هذه الحالة منذ 1955 في مواجهة الثورة الجزائرية. خرج الرئيس الفرنسي على أهله مهتز المشاعر، فزِعا مما حدث، غير مصدّق. وفي الصورة من خلفه استقرت عينا رئيس وزرائه في رأسه، فهول ما حدث جعله شارد الذهن، وفي خلده ألف سؤال يطرح. لا فرق، إذن، بين باريس وبيروت وحلب وبغداد وصنعاء.
في التسعينيات من القرن الفائت، كان التشدق الفرنسي يملأ الإعلام صخباً، وكانت تفجيرات مدن الجزائر أو المدية أو جيجل، في مفهوم باريس حينئذ، "عجز سلطة". بماذا يجيب رئيس الوزراء، مانويل فالس، مواطنيه اليوم إذن، وهو الذي أنذرهم بشهب إرهاب قادمة، في تصريح له سبق أحداث الجمعة الباريسية بأيام؟ وكان قد سبقه إليها القاضي الفرنسي، تريفيديك، حين تنبّأ مسبقاً في حوار لمجلة باري ماتش، بقوله: "فرنسا هي العدوّ رقم 1 لتنظيم الدولة، والحرب الحقيقية لم تبدأ بعد وانتظروا الأسوأ"..، أهو عجز استخباراتي فرنسي، إذن، أم قلة حيلة أمام غول إرهابي، عابر للقارات وغير عابئ بقواعد الحرب والاشتباك.
زاد عدد ضحايا هجومات باريس عن 120، صحيح أن المهاجمين، كما يقول شهود عيان، استعملوا أسلحة أوتوماتيكية، وأفرغوا ذخائر كثيرة، لكن سؤالاً آخر يطرح نفسه بإلحاح: ألم تساهم هجمة القوات الفرنسية غير الموفقة لتحرير الرهائن في رفع عدد القتلى؟ ثم ماذا لو أن أحد المهاجمين فجر نفسه في ملعب كرة القدم. كتب صديقي الصحافي المغربي، محمد واموسي، أنه كان، وابنه الذي يبلغ عمره التسع سنوات، يشاهدان مباراة فرنسا وألمانيا، حين حدث الانفجاران الأول والثاني. عاشا لحظات صعبة، وكان بينه وبين الموت خطوات، يتذكر لحظات الجحيم التي عاشها وابنه، وهو يتمنى لو لم يرافقه لمشاهدة مباراة، كادت تتحول إلى بركة من الدماء، لو تمكن الانتحاريان من الذوبان وسط الجمهور.
حدث هذا كله أياماً قليلة، بعد إعلان فرنسا رفع حالة التأهب في وسط قواتها الأمنية والعسكرية إلى أقصاها، وإعادة العمل بمراقبة الأفراد على حدودها البرية، تحضيراً للقمة العالمية للمناخ، والتي ستعقد في باريس نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. عاشت فرنسا جحيم الرعب والخوف، حدث هذا وفرنسا واقفة، أو هكذا هيئ لأولي الأمر فيها، فما الذي كان سيحدث، لو أن حالة التأهب لدى المصالح المعنية بحفظ الأمن كانت فاترة؟ ربما حدث شيء من ذلك في وسط قوات الأمن، ولعله ما دفع وزير الداخلية الفرنسي إلى إعلان قرار بلاده ضبط حدودها، بمساعدة استخبارات أجنبية.
أمر آخر جدير بالمتابعة، يذهب إليه مطلعون على شؤون اللاجئين في أوروبا، مفاده بأن مخاوف كبيرة اجتاحت ألمانيا وأوروبا من حدوث عمليات إرهابية دامية، وإلصاق هذه التهمة باللاجئين السوريين، خصوصاً وأن جهات كثيرة دست بين اللاجئين عملاء لها، وأن نسبة حاملي جوازات السفر السورية المزورة بين اللاجئين الذين يدّعون أنهم سوريون أكثر من 75% ، وهي نسبة تحتاج إلى تأكيد من جهات مختصة ومطلعة ومحايدة، على الرغم من قول السلطة الفرنسية إن جواز السفر السوري الذي وجد بجانب جثة أحد المهاجمين ملك أحد المهاجرين المسجلين في اليونان، في خضم موجة اللجوء الأخير. وفي حال ثبوت ذلك، يصبح حديث المؤامرة غير مستبعد. وكما قال أحدهم: دائماً في السياسة كل حدث كبير مقبل، يحتاج لحدث صادم يسبقه، ليكون مبرراً له، ويبدو أننا مقبلون على مرحلة جديدة، تكون منطقتنا ملعباً لها.
أجمعت تصريحات المحللين على اتهام جهات "إسلامية جهادية"، ومبررها أن لفرنسا يد طويلة في ضرب معاقل "داعش" في سورية والعراق. أما تصريحات هولاند فذهبت مباشرة إلى اتهام تنظيم الدولة الإسلامية بارتكاب ما أسماه "عملاً حربياً". ما يسترعي الانتباه استعماله مصطلح "عمل حربي"، وليس "عملاً إرهابياً"، ولعل هولاند يريد أن يقول إنه عمل يستوجب رد فعل "حربي"، ربما شبيه بما تقوم به روسيا في سورية، فهل ستكرر فرنسا ما فعلته في شمال مالي، حين أنزلت قواتها لمحاربة "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"؟. وهل سنشهد حضوراً للقوات الفرنسية على الأرض السورية، كما فعلت القوات الروسية في حملتها لنصرة بشار الأسد ونظامه؟ يبدو الوضع معقداً كثيراً في سورية عنه في الأراضي المالية، وتبدو تصريحات هولاند مجرد مقدمات مسار دولي طويل، تقدم عليه فرنسا، بعد الذي حدث في عاصمتها، كان أفصح عنه وزير الخارجية لوران فابيوس، في اجتماعات فيينا بشأن الأزمة السورية، بقوله: نظراً للظروف التي نعيشها، تحتم علينا، أكثر من أي وقت مضى، تنسيق الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب. .. وهي الدعوة التي لقيت صداها في موسكو، حيث أعلنت وزارة الداخلية الروسية حالة التأهب القصوى في صفوف قوات الأمن الروسية في عموم البلاد، حيث جاء القرار على خلفية الهجمات التي تعرضت لها باريس وتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية السابقة لروسيا.
ما هو مقلق في كل الذي حدث، ناهيك عن الأسف على الأبرياء الذين ذهبوا ضحية صراعات بعيدة عنهم، أن محللين في شاشات تلفزيونية، فرنسية خصوصاً كانت لديهم مبرراتهم الجاهزة، بدأت في صب السهام والتهم وكل أنواع العنصرية على المسلمين والمهاجرين، فليس أخطر على المسلمين في العالم من الذين ينشرون الموت والرعب باسم الإسلام سوى ربما من يُستضافون لتحليل ما يحصل، بزعم احتكار فهم العقلية التي تحرك الإرهاب.
بعد الذي حصل في باريس، ستحتل قضايا الهجرة واللجوء مكانة أساسية ضمن الأجندة السياسية للاتحاد الأوروبي. وستتعرض ألمانيا والسويد لضغط كبير. وستعمد الدول الأوروبية إلى غلق حدودها، وإلى إعادة النظر في العمل باتفاقية شنغن، وسيكون الخاسر الأكبر في هذا كله المهاجرين والمسلمين.
تعد حالة الطوارئ التي أعلنها هولاند تطوراً خطيراً في سياسة باريس، ففرنسا لم تعلن هذه الحالة منذ 1955 في مواجهة الثورة الجزائرية. خرج الرئيس الفرنسي على أهله مهتز المشاعر، فزِعا مما حدث، غير مصدّق. وفي الصورة من خلفه استقرت عينا رئيس وزرائه في رأسه، فهول ما حدث جعله شارد الذهن، وفي خلده ألف سؤال يطرح. لا فرق، إذن، بين باريس وبيروت وحلب وبغداد وصنعاء.
في التسعينيات من القرن الفائت، كان التشدق الفرنسي يملأ الإعلام صخباً، وكانت تفجيرات مدن الجزائر أو المدية أو جيجل، في مفهوم باريس حينئذ، "عجز سلطة". بماذا يجيب رئيس الوزراء، مانويل فالس، مواطنيه اليوم إذن، وهو الذي أنذرهم بشهب إرهاب قادمة، في تصريح له سبق أحداث الجمعة الباريسية بأيام؟ وكان قد سبقه إليها القاضي الفرنسي، تريفيديك، حين تنبّأ مسبقاً في حوار لمجلة باري ماتش، بقوله: "فرنسا هي العدوّ رقم 1 لتنظيم الدولة، والحرب الحقيقية لم تبدأ بعد وانتظروا الأسوأ"..، أهو عجز استخباراتي فرنسي، إذن، أم قلة حيلة أمام غول إرهابي، عابر للقارات وغير عابئ بقواعد الحرب والاشتباك.
زاد عدد ضحايا هجومات باريس عن 120، صحيح أن المهاجمين، كما يقول شهود عيان، استعملوا أسلحة أوتوماتيكية، وأفرغوا ذخائر كثيرة، لكن سؤالاً آخر يطرح نفسه بإلحاح: ألم تساهم هجمة القوات الفرنسية غير الموفقة لتحرير الرهائن في رفع عدد القتلى؟ ثم ماذا لو أن أحد المهاجمين فجر نفسه في ملعب كرة القدم. كتب صديقي الصحافي المغربي، محمد واموسي، أنه كان، وابنه الذي يبلغ عمره التسع سنوات، يشاهدان مباراة فرنسا وألمانيا، حين حدث الانفجاران الأول والثاني. عاشا لحظات صعبة، وكان بينه وبين الموت خطوات، يتذكر لحظات الجحيم التي عاشها وابنه، وهو يتمنى لو لم يرافقه لمشاهدة مباراة، كادت تتحول إلى بركة من الدماء، لو تمكن الانتحاريان من الذوبان وسط الجمهور.
حدث هذا كله أياماً قليلة، بعد إعلان فرنسا رفع حالة التأهب في وسط قواتها الأمنية والعسكرية إلى أقصاها، وإعادة العمل بمراقبة الأفراد على حدودها البرية، تحضيراً للقمة العالمية للمناخ، والتي ستعقد في باريس نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. عاشت فرنسا جحيم الرعب والخوف، حدث هذا وفرنسا واقفة، أو هكذا هيئ لأولي الأمر فيها، فما الذي كان سيحدث، لو أن حالة التأهب لدى المصالح المعنية بحفظ الأمن كانت فاترة؟ ربما حدث شيء من ذلك في وسط قوات الأمن، ولعله ما دفع وزير الداخلية الفرنسي إلى إعلان قرار بلاده ضبط حدودها، بمساعدة استخبارات أجنبية.
أمر آخر جدير بالمتابعة، يذهب إليه مطلعون على شؤون اللاجئين في أوروبا، مفاده بأن مخاوف كبيرة اجتاحت ألمانيا وأوروبا من حدوث عمليات إرهابية دامية، وإلصاق هذه التهمة باللاجئين السوريين، خصوصاً وأن جهات كثيرة دست بين اللاجئين عملاء لها، وأن نسبة حاملي جوازات السفر السورية المزورة بين اللاجئين الذين يدّعون أنهم سوريون أكثر من 75% ، وهي نسبة تحتاج إلى تأكيد من جهات مختصة ومطلعة ومحايدة، على الرغم من قول السلطة الفرنسية إن جواز السفر السوري الذي وجد بجانب جثة أحد المهاجمين ملك أحد المهاجرين المسجلين في اليونان، في خضم موجة اللجوء الأخير. وفي حال ثبوت ذلك، يصبح حديث المؤامرة غير مستبعد. وكما قال أحدهم: دائماً في السياسة كل حدث كبير مقبل، يحتاج لحدث صادم يسبقه، ليكون مبرراً له، ويبدو أننا مقبلون على مرحلة جديدة، تكون منطقتنا ملعباً لها.
أجمعت تصريحات المحللين على اتهام جهات "إسلامية جهادية"، ومبررها أن لفرنسا يد طويلة في ضرب معاقل "داعش" في سورية والعراق. أما تصريحات هولاند فذهبت مباشرة إلى اتهام تنظيم الدولة الإسلامية بارتكاب ما أسماه "عملاً حربياً". ما يسترعي الانتباه استعماله مصطلح "عمل حربي"، وليس "عملاً إرهابياً"، ولعل هولاند يريد أن يقول إنه عمل يستوجب رد فعل "حربي"، ربما شبيه بما تقوم به روسيا في سورية، فهل ستكرر فرنسا ما فعلته في شمال مالي، حين أنزلت قواتها لمحاربة "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"؟. وهل سنشهد حضوراً للقوات الفرنسية على الأرض السورية، كما فعلت القوات الروسية في حملتها لنصرة بشار الأسد ونظامه؟ يبدو الوضع معقداً كثيراً في سورية عنه في الأراضي المالية، وتبدو تصريحات هولاند مجرد مقدمات مسار دولي طويل، تقدم عليه فرنسا، بعد الذي حدث في عاصمتها، كان أفصح عنه وزير الخارجية لوران فابيوس، في اجتماعات فيينا بشأن الأزمة السورية، بقوله: نظراً للظروف التي نعيشها، تحتم علينا، أكثر من أي وقت مضى، تنسيق الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب. .. وهي الدعوة التي لقيت صداها في موسكو، حيث أعلنت وزارة الداخلية الروسية حالة التأهب القصوى في صفوف قوات الأمن الروسية في عموم البلاد، حيث جاء القرار على خلفية الهجمات التي تعرضت لها باريس وتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية السابقة لروسيا.
ما هو مقلق في كل الذي حدث، ناهيك عن الأسف على الأبرياء الذين ذهبوا ضحية صراعات بعيدة عنهم، أن محللين في شاشات تلفزيونية، فرنسية خصوصاً كانت لديهم مبرراتهم الجاهزة، بدأت في صب السهام والتهم وكل أنواع العنصرية على المسلمين والمهاجرين، فليس أخطر على المسلمين في العالم من الذين ينشرون الموت والرعب باسم الإسلام سوى ربما من يُستضافون لتحليل ما يحصل، بزعم احتكار فهم العقلية التي تحرك الإرهاب.
بعد الذي حصل في باريس، ستحتل قضايا الهجرة واللجوء مكانة أساسية ضمن الأجندة السياسية للاتحاد الأوروبي. وستتعرض ألمانيا والسويد لضغط كبير. وستعمد الدول الأوروبية إلى غلق حدودها، وإلى إعادة النظر في العمل باتفاقية شنغن، وسيكون الخاسر الأكبر في هذا كله المهاجرين والمسلمين.