16 سبتمبر 2021
المواطنة في دول الخليج العربي
لعل أكثر ثلاث مفردات ذيوعاً في الخطاب الشعبي والإعلامي العربي، بعد ما يعرف بـ "الربيع العربي"، هي: الديمقراطية، حقوق الإنسان، المواطنة. والدول الخليجية لا تعيش بمعزل عن الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى، سواء في منطقتنا العربية أم الغربية. ولعل تداعيات الربيع العربي تعطي مؤشراً على التحول، إن لم يكن الانحسار التدريجي، في علاقة الدولة بمواطنيها، من علاقة الرعاية والتبعية إلى علاقة المواطنة والمشاركة في صنع السياسة والقرار الوطني.
والملاحظ أن الخطاب الشعبي والإعلامي العربي المطالب بتعزيز "حكومة أو دولة المواطنة" اتخذ أنماطاً مختلفة، تدرّجت من السخط العام إلى الصراع والثورة، كما هو الحال، أخيراً، في دول الربيع العربي، من أجل المطالبة بحقوق المواطنة المُفترض أن تكفلها الدولة، إلا أن المواطنة في دول الخليج اتخذت أطراً دستورية، نشأت من أعلى، واستندت إلى مرجعية حقوق المواطنين وواجباتهم، في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. عموماً، يرتبط مفهوم المواطنة وممارساتها ارتباطاً كبيرا بالدولة، وتطورها وانفتاحها وتطور مؤسساتها. وعليه، قد لا يستقيم الحديث عن المواطنة مع الدولة القائمة على الأسس القبلية أو الطائفية. وما زال هناك اعتقاد سائد أن تشكل المواطنة لم يتمحور جدياً بعد في منطقتنا العربية، بسبب الأيديولوجيات القائمة على الأسس القبلية، أو الطائفية، أو المذهبية، أو الإثنية، مستدلين بذلك على انتكاسات الدول العربية، فمثلاً، أدى سقوط النظام القومي البعثي في العراق إلى تنازع الشيعة والسنّة، مشكلا بذلك حرباً طائفية، ما زالت مستمرة، وكذلك الحال في دول أخرى. الأمر الذي انعكس سلباً في تمييز حقوق "جماعة" على أخرى، في المنافع الممنوحة من الدولة، وتوزيع ثرواتها ومراكز صنع القرار.
حدثت استجابة الدول الخليجية لمطالب "المواطنة" من خلال إنشاء مؤسسات مدنية وأهلية، وتبني مبادراتٍ، تهدف إلى تعزيز المواطنة والمشاركة في صنع القرار الوطني، كما برز من خلال إنشاء مجالس الشورى، المجالس البلدية، البرلمان ولجان حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى والجمعيات الأهلية، إلا أن تبني هذا المدخل في إنشاء دولة المؤسسات في المجتمعات الخليجية ما زال مقيداً، إنْ لم يكن محكوماً بالإطار الثقافي العام (والموروث عبر الأجيال) لهذه المجتمعات، ذات الخصوصية المشتركة في علاقة المواطن بالقبيلة، أو علاقة المواطن بالدولة الريعية. وما زال الجدل، شعبياً وإعلامياً، يدور بشأن قدرة دولة المؤسسات في دول الخليج على إحداث مشاركة حقيقية للمواطنين في صنع القرار، وكذلك بشأن مدى استيعاب المواطن الخليجي لمفاهيم المواطنة والديمقراطية وقيمها وممارساتها، وكونها نموذجاً سياسياً أم قيمة ثقافية، غاية ووسيلة أم نمط حياة، ضرورة أم ترفاً، حاجة وطنية داخلية أم استجابة لضغط خارجي؟
لا شك في أن مبدأ ومفهوم المواطنة ضرورة لا بد منها لقيام أي دولة بالمفهوم الحديث، واستقرارها وتطورها، فحقوق المواطن إنما هي نتيجة لكونه عضواً في الوطن، وليس نتيجة عضويته في القبيلة، علاوة على أن الهوية القبلية قد تحدد وتقيد مواقف أعضاء القبيلة في المجتمع، فمن غير الطبيعي أن يصوّت عضو برلمان ضد قبيلته إذا ما استشعر أنها مهددة، أو أن هناك خسائر محتملة لبني قبيلته الذين أوصلوه إلى كرسي البرلمان، إلا في حالة رغبته بعدم العودة إلى "كرسي البرلمان"! فمن خلال علاقة الوطن والمواطن، يمكن تصحيح التفاوتات الاقتصادية بين طبقات المجتمع، ويمكن تمكين المرأة والشباب والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم من الفئات من حقوقهم كاملة، الأمر الذي يتعذّر بلوغه عن طريق عضوية القبيلة.
ولأن المواطنة في دول الخليج نشأت تاريخياً من الأعلى، دستورياً، فلعلّ هذا ما يفسر تفاوت المواطنين الخليجيين في درجات حقوقهم وواجباتهم، وبالتالي درجة مشاركتهم في صنع السياسات والقرارات، وفي الشأن العام لمجتمعاتهم، من مجتمع إلى آخر، ومن نظامٍ إلى آخر، بل ومن حقبة تاريخية أو زمنية إلى أخرى، فلم يحدث أن نشأت المواطنة في دول الخليج من الأسفل إلى الأعلى، نتيجة ثورة شعبية، لتمكين المواطنين من صياغة الدساتير والسياسات الكفيلة بجعلهم مواطنين نشيطين مجتمعياً ومصدراً للتشريع. ولهذا، ما زال بعضهم، أكاديمياً وبحثياً وشعبياً وإعلامياً، ينظر إلى المواطنة على أنها مجرد حقوق مكتسبة ومتوارثة، في حين ينظر إليها بعضهم على أنها واجبات، وبعض آخر، وهو الأعم والأشمل، ينظر إليها على أنها منظومة متعددة المبادئ، تبدأ من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطنون، لممارسة وطنيتهم والواجبات التي يتعين على المواطنين الالتزام بها لتفعيل وطنيتهم، وتقوى عبر الانتماء الوطني، بكل أبعاده الثقافية واللغوية، وتتأكد من خلال الهوية الوطنية، بكل أبعادها المادية والمعنوية، وتتوثق بالمشاركة المدنية والسياسية، بكل أبعادها القانونية.
ولعل التحدي الرئيسي الذي يواجه دول الخليج العربية، فيما يتعلق بتعزيز المواطنة، والعمل على تفعيلها إيجابياً بين مواطنيها هو خلل تركيبتها السكانية، والناتج، أصلاً، عن عدة عوامل ديموغرافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، متداخلة ومتراكمة عبر العقود الماضية، فقد أدى نمط التنمية الاقتصادي التقليدي، في العقود المنصرمة، والموجه والمُشجع لسياسة الاستهلاك عوضاً عن الإنتاج، والذي انعكس جلياً في استقدام العمالة الوافدة غير الماهرة، حتى شكلت ما يفوق الـ 70% من العمالة، وبالذات في القطاع الخاص، علاوة على ضعف المخرجات التعليمية، وعدم رفدها بالمهارات اللازمة للاقتصادات الوطنية ولسوق العمل بشكل خاص. وأيضاً لصغر حجم سكان المواطنين (قطر والإمارات بنسب لا تتجاوز 13%)، وما ترتب على ذلك من الاعتماد المتزايد، والمتوقع استمراره، على العمالة الوافدة، حتى أصبح المواطنون أقلية في دولهم ومجتمعاتهم، وسط خليط من عرقيات وهويات وثقافات مختلفة، أغلبها آسيوية، الأمر الذي فرض ضغوطاً "مؤسسية عالمية" جديدة على الحكومات الخليجية، منها ما كان متعلقاً بحقوق الإنسان (الوافد) في العمل أو السكن أو المعيشة، ومنها ما ترتب على ذلك من إدخال الثقافات المختلفة إلى المجتمعات الخليجية، وإنشاء دور العبادة الخاصة بالديانات المختلفة، ومطالب محتملة بالحقوق السياسية والمواطنة كاملة، منها اكتساب الجنسية في المستقبل القريب.
في حين يتمثل التحدي الآخر في نجاح النظم التعليمية في تعزيز المواطنة لدى المواطنين بشكل عام؟ وهل الاكتفاء بالمقرّرات الدراسية في العلوم الاجتماعية والتربية الوطنية كافية لتكوين مواطن مسؤول وواع وقادر على المشاركة الإيجابية وصنع القرارات والسياسات؟ وهل بناء هذا المواطن الصالح المسؤول والواعي يمكن بترديد الأغاني والقصائد الوطنية في المناسبات الوطنية والرياضية؟ وهل من المتوقع "كفاءة وفعالية" هذه النظم التعليمية في تعزيز المواطنة لدى المواطنين في ظل التحديات والتغيرات السياسية والاجتماعية، كالتي شهدتها بعض الدول الخليجية أخيراً؟ قد يبدو استمرار النهج الدستوري الخليجي في تعزيز المواطنة من الأعلى إلى الأسفل الخيار الأوفر حظاً، وخصوصاً في ما يتعلق بتعزيز مبادئ المحاسبة والمساءلة والشفافية في تشكيل المواطن المسؤول، إلا أن تعزيز المواطنة من الأسفل إلى الأعلى قد يكون الأداة الممكنة لتفعيل منهج المواطنة من الأعلى إلى الأسفل!
خلاصة القول، من شأن المشاركة ثنائية الاتجاه في تفعيل المواطنة وتعزيزها أن تؤدي إلى تحصين المجتمع ضد التغيرات والمؤثرات الخارجية. وعليه، آن الأوان لاستيعاب الدول الخليجية أن المواطنة هي مشاركة إيجابية ذات اتجاهين من الأعلى والأسفل في صنع القرار والسياسات، الأمر الذي يتطلب إدماج كل فئات المجتمع وجماعاته في أطر وطنية واحدة، ومستندة على مبدأ الحقوق المتساوية للمواطنين، كما آن الأوان لاستيعاب المواطنين أن المواطنة لم تعد مكانة اجتماعية موروثة، تجعل المواطن صاحب حقوق فقط في مجتمعه، بحيث يكون منشغلاً في البحث عن مزيد من الحقوق والامتيازات و"الكرامات"، من دون مقابل أو واجب، بل هي مشاركة وتمكين ومساءلة.
Twitter: @halmuftah
والملاحظ أن الخطاب الشعبي والإعلامي العربي المطالب بتعزيز "حكومة أو دولة المواطنة" اتخذ أنماطاً مختلفة، تدرّجت من السخط العام إلى الصراع والثورة، كما هو الحال، أخيراً، في دول الربيع العربي، من أجل المطالبة بحقوق المواطنة المُفترض أن تكفلها الدولة، إلا أن المواطنة في دول الخليج اتخذت أطراً دستورية، نشأت من أعلى، واستندت إلى مرجعية حقوق المواطنين وواجباتهم، في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. عموماً، يرتبط مفهوم المواطنة وممارساتها ارتباطاً كبيرا بالدولة، وتطورها وانفتاحها وتطور مؤسساتها. وعليه، قد لا يستقيم الحديث عن المواطنة مع الدولة القائمة على الأسس القبلية أو الطائفية. وما زال هناك اعتقاد سائد أن تشكل المواطنة لم يتمحور جدياً بعد في منطقتنا العربية، بسبب الأيديولوجيات القائمة على الأسس القبلية، أو الطائفية، أو المذهبية، أو الإثنية، مستدلين بذلك على انتكاسات الدول العربية، فمثلاً، أدى سقوط النظام القومي البعثي في العراق إلى تنازع الشيعة والسنّة، مشكلا بذلك حرباً طائفية، ما زالت مستمرة، وكذلك الحال في دول أخرى. الأمر الذي انعكس سلباً في تمييز حقوق "جماعة" على أخرى، في المنافع الممنوحة من الدولة، وتوزيع ثرواتها ومراكز صنع القرار.
حدثت استجابة الدول الخليجية لمطالب "المواطنة" من خلال إنشاء مؤسسات مدنية وأهلية، وتبني مبادراتٍ، تهدف إلى تعزيز المواطنة والمشاركة في صنع القرار الوطني، كما برز من خلال إنشاء مجالس الشورى، المجالس البلدية، البرلمان ولجان حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى والجمعيات الأهلية، إلا أن تبني هذا المدخل في إنشاء دولة المؤسسات في المجتمعات الخليجية ما زال مقيداً، إنْ لم يكن محكوماً بالإطار الثقافي العام (والموروث عبر الأجيال) لهذه المجتمعات، ذات الخصوصية المشتركة في علاقة المواطن بالقبيلة، أو علاقة المواطن بالدولة الريعية. وما زال الجدل، شعبياً وإعلامياً، يدور بشأن قدرة دولة المؤسسات في دول الخليج على إحداث مشاركة حقيقية للمواطنين في صنع القرار، وكذلك بشأن مدى استيعاب المواطن الخليجي لمفاهيم المواطنة والديمقراطية وقيمها وممارساتها، وكونها نموذجاً سياسياً أم قيمة ثقافية، غاية ووسيلة أم نمط حياة، ضرورة أم ترفاً، حاجة وطنية داخلية أم استجابة لضغط خارجي؟
لا شك في أن مبدأ ومفهوم المواطنة ضرورة لا بد منها لقيام أي دولة بالمفهوم الحديث، واستقرارها وتطورها، فحقوق المواطن إنما هي نتيجة لكونه عضواً في الوطن، وليس نتيجة عضويته في القبيلة، علاوة على أن الهوية القبلية قد تحدد وتقيد مواقف أعضاء القبيلة في المجتمع، فمن غير الطبيعي أن يصوّت عضو برلمان ضد قبيلته إذا ما استشعر أنها مهددة، أو أن هناك خسائر محتملة لبني قبيلته الذين أوصلوه إلى كرسي البرلمان، إلا في حالة رغبته بعدم العودة إلى "كرسي البرلمان"! فمن خلال علاقة الوطن والمواطن، يمكن تصحيح التفاوتات الاقتصادية بين طبقات المجتمع، ويمكن تمكين المرأة والشباب والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم من الفئات من حقوقهم كاملة، الأمر الذي يتعذّر بلوغه عن طريق عضوية القبيلة.
ولأن المواطنة في دول الخليج نشأت تاريخياً من الأعلى، دستورياً، فلعلّ هذا ما يفسر تفاوت المواطنين الخليجيين في درجات حقوقهم وواجباتهم، وبالتالي درجة مشاركتهم في صنع السياسات والقرارات، وفي الشأن العام لمجتمعاتهم، من مجتمع إلى آخر، ومن نظامٍ إلى آخر، بل ومن حقبة تاريخية أو زمنية إلى أخرى، فلم يحدث أن نشأت المواطنة في دول الخليج من الأسفل إلى الأعلى، نتيجة ثورة شعبية، لتمكين المواطنين من صياغة الدساتير والسياسات الكفيلة بجعلهم مواطنين نشيطين مجتمعياً ومصدراً للتشريع. ولهذا، ما زال بعضهم، أكاديمياً وبحثياً وشعبياً وإعلامياً، ينظر إلى المواطنة على أنها مجرد حقوق مكتسبة ومتوارثة، في حين ينظر إليها بعضهم على أنها واجبات، وبعض آخر، وهو الأعم والأشمل، ينظر إليها على أنها منظومة متعددة المبادئ، تبدأ من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطنون، لممارسة وطنيتهم والواجبات التي يتعين على المواطنين الالتزام بها لتفعيل وطنيتهم، وتقوى عبر الانتماء الوطني، بكل أبعاده الثقافية واللغوية، وتتأكد من خلال الهوية الوطنية، بكل أبعادها المادية والمعنوية، وتتوثق بالمشاركة المدنية والسياسية، بكل أبعادها القانونية.
ولعل التحدي الرئيسي الذي يواجه دول الخليج العربية، فيما يتعلق بتعزيز المواطنة، والعمل على تفعيلها إيجابياً بين مواطنيها هو خلل تركيبتها السكانية، والناتج، أصلاً، عن عدة عوامل ديموغرافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، متداخلة ومتراكمة عبر العقود الماضية، فقد أدى نمط التنمية الاقتصادي التقليدي، في العقود المنصرمة، والموجه والمُشجع لسياسة الاستهلاك عوضاً عن الإنتاج، والذي انعكس جلياً في استقدام العمالة الوافدة غير الماهرة، حتى شكلت ما يفوق الـ 70% من العمالة، وبالذات في القطاع الخاص، علاوة على ضعف المخرجات التعليمية، وعدم رفدها بالمهارات اللازمة للاقتصادات الوطنية ولسوق العمل بشكل خاص. وأيضاً لصغر حجم سكان المواطنين (قطر والإمارات بنسب لا تتجاوز 13%)، وما ترتب على ذلك من الاعتماد المتزايد، والمتوقع استمراره، على العمالة الوافدة، حتى أصبح المواطنون أقلية في دولهم ومجتمعاتهم، وسط خليط من عرقيات وهويات وثقافات مختلفة، أغلبها آسيوية، الأمر الذي فرض ضغوطاً "مؤسسية عالمية" جديدة على الحكومات الخليجية، منها ما كان متعلقاً بحقوق الإنسان (الوافد) في العمل أو السكن أو المعيشة، ومنها ما ترتب على ذلك من إدخال الثقافات المختلفة إلى المجتمعات الخليجية، وإنشاء دور العبادة الخاصة بالديانات المختلفة، ومطالب محتملة بالحقوق السياسية والمواطنة كاملة، منها اكتساب الجنسية في المستقبل القريب.
في حين يتمثل التحدي الآخر في نجاح النظم التعليمية في تعزيز المواطنة لدى المواطنين بشكل عام؟ وهل الاكتفاء بالمقرّرات الدراسية في العلوم الاجتماعية والتربية الوطنية كافية لتكوين مواطن مسؤول وواع وقادر على المشاركة الإيجابية وصنع القرارات والسياسات؟ وهل بناء هذا المواطن الصالح المسؤول والواعي يمكن بترديد الأغاني والقصائد الوطنية في المناسبات الوطنية والرياضية؟ وهل من المتوقع "كفاءة وفعالية" هذه النظم التعليمية في تعزيز المواطنة لدى المواطنين في ظل التحديات والتغيرات السياسية والاجتماعية، كالتي شهدتها بعض الدول الخليجية أخيراً؟ قد يبدو استمرار النهج الدستوري الخليجي في تعزيز المواطنة من الأعلى إلى الأسفل الخيار الأوفر حظاً، وخصوصاً في ما يتعلق بتعزيز مبادئ المحاسبة والمساءلة والشفافية في تشكيل المواطن المسؤول، إلا أن تعزيز المواطنة من الأسفل إلى الأعلى قد يكون الأداة الممكنة لتفعيل منهج المواطنة من الأعلى إلى الأسفل!
خلاصة القول، من شأن المشاركة ثنائية الاتجاه في تفعيل المواطنة وتعزيزها أن تؤدي إلى تحصين المجتمع ضد التغيرات والمؤثرات الخارجية. وعليه، آن الأوان لاستيعاب الدول الخليجية أن المواطنة هي مشاركة إيجابية ذات اتجاهين من الأعلى والأسفل في صنع القرار والسياسات، الأمر الذي يتطلب إدماج كل فئات المجتمع وجماعاته في أطر وطنية واحدة، ومستندة على مبدأ الحقوق المتساوية للمواطنين، كما آن الأوان لاستيعاب المواطنين أن المواطنة لم تعد مكانة اجتماعية موروثة، تجعل المواطن صاحب حقوق فقط في مجتمعه، بحيث يكون منشغلاً في البحث عن مزيد من الحقوق والامتيازات و"الكرامات"، من دون مقابل أو واجب، بل هي مشاركة وتمكين ومساءلة.
Twitter: @halmuftah