30 ديسمبر 2021
الموقف كما رآه المخلوع!
"... أيها الأخوة المواطنون: لم أكن أنتوي التحدث إليكم منذ أن لاحظت الاستقبال العدائي الذي تلقيتم به كلمتي المسجلة الأخيرة التي حاولت أن أصارحكم فيها بحقيقة موقفي المالي، لكنني قررت أن أتحدث إليكم مجدداً، لأنه ليحزّ في نفسي أن أرى بني وطني يتناقلون أكاذيب تزعم أنني تأثرت بما شاهدته من صور للأخ العقيد معمر القذافي رحمه الله وهو يتعرض لأبشع أنواع الإنتهاك على أيدي المتآمرين من أبناء شعبه، وزعم المرجفون أنني خفت من أن ألقى نفس ذلك المصير وأصبت بحالة عصبية حادة، وأود أن أقول لهم أن حسني مبارك يعرف جيداً أن إخوته في المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن يسمحوا له أبداً إلا أن يلقى كل معاملة كريمة يستحقها، وإنني إذ أجدد لهم الشكر على رفضهم الاستجابة للضغوط الغوغائية التي طالبت بإدخالي إلى السجن، فإنني أعلن تفهمي لاستجابتهم للضغوط التي مارستها الملايين المخدوعة الراغبة في رؤيتي داخل قفص الإتهام، وبرغم ألمي وأنا أتعرض لذلك، فقد شعرت بالفخر وأنا أتلقى أنا وأبنائي خالص التحيات وصادق الاحترام من طواقم الحراسة المرافقة لي، والذين أشعروني أن كل ماقدمته لهم ولقادتهم من دعم ومساندة لم يذهب هباءاً.
بني وطني: أوجه إليكم هذه الكلمة وأنتم مقبلون على بداية المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي أقرأ كثيرا من يبالغ في وصفها بأنها ستكون أول انتخابات نزيهة في تاريخ مصر، ويتخذ منها فرصة لتوجيه القدح والذم لكل الانتخابات التي جرت في عهدي، ولهؤلاء أقول إنكم ستعرفون لماذا كان حسني مبارك يتحكم في نتائج الانتخابات، عندما ترون نتيجتها المفجعة التي ستنتهي بانتصار التيار الديني المتطرف الذي قضيت حياتي كلها وأنا أدفع خطره عن مصر، إن هذه الانتخابات ستجعلكم تعرفون جيدا قيمة مبارك عندما يتولى أمركم من يقمعكم بإسم الدين ويصادر حرياتكم الفردية وينقلب على كل تعهداته بالحوار والعقلانية من أجل أن يطبق عليكم مايتصور أنه إرادة الله، عندها فقط ستعرفون كيف كنت أحكم البلاد بالطريقة التي استخدمتها خلال الثلاثين عاماً، وستترحمون على أيامي، وأسأل الله العلي القدير أن يمد في عمري حتى أرى هذه اللحظات.
أيها الإخوة المواطنون، لقد استمعت طيلة الأشهر الماضية إلى كم من الأكاذيب لم يتورع في إطلاقها الجميع، لكنني لم أتوقف عند ما قاله الذين كانوا يعارضونني في عهدي، فأنا أعلم دوافعهم ومن يدفع لهم جيدا، بل توقفت بمنتهى القرف والاشمئزاز عند أكاذيب أطلقها الذين كانوا يتزلفون لي وينافقونني ويتوسلون رضاي عنهم، بل ويكتبون لي التقارير في زملائهم ويكونون الثروات بطرق غير مشروعة في عهدي، لقد أدركت كم كنت مخطئاً عندما تركت لبعضهم الحبل على الغارب لكي يخدع الناس برسم صورة المعارض الشريف الحر، كنت أتصور ذلك أمراً لازما لدوام الهامش الديمقراطي وللتخفيف من حدة الصراع السياسي، واستمعت في ذلك إلى مستشارين أجانب ثبت أنهم لم يدركوا طبيعة الحياة لدينا، ليتني كنت استمعت إلى الأمثال الشعبية التي تتحدث عن كيفية التعامل مع قليلي الأصل والذين يتصفون بالوضاعة والدناءة، ليتني فضحتهم أمام الناس على حقيقتهم لكي لا أشعر بالقهر الآن وأنا أراهم يتاجرون بسيرتي، وينسون أنه لو كان حكمي فاسداً كما يقولون فقد كانوا جزءا من فساده، وإذا كان واجبا أن أرحل فمن الواجب أن يرحلوا هم أيضاً ويتركوا الفرصة للأجيال الجديدة المخدوعة فيهم.
لقد فاض بي الكيل مما أراه من رغبة عارمة لدى جميع من على الساحة في تحميلي كل مايوجد في مصر من أخطاء يحاولون تصويرها على أنها خطايا، لقد نسي هؤلاء أنني إذا كنت قد حكمت مصر ثلاثين عاما فإنني لم أكن مسئولاً عن ذلك لوحدي، لقد كنت أنتوي الترشح لفترة رئاسية واحدة كما تعهدت وكنت أنوي ألا أجدد، لكنني بعد سنوات من الحكم وجدت أن كل من تصورت أنهم سيعارضونني لو واصلت الحكم، هم الذين يتزلفون لي ويزينون لي أن ابقى في الحكم، كنت أضحك وأنا أراهم يتقافزون بين يدي مقدمين فروض الولاء والطاعة، كنت أندهش وأنا أرى أسماء كبيرة كان من سبقوني إلى الحكم يتعاملون معها بخوف وخشية، وها أنا أراها تتذلل لي وتقول في حقي كلاما أعلم أنه ليس صحيحاً، لكنني كنت أعجب من قدرة أصحابها على إلباس كلامهم ثوب الحقيقة التي يقولونها لوجه الوطن.
إذا كنتم ترون أنني لم أكن كفئاً في حكم مصر، فتذكروا أنني لم أحكمها لوحدي، بل حكمتموها أنتم معي، وأنتم تتحملون مسئولية ذلك مثلي تماما، لقد حاولت منذ بداية حكمي أن أتعلم من أخطاء من سبقوني فلا أتورط في إصدار قرارات تصطدم بالجماهير وتغضبها، لكنني كنت أندهش عندما يحدث ذلك الإصطدام أحيانا فأرى أنه مر بسلام لم أكن أتوقعه، كنت أندهش عندما أكتشف أنني كنت أقدِّر الناس أكثر مما تستحق، وأن من يمتلك السلطة في هذه البلاد قادر على أن يفعل المعجزات، وأن لدى الكثير منكم استعداداً للتآلف مع أي رغبة يصدرها الحاكم، هكذا وجدت نفسي وأنا الذي كنت أشعر بمسئولية رهيبة ملقاة على عاتقي في سنواتي الأولى، أحكم مصر بمنتهى السلاسة والسهولة لمدة ثلاثين عاما لدرجة أن بعضكم كان يرغب في أن أحكمها فترة أطول بدلا من منح ابني جمال فرصة حكمها.
بني وطني، إذا كنتم حقا راغبين في محاسبتي عن كل ما حدث خلال هذه الأعوام، فلماذا لا تبدأون بمحاسبة أنفسكم أنتم أيضاً، لقد استمعت منكم طيلة الأشهر الماضية إلى سيل من الإتهامات تخصني وتخص أسرتي، ولم أعلق على ذلك ولن أعلق، فقط أريد أن أسألكم متى سأستمع منكم إلى حديث عن خطاياكم وجرائمكم. إنني أنظر إلى ما يدور بينكم هذه الأيام من صراعات وخلافات واشتباكات، فأشعر بالفخر، ليس لما يقوله البعض منكم عن علاقتي بكل كبيرة وصغيرة تحدث بينكم، بل لأنني كنت محقاً في أن أتعامل معكم بالطريقة التي حكمت بها، ها أنتم تثبتون أنكم لستم قادرون على إدارة أي حوار بينكم، فلماذا كنتم تغضبون عندما لم أكن أستمع إليكم، هل عرفتم الآن لماذا كنت أتعامل مع العمال والموظفين والفلاحين والطلبة والناشطين السياسيين بالشدة اللازمة، وأنتم تدركون أنكم غير قادرين على الاتفاق على أي شيئ، هل تعرفون إذن لماذا كنت وحدي الذي أقرر وأحكم وآمر وأنهى.
بني وطني: حتى لو كنت شيطاناً، فلستم شعبا من الملائكة، وإذا كنتم تتصورون أنني كنت خطيئة كاملة ستستقيم حياتكم لو تطهرتم منها، فمن سيطهركم من خطاياكم، ومن سيواجهكم بها، وإذا كنتم قد حاكمتموني فمن سيحاكمكم؟. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
(نشرت هذه السطور في صحيفة (التحرير) بتاريخ 24 أكتوبر 2011 تحت عنوان (الموقف كما يراه المخلوع)، محاولاً فيها أن أتخيل كيف ينظر حسني مبارك إلى أحوال مصر بعد بضعة أشهر من خلعه، وها أنا بعد حذف الأرشيف الإلكتروني للصحيفة للأسف الشديد، أضع هذه السطور بين يديك من جديد، إما لأنني لم أر ما هو أنسب منها للاحتفال بذكرى خلع حسني مبارك الذي حاول الكثيرون أن يتناسوا دورهم المخزي في بقائه رئيساً لمصر قرابة ثلاثين عاماً، أو لأنني لم أر ما هو أنسب منهاللتذكير بالد ور الذي لعبه الملايين من المصريين في صنع طاغية جديد اسمه عبد الفتاح السيسي، وهو دور لا خلاص للبلاد والعباد إلا إذا تم تذكّره والتذكير به وتأمله وفهمه، إذا أردنا أن نفيق حقاً وصدقاً من وهم القائد المخلَّص، ذلك الوهم الذي ظل عبر السنين يخرج شعوبنا من نُقرة ليوقعها في دُحديرة).
بني وطني: أوجه إليكم هذه الكلمة وأنتم مقبلون على بداية المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي أقرأ كثيرا من يبالغ في وصفها بأنها ستكون أول انتخابات نزيهة في تاريخ مصر، ويتخذ منها فرصة لتوجيه القدح والذم لكل الانتخابات التي جرت في عهدي، ولهؤلاء أقول إنكم ستعرفون لماذا كان حسني مبارك يتحكم في نتائج الانتخابات، عندما ترون نتيجتها المفجعة التي ستنتهي بانتصار التيار الديني المتطرف الذي قضيت حياتي كلها وأنا أدفع خطره عن مصر، إن هذه الانتخابات ستجعلكم تعرفون جيدا قيمة مبارك عندما يتولى أمركم من يقمعكم بإسم الدين ويصادر حرياتكم الفردية وينقلب على كل تعهداته بالحوار والعقلانية من أجل أن يطبق عليكم مايتصور أنه إرادة الله، عندها فقط ستعرفون كيف كنت أحكم البلاد بالطريقة التي استخدمتها خلال الثلاثين عاماً، وستترحمون على أيامي، وأسأل الله العلي القدير أن يمد في عمري حتى أرى هذه اللحظات.
أيها الإخوة المواطنون، لقد استمعت طيلة الأشهر الماضية إلى كم من الأكاذيب لم يتورع في إطلاقها الجميع، لكنني لم أتوقف عند ما قاله الذين كانوا يعارضونني في عهدي، فأنا أعلم دوافعهم ومن يدفع لهم جيدا، بل توقفت بمنتهى القرف والاشمئزاز عند أكاذيب أطلقها الذين كانوا يتزلفون لي وينافقونني ويتوسلون رضاي عنهم، بل ويكتبون لي التقارير في زملائهم ويكونون الثروات بطرق غير مشروعة في عهدي، لقد أدركت كم كنت مخطئاً عندما تركت لبعضهم الحبل على الغارب لكي يخدع الناس برسم صورة المعارض الشريف الحر، كنت أتصور ذلك أمراً لازما لدوام الهامش الديمقراطي وللتخفيف من حدة الصراع السياسي، واستمعت في ذلك إلى مستشارين أجانب ثبت أنهم لم يدركوا طبيعة الحياة لدينا، ليتني كنت استمعت إلى الأمثال الشعبية التي تتحدث عن كيفية التعامل مع قليلي الأصل والذين يتصفون بالوضاعة والدناءة، ليتني فضحتهم أمام الناس على حقيقتهم لكي لا أشعر بالقهر الآن وأنا أراهم يتاجرون بسيرتي، وينسون أنه لو كان حكمي فاسداً كما يقولون فقد كانوا جزءا من فساده، وإذا كان واجبا أن أرحل فمن الواجب أن يرحلوا هم أيضاً ويتركوا الفرصة للأجيال الجديدة المخدوعة فيهم.
لقد فاض بي الكيل مما أراه من رغبة عارمة لدى جميع من على الساحة في تحميلي كل مايوجد في مصر من أخطاء يحاولون تصويرها على أنها خطايا، لقد نسي هؤلاء أنني إذا كنت قد حكمت مصر ثلاثين عاما فإنني لم أكن مسئولاً عن ذلك لوحدي، لقد كنت أنتوي الترشح لفترة رئاسية واحدة كما تعهدت وكنت أنوي ألا أجدد، لكنني بعد سنوات من الحكم وجدت أن كل من تصورت أنهم سيعارضونني لو واصلت الحكم، هم الذين يتزلفون لي ويزينون لي أن ابقى في الحكم، كنت أضحك وأنا أراهم يتقافزون بين يدي مقدمين فروض الولاء والطاعة، كنت أندهش وأنا أرى أسماء كبيرة كان من سبقوني إلى الحكم يتعاملون معها بخوف وخشية، وها أنا أراها تتذلل لي وتقول في حقي كلاما أعلم أنه ليس صحيحاً، لكنني كنت أعجب من قدرة أصحابها على إلباس كلامهم ثوب الحقيقة التي يقولونها لوجه الوطن.
إذا كنتم ترون أنني لم أكن كفئاً في حكم مصر، فتذكروا أنني لم أحكمها لوحدي، بل حكمتموها أنتم معي، وأنتم تتحملون مسئولية ذلك مثلي تماما، لقد حاولت منذ بداية حكمي أن أتعلم من أخطاء من سبقوني فلا أتورط في إصدار قرارات تصطدم بالجماهير وتغضبها، لكنني كنت أندهش عندما يحدث ذلك الإصطدام أحيانا فأرى أنه مر بسلام لم أكن أتوقعه، كنت أندهش عندما أكتشف أنني كنت أقدِّر الناس أكثر مما تستحق، وأن من يمتلك السلطة في هذه البلاد قادر على أن يفعل المعجزات، وأن لدى الكثير منكم استعداداً للتآلف مع أي رغبة يصدرها الحاكم، هكذا وجدت نفسي وأنا الذي كنت أشعر بمسئولية رهيبة ملقاة على عاتقي في سنواتي الأولى، أحكم مصر بمنتهى السلاسة والسهولة لمدة ثلاثين عاما لدرجة أن بعضكم كان يرغب في أن أحكمها فترة أطول بدلا من منح ابني جمال فرصة حكمها.
بني وطني، إذا كنتم حقا راغبين في محاسبتي عن كل ما حدث خلال هذه الأعوام، فلماذا لا تبدأون بمحاسبة أنفسكم أنتم أيضاً، لقد استمعت منكم طيلة الأشهر الماضية إلى سيل من الإتهامات تخصني وتخص أسرتي، ولم أعلق على ذلك ولن أعلق، فقط أريد أن أسألكم متى سأستمع منكم إلى حديث عن خطاياكم وجرائمكم. إنني أنظر إلى ما يدور بينكم هذه الأيام من صراعات وخلافات واشتباكات، فأشعر بالفخر، ليس لما يقوله البعض منكم عن علاقتي بكل كبيرة وصغيرة تحدث بينكم، بل لأنني كنت محقاً في أن أتعامل معكم بالطريقة التي حكمت بها، ها أنتم تثبتون أنكم لستم قادرون على إدارة أي حوار بينكم، فلماذا كنتم تغضبون عندما لم أكن أستمع إليكم، هل عرفتم الآن لماذا كنت أتعامل مع العمال والموظفين والفلاحين والطلبة والناشطين السياسيين بالشدة اللازمة، وأنتم تدركون أنكم غير قادرين على الاتفاق على أي شيئ، هل تعرفون إذن لماذا كنت وحدي الذي أقرر وأحكم وآمر وأنهى.
بني وطني: حتى لو كنت شيطاناً، فلستم شعبا من الملائكة، وإذا كنتم تتصورون أنني كنت خطيئة كاملة ستستقيم حياتكم لو تطهرتم منها، فمن سيطهركم من خطاياكم، ومن سيواجهكم بها، وإذا كنتم قد حاكمتموني فمن سيحاكمكم؟. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
(نشرت هذه السطور في صحيفة (التحرير) بتاريخ 24 أكتوبر 2011 تحت عنوان (الموقف كما يراه المخلوع)، محاولاً فيها أن أتخيل كيف ينظر حسني مبارك إلى أحوال مصر بعد بضعة أشهر من خلعه، وها أنا بعد حذف الأرشيف الإلكتروني للصحيفة للأسف الشديد، أضع هذه السطور بين يديك من جديد، إما لأنني لم أر ما هو أنسب منها للاحتفال بذكرى خلع حسني مبارك الذي حاول الكثيرون أن يتناسوا دورهم المخزي في بقائه رئيساً لمصر قرابة ثلاثين عاماً، أو لأنني لم أر ما هو أنسب منهاللتذكير بالد ور الذي لعبه الملايين من المصريين في صنع طاغية جديد اسمه عبد الفتاح السيسي، وهو دور لا خلاص للبلاد والعباد إلا إذا تم تذكّره والتذكير به وتأمله وفهمه، إذا أردنا أن نفيق حقاً وصدقاً من وهم القائد المخلَّص، ذلك الوهم الذي ظل عبر السنين يخرج شعوبنا من نُقرة ليوقعها في دُحديرة).