عند الحدود السورية الأردنية، عشرات آلاف النازحين السوريين الذين هربوا من القصف، تاركين وراءهم بيوتهم وكل ما يملكون. وهؤلاء يعيشون اليوم تحت شمس حارقة في حين تغلق الأردن معابرها في وجوههم
بعد ثلاثة أيام من بدء النظام السوري حملته العسكرية على مناطق درعا وريفها، نزح زياد حوراني وعائلته إلى الحدود الأردنية و"استقر" على بعد أمتار قليلة من الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين. ويروي حوراني لـ"العربي الجديد"، كيف خرج من منطقة اللجاة، قائلاً: "كنت أتخيّل أنّ القصف سوف يكون كما المعتاد، أي يستمرّ لساعات ثمّ يهدأ في حين أنّ قنابل الطائرات لن تتسبب في دمار واسع النطاق. لكنّ الأمر اختلف كثيراً خلال تلك الهجمة، فالصواريخ التي استهدفت بلداتنا كانت تدمّر كل شيء، ولا تبقي حجراً على حجر". يضيف أنّه "ليلاً، قدت شاحنتي الصغيرة ترافقني زوجتي وابنتاي وأحفادي، في حين سبقني زوج ابنتي على درّاجة نارية. وقد اضطررنا في بعض الأحيان إلى سلوك طرقات ترابية شديدة الوعورة". ويتابع أنّه "وللأسف، أحضرنا فقط بعض الملابس للأطفال ولنا. واليوم، لم يعد في إمكاننا الوصول إلى منطقة اللجاة بعد سيطرة قوات النظام عليها، لإحضار بعض الحاجيات والمؤن من المنزل. لذا، نتدبّر أمورنا حالياً بملابس قدّمها إلينا أقاربنا، في حين وضعت واحدة من ابنتَيّ بعض الكرتون والورق المقوّى بالإضافة إلى الإسفنج على أرضية الشاحنة الحديدية كي ينام الأطفال عليها ليلاً".
يقول الناشط فارس زين العابدين لـ"العربي الجديد"، إنّ "عشرات آلاف النازحين المتوجهين إلى الحدود السورية الأردنية ما زالوا عالقين على الطرقات المؤدية إلى تلك النقطة، بسبب الأعداد الكبيرة التي تجمّعت فيها". ويشير إلى أنّ "الناس افترشوا الأرض على طول الشريط الحدودي ونصبوا الخيام في تلك المنطقة القريبة من بلدة نصيب والمعبر الحدودي والمنطقة الحرّة في اتجاه بلدة المتاعية وشرقها". يضيف أنّ "عدد النازحين تجاوز 160 ألفاً وهو مرشّح للازدياد مع استمرار توافد المهجّرين إلى المنطقة". ويتحدّث زين العابدين عن "معاناة النازحين مع المياه، فهي تُنقل عبر صهاريج خاصة إلى الأهالي بعد تعبئتها من الآبار المتوفّرة".
ويتابع زين العابدين أنّ "حدّادي تلك المناطق يفصّلون هياكل حديدية لخيام النازحين لقاء 65 ألف ليرة سورية (ما يعادل 120 دولاراً أميركياً). وتلك مجرّد هياكل من دون أغطية ولا شوادر. فالشادر بتطلب كلفة إضافية، ومن لديه القدرة يشتري، غير أنّ كثيرين من النازحين لا يملكون المال اللازم للحصول على الخيم. لذا، يلجأ بعضهم إلى صنعها من أخشاب أو ما يتوفّر من أغطية وشوادر، ومنهم من يبقى في العراء مفترشاً الأرض لعدم توفّر المال". يُذكر أنّ أهل درعا بمعظمهم فلاحون وزرعهم ما زال في الأرض ولم يحصدوه بعد.
وعن مطالب النازحين، يوضح زين العابدين أنّ "جلّ ما يريدون الحصول عليه هو منطقة آمنة تحميهم فقط لا أكثر، مع ترقّب تدخّل منظمات إنسانية ودولية لإغاثتهم على نطاق واسع". ويلفت إلى "مخاوف من قصف قد يطاول المنطقة، فالنازحون سبق أن اختبروا التجربة ذاتها، عندما قصفت قوات النظام قرية الشجرة وأوقعت أكثر من ستين قتيلاً، معظمهم من النساء والأطفال، بعد عمليات هدفت إلى السيطرة على تلّ الجموع".
وضع صحي صعب
وعن الوضع الصحي للنازحين، يتحدث مدير الأمن والحماية في إقليم الجنوب في منظمة "أوسوم" الطبية، إسلام المصري، وهو من درعا، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "ثمّة بطئاً في عملية الاستجابة من المنظمات الدولية، إذ إنّ تلك المنظمات تركّز اهتمامها على التوثيق وما إليه، مع إهمال الغاية من عملها، من قبيل إيصال المساعدة إلى من يحتاجها، لا سيّما النازحين. وهذا أمر يمثّل ضغطاً كبيراً على سير العمل، ومن المؤكّد أنّه يؤثّر سلباً علينا وعلى المجتمع المراد إغاثته". ويتابع أنّهم يرحّبون بأيّ جهة دولية تريد التدخّل. ويلفت إلى أنّ "ثمّة نقصاً في الأدوية والعقاقير المضادة لسموم الأفاعي والعقارب التي تنتشر بكثرة في مناطق النازحين. وتبرر الجهات الداعمة الأمر بأنّ التكاليف مرتفعة".
وفي ما يتعلق بحليب الأطفال، يقول المصري إنّه "منذ ما قبل التطورات الأخيرة في المنطقة، ثمّة حاجة كبيرة إليه ونعمل على تأمينه. وثمّة شحنة نتوقّعها الأسبوع المقبل بقيمة 500 ألف دولار، في حين أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تدخل حليب الأطفال". ويشير إلى أنّ "الأردن تسمح بدخول المرضى الذين يعانون من حالات مزمنة في الوقت الحالي".
المجالس المحلية عاجزة
في ظروف مماثلة، توضع عادة خطط طوارئ لتأمين الغذاء للنازحين، وهذه المرة على طول الشريط الحدودي مع الأردن. لكنّ عضو المجلس المحلي في مدينة درعا (التابع للمعارضة)، محمد نزار، يؤكد أنّه "حتى اليوم، لا مواد غذائية متوفرة، لا سيّما مع عدم تحرّك المنظمات في المنطقة". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأوضاع الإنسانية كارثية بكل معنى الكلمة، والنازحون مشرّدون من دون خيام ولا مأكل ولا مشرب"، موضحاً أنّ "النازحين يعيشون في الشوارع تحت الشمس وليس لديهم مأوى، خصوصاً بالقرب من هضبة الجولان المحتلة وعلى الحدود الأردنية، حيث الوضع مأساوي بكل معنى الكلمة". ويتابع أنّ "المجالس المحلية لا تملك سوى الطحين المقدّم من منظمة وتد"، مشيراً إلى أنّه "جرى اقتسام الرغيف بين الأهالي والمهجّرين. فإلى اليوم، لا توجد مخصصات طحين للمهجّرين، لأنّه لا يوجد إحصاء دقيق لهم. وقد جرى تخصيص كميات بسيطة للنازحين من الخبز، بحسب قدرة كل مجلس".
الدفاع المدني يعمل بكل طاقته
يفيد الناطق الإعلامي باسم الدفاع المدني في درعا عامر أبا زيد، "العربي الجديد"، بأنّ "عناصر فرق الإنقاذ هم في استنفار دائم منذ بداية الحملة التي تشنّها قوات النظام وروسيا على المحافظة. وهم يعملون بطاقتهم القصوى على نقل المصابين والجرحى من مناطق القصف إلى أقرب النقاط الطبية. كذلك، يعملون على نقل الجرحى من مستشفى إلى آخر وتأمين الرعاية الصحية المبدئية للنازحين، ممّا يتوفّر من إمكانيات شحيحة".
النساء يتحدينَ الواقع
في السياق، تقول أم خالد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأهالي أنشأوا بعض الأماكن الخاصة لحفظ خصوصية النساء مع أطفالهنّ، وكلّها بطريقة بدائية من دون تنظيم أو تنسيق واسع النطاق، إذ إنّ العوائل تتوافد باستمرار". تضيف: "ونحن نعتمد على تخزين المياه بعد شرائها في براميل أحضرناها معنا أو خزانات. ومَن لم يستطع إحضار شيء معه، إمّا يشتري براميل أو مستوعبات بلاستيكية لتخزين مياه الشرب والخدمة". وتشير أم خالد إلى أنّه "نحاول منع الأطفال من مغادرة الخيمة عند الظهيرة، خوفاً عليهم من ضربات الشمس أو لدغات الأفاعي والعقارب الموجودة بكثرة بين الصخور. ويقتصر خروجهم على ساعات الصباح أو فترات ما بعد العصر. لكنّهم في بعض الأحيان يفلتون منّا ويغيبون لساعات طويلة في الخارج. في النهاية، لا يمكن حبسهم في الخيمة حيث الحرارة شديدة".
وتتابع أم خالد التي نزحت مع أسرتها وجيرانها من ريف درعا الشرقي، في اتجاه الحدود السورية مع الأردن، أنّه "بالنسبة إلى طهو الطعام، فإنّ النساء يقمن بذلك على المواقد بعد جمع الحطب والأعشاب من المناطق القريبة، بالإضافة إلى أغصان الأشجار. ومن توفّرت لديها أسطوانة غاز، فإنّها تقتصد في استخدامها". وتلفت إلى أنّ الأطفال بمعظمهم يتناولون الخبز المغمّس في الشاي أو الزبادي، إن توفّر الأخير عند وجبة الفطور. وعند الغداء، يعمد الجميع إلى استهلاك ما توفّر من مؤن لديهم كالأرز والبرغل بالإضافة إلى الخضروات التي يشترونها من المزارعين في المناطق القريبة".
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد سكان محافظة درعا يتخطّى، بحسب مجلس المحافظة التابع لـ"الحكومة السورية المؤقتة"، المليون شخص، وقد فرّ منهم مئات الآلاف خلال الأسبوعَين الأخيرَين. وفي حين يقول ناشطون في درعا ومنظمات محلية إنّ عدد النازحين من بلداتهم وقراهم بلغ أكثر من 300 ألف، أكد المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، محمد هواري، مساء الجمعة الماضي، أنّ عدد النازحين من مناطق جنوبي سورية بلغ نحو 160 ألف مدني، في الوقت الذي صرّحت فيه الأردن على لسان أكبر مسؤوليها، أنّها لن تفتح حدودها لإدخال النازحين.