ما إن هدأت الرياح وتراجعت حدّة تأثيرات الإعصار المداري "لُبان"، عن محافظة المهرة اليمنية، حتى حضرت السعودية وحدها إلى الواجهة، بعدما أهدتها الكارثة التي حلّت بسكان البوابة الشرقية لليمن، مبرّرات جديدة لتوسيع نفوذها في المحافظة "المنكوبة"، ولكن هذه المرة من بوابة الإنقاذ، الذي غاب خلال الساعات العصبية، قبل أن يأتي على ظهر المروحيات السعودية، التي لطالما رفض سكان محليون وجودها في "المهرة"، إذ يرون أن للأخيرة أطماعاً خاصة، تبحث وسطها عن مبررات.
وخلال الـ72 ساعة الأخيرة، أفاد سكان لـ"العربي الجديد"، بتراجع تأثيرات العاصفة التي ضربت المهرة لما يقرب من يومين، وخلّفت أضراراً فادحة في البنية التحتية الخدمية وفي مساكن المواطنين وممتلكاتهم، فيما حاصرت السيول أعداداً من الأسر، وخصوصاً من أولئك الذين بدت مساكنهم أضعف من أن تصمد أمام هطول الأمطار الغزيرة، وهو ما أدى إلى انهيار بعضها ووصول المياه إلى أجزاء كبيرة من مساكن أخرى، من تلك المبنية بالأحجار والطين، والتي لم تصمد أمام كثافة الأمطار سوى ساعات. هذا فضلاً عن قطع العديد من الطرقات وتهدم العديد من الجسور. كذلك، انقطعت خدمات الكهرباء والإنترنت عن المهرة منذ صباح الاثنين، وتعطّلت سُبل التواصل مع من هم خارجها أو التنقل في داخلها.
وفي السياق، قال صادق محمد، والذي يسكن مع عائلته في مركز محافظة المهرة ويعمل في أحد المحال التجارية، إنه عاش مع أسرته "بين الحياة والموت"، إذ وصلت الأمطار الغزيرة التي تساقطت إلى معظم أجزاء منزله المكوّن من طابقٍ واحد، قبل أن تتدفّق السيول إلى فناء المنزل ومن ثمّ إلى داخله. وحال صادق هو حال العشرات من الأسر التي حاصرتها المياه ومكثت في العراء، بين الرياح والأمطار.
وجاءت الأضرار الكبيرة في المهرة رغم الاستعدادات والتحذيرات التي أطلقتها السلطات المحلية منذ ما يقرب من أسبوع، إذ كانت مختلف الخرائط الجوية المأخوذة عبر الأقمار الصناعية تشير إلى توجّه العاصفة/ الإعصار "لُبان" من بحر العرب نحو سواحل سلطنة عُمان والأجزاء الشرقية من اليمن. ومع اقترابها من الساحل، كانت المهرة في قلب العاصفة، في ظلّ الإمكانيات المحدودة، بالنسبة للسلطات المحلية وما يرتبط بها من مرافق أمنية وطبية. كما ألقى الوضع الذي تعيشه البلاد بظلاله على المحافظة، من خلال عدم وجود حكومة مركزية فاعلة قادرة على إرسال قواتها الجوية ومختلف مقدراتها للإغاثة، كما يحصل في أي بلد. علماً أنّ الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وفي القرار الذي أصدره أخيراً لإقالة رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، سرد فشل الحكومة في التعامل مع الإعصار "لُبان" بالمهرة، كأحد دوافع إعفائه من المنصب.
من زاوية أخرى، وعلى الرغم من القواعد العسكرية والطائرات المروحية السعودية، المنتشرة في مواقع عسكرية مستحدثة، بقيت عشرات الأسر في المهرة محاصرة لما يقرب من يومين، قبل أن يعلن الجانب السعودي التدخّل وتدشين ما قال إنّه جسر جوي وبري لمساعدة المتضررين، بالإضافة إلى التعهّد بدعم عملية فتح الطرقات وإصلاح شبكات الكهرباء، وفقاً لما أعلنه السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، والذي يترأّس أيضاً برنامج إعادة الإعمار التابع لوزارة الخارجية في البلاد.
وكما كان متوقعاً، فقد تحوّلت "الكارثة" في المهرة إلى ما يشبه "فرصة"، بالنسبة للجانب السعودي، المتعطّش لمبررات وجوده هناك. وهو ما تعزّز في الأيام الثلاثة الماضية، عبر حرص الرياض على الحضور من خلال المروحيات العسكرية التي قامت بعمليات إجلاء وصولاً إلى قوافل إغاثية مقدمة من "مركز الملك سلمان للإغاثة". وهو الدور الذي يخشاه العديد من السكان المحليين الذين لطالما عارضوا الوجود السعودي واعتبروه مشبوهاً، تسعى من خلاله الرياض لتحقيق أطماع خاصة بالمحافظة اليمنية الواقعة أقصى الشرق، والتي كانت بعيدة إلى حد ما عن مختلف جولات الصراع في البلاد، خلال السنوات الأخيرة.
ولا يختلف التوظيف السعودي للكارثة الناتجة عن العاصفة أو الإعصار "لُبان"، عن محنٍ سابقة مرّ بها اليمن وجرى توظيفها لخدمة أطراف في التحالف. إذ إنّ الوجود الإماراتي في جزيرة سقطرى الاستراتيجية ارتبط في السنوات الأخيرة على الأقل، بعناوين ولافتات الإغاثة، التي جاءت عقب حصول أكثر من إعصار، منذ أواخر العام 2015، ثمّ تحوّل لاحقاً، إلى أزمة ناتجة عن سعي أبوظبي للهيمنة على الجزيرة اليمنية الأكبر في المنطقة العربية.
من جانبها، بدأت الرياض التي تسعى، حسب اتهامات سكّان محليين وتسريبات متواترة، لمدّ أنبوب نفطي يقوم بالتصدير عبر شواطئ محافظة المهرة المطلة على بحر العرب، منذ شهور طويلة، بإرسال قوات عسكرية إلى المهرة، والسيطرة على مطارها، بالإضافة إلى التدخّل في مختلف منافذها. وهو الأمر الذي لاقى رفضاً محلياً وصل إلى حدّ تنفيذ اعتصام مفتوح من قبل سكان محليين يرون في الوجود السعودي خطراً يهدّد أمن المحافظة واستقرارها، فضلاً عن كونه يصادر هدوءها الذي ظلّت تتمتع به منذ سنوات.