ليس من مكان في العاصمة العراقية لا يصادف المتجول فيه متسولين، هم ينتشرون في كل مكان، وفي كل الأوقات تقريباً، كما أن لا مكان في تلك المدينة يكاد يخلو من أثرياء، ما يشكل نقيضين في مكان واحد.
وتشير تقارير منظمات مدنية في العراق، إلى أن النزوح الداخلي، خاصة المحافظات الغربية والعمليات الإرهابية والعسكرية في البلاد رفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 35%، متهمة الحكومة بالعجز عن تقديم الدعم للشرائح الفقيرة.
والمعروف أن المتسولين يختارون المناطق التي يكثر فيها الأثرياء، أو يمارسون فيها عملهم، لكنهم في بغداد يقصدون التسول حتى في المناطق التي تعج بالفقراء.
تلك ليست أحجية، بل هو بحسب الباحث الاجتماعي عمار الكروي "ذكاء متقد لدى أصناف من تلك الشريحتين، عرف أفرادها كيفية كسب المال".
المتسولون في غالبيتهم كما يراهم الكروي "يمتهنون التسول ولا يتخذونه فقط لدرء الجوع لفترة من الوقت، وكثير منهم يجنون أموالاً طائلة، ومن هم أقل حظاً يجنون في أسبوع واحد ما يعادل راتب أستاذ جامعي في شهر".
لكن، والحديث للباحث الاجتماعي: "للمتسولين حيل وفنون وجرأة تمكنهم من كسب عطف البسطاء من الناس، الذين لا يملكون أحياناً توفير ثمن علاج أحد أبنائهم، لكنهم يعتصرون ألماً حين يرون متسولاً يستجدي عطفهم، فيغدقون عليه بما يستطيعون".
ويواصل الكروي في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "وجود هذه العينة الواسعة من المتسولين، أثرت بالسلب على آخرين يعانون فقراً مدقعاً، تضطرهم الظروف لأن يمدوا يدهم لطلب المال، من خلال التسول، لكنهم قد يعانون الردع والتذمر من الناس؛ بسبب تلك الشريحة التي اتخذت من التسول مهنة لها".
ووفقاً للكروي الذي أعد بحوثاً عن تلك الظاهرة وأسبابها ونشوئها وخطورتها وطريقة علاجها، فإن "انتشار الأثرياء المصاحب لانتشار المتسولين، إنما هو ذكاء باستغلال المكان لإقامة مشاريع وجني الأرباح، حتى في المناطق الفقيرة".
متسولون أصحاب خبرة بحسب ما يطلق عليهم من قبل العراقيين، يستغلون الكوارث لإمالة القلوب وكسب المزيد من المال، كتلك الحيلة التي ابتدعها متسول بأن ادعى أن ولده قتل في "مجزرة سبايكر" التي قُتل فيها أكثر من ألفي مقاتل على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد أسرهم بتكريت، في يونيو/حزيران 2014، وتمكن من نسج قصة تلين لها القلوب، بأن زوجته شلَّت بعد مقتل ابنهم الوحيد، الذي له طفلان لا يقدر الرجل على توفير غذاء لهما.
يقول فرقد هلال الذي روى لـ "العربي الجديد" حكاية المتسول، أن الأخير "جمع ما مقداره خمسة آلاف دولار في نحو ثلاث ساعات، حيث قصد بعض التجار".
النزوح برغم عذاباته وآلامه، لأصحابه الذين هربوا من الموت حين سيطر تنظيم "داعش" على مدنهم، ولجأ بعضهم إلى بغداد، كان فرصة كسب سهلة لمتسولي العاصمة.
ففي أول يوم من وصول نازحين من الموصل صيف 2014، راح متسولون، لهم باع طويل في التسول، بادعاء نزوحهم من الموصل، وهم بلا مأوى وأطفالهم جياع.
"أنا نازح من الموصل، مع دمعة وشهيق بكاء، كانت تكفي إن قالها رجل أو امراة، لإيقاع من يقصدونه المتسولين ضحية حيلتهم، حتى يغدق بما تجود به جيوبه، لا سيما إذا ما أرفقوها بجملة أطفالنا جياع" وفقاً لعادل الشاوي الذي قال لـ"العربي الجديد" أنه اكتشف بعد أن أعطى إحداهن مبلغ يعادل 800 دولار، ومرة أخرى لمتسول نحو 600 دولار، إنهما متسولان قديمان.
كذلك بحسب ما يرويه مواطنون استغل متسولون وما زالوا قصص النازحين لما لها من مآسٍ، خاصة قصص النازحين من الأنبار.
في حديثه لمراسل "العربي الجديد" يروي خالد أبو علي، وهو متسول معروف في شرق مدينة الصدر، على أطراف بغداد الشرقية، وهي منطقة معروفة بأنها أفقر مناطق بغداد "أنا لا أتعب وأذهب بعيداً لأجل التسول، الأثرياء هم من يأتون إلى هنا".
وأوضح: "إنهم يقيمون مشاريع وأعمالاً تجارية في مناطقنا، أعرفهم جيداً، بل أستطيع تمييز الأغنياء حتى وإن كانوا لا يظهرون على حقيقتهم خوفاً من السرقة أو الخطف".
أبو علي، ومتسولون آخرون برروا امتهانهم التسول بأن لا مهنة لديهم، وأن "الحكومة تتجاهل الفقراء" واتهامات أخرى لا تتخطى الحكومة بأنها سبب امتهانهم التسول.
بل إن متسولاً يدعى حسون السبع يفخر بمهنته قائلاً: "إننا شرفاء؛ فنحن لا نقتل مثل الإرهابيين، ولا نسرق مثل اللصوص، ولا نجبر أحداً أو نرغمه على إعطائنا مالاً، نحن نطلب من الآخرين، ولا نضرهم إن رفضوا".
اقرأ أيضا: موظفو العراق يدفعون ثمن سرقات المالكي
وتشير تقارير منظمات مدنية في العراق، إلى أن النزوح الداخلي، خاصة المحافظات الغربية والعمليات الإرهابية والعسكرية في البلاد رفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 35%، متهمة الحكومة بالعجز عن تقديم الدعم للشرائح الفقيرة.
والمعروف أن المتسولين يختارون المناطق التي يكثر فيها الأثرياء، أو يمارسون فيها عملهم، لكنهم في بغداد يقصدون التسول حتى في المناطق التي تعج بالفقراء.
تلك ليست أحجية، بل هو بحسب الباحث الاجتماعي عمار الكروي "ذكاء متقد لدى أصناف من تلك الشريحتين، عرف أفرادها كيفية كسب المال".
المتسولون في غالبيتهم كما يراهم الكروي "يمتهنون التسول ولا يتخذونه فقط لدرء الجوع لفترة من الوقت، وكثير منهم يجنون أموالاً طائلة، ومن هم أقل حظاً يجنون في أسبوع واحد ما يعادل راتب أستاذ جامعي في شهر".
لكن، والحديث للباحث الاجتماعي: "للمتسولين حيل وفنون وجرأة تمكنهم من كسب عطف البسطاء من الناس، الذين لا يملكون أحياناً توفير ثمن علاج أحد أبنائهم، لكنهم يعتصرون ألماً حين يرون متسولاً يستجدي عطفهم، فيغدقون عليه بما يستطيعون".
ويواصل الكروي في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "وجود هذه العينة الواسعة من المتسولين، أثرت بالسلب على آخرين يعانون فقراً مدقعاً، تضطرهم الظروف لأن يمدوا يدهم لطلب المال، من خلال التسول، لكنهم قد يعانون الردع والتذمر من الناس؛ بسبب تلك الشريحة التي اتخذت من التسول مهنة لها".
ووفقاً للكروي الذي أعد بحوثاً عن تلك الظاهرة وأسبابها ونشوئها وخطورتها وطريقة علاجها، فإن "انتشار الأثرياء المصاحب لانتشار المتسولين، إنما هو ذكاء باستغلال المكان لإقامة مشاريع وجني الأرباح، حتى في المناطق الفقيرة".
متسولون أصحاب خبرة بحسب ما يطلق عليهم من قبل العراقيين، يستغلون الكوارث لإمالة القلوب وكسب المزيد من المال، كتلك الحيلة التي ابتدعها متسول بأن ادعى أن ولده قتل في "مجزرة سبايكر" التي قُتل فيها أكثر من ألفي مقاتل على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد أسرهم بتكريت، في يونيو/حزيران 2014، وتمكن من نسج قصة تلين لها القلوب، بأن زوجته شلَّت بعد مقتل ابنهم الوحيد، الذي له طفلان لا يقدر الرجل على توفير غذاء لهما.
يقول فرقد هلال الذي روى لـ "العربي الجديد" حكاية المتسول، أن الأخير "جمع ما مقداره خمسة آلاف دولار في نحو ثلاث ساعات، حيث قصد بعض التجار".
النزوح برغم عذاباته وآلامه، لأصحابه الذين هربوا من الموت حين سيطر تنظيم "داعش" على مدنهم، ولجأ بعضهم إلى بغداد، كان فرصة كسب سهلة لمتسولي العاصمة.
ففي أول يوم من وصول نازحين من الموصل صيف 2014، راح متسولون، لهم باع طويل في التسول، بادعاء نزوحهم من الموصل، وهم بلا مأوى وأطفالهم جياع.
"أنا نازح من الموصل، مع دمعة وشهيق بكاء، كانت تكفي إن قالها رجل أو امراة، لإيقاع من يقصدونه المتسولين ضحية حيلتهم، حتى يغدق بما تجود به جيوبه، لا سيما إذا ما أرفقوها بجملة أطفالنا جياع" وفقاً لعادل الشاوي الذي قال لـ"العربي الجديد" أنه اكتشف بعد أن أعطى إحداهن مبلغ يعادل 800 دولار، ومرة أخرى لمتسول نحو 600 دولار، إنهما متسولان قديمان.
كذلك بحسب ما يرويه مواطنون استغل متسولون وما زالوا قصص النازحين لما لها من مآسٍ، خاصة قصص النازحين من الأنبار.
في حديثه لمراسل "العربي الجديد" يروي خالد أبو علي، وهو متسول معروف في شرق مدينة الصدر، على أطراف بغداد الشرقية، وهي منطقة معروفة بأنها أفقر مناطق بغداد "أنا لا أتعب وأذهب بعيداً لأجل التسول، الأثرياء هم من يأتون إلى هنا".
وأوضح: "إنهم يقيمون مشاريع وأعمالاً تجارية في مناطقنا، أعرفهم جيداً، بل أستطيع تمييز الأغنياء حتى وإن كانوا لا يظهرون على حقيقتهم خوفاً من السرقة أو الخطف".
أبو علي، ومتسولون آخرون برروا امتهانهم التسول بأن لا مهنة لديهم، وأن "الحكومة تتجاهل الفقراء" واتهامات أخرى لا تتخطى الحكومة بأنها سبب امتهانهم التسول.
بل إن متسولاً يدعى حسون السبع يفخر بمهنته قائلاً: "إننا شرفاء؛ فنحن لا نقتل مثل الإرهابيين، ولا نسرق مثل اللصوص، ولا نجبر أحداً أو نرغمه على إعطائنا مالاً، نحن نطلب من الآخرين، ولا نضرهم إن رفضوا".
اقرأ أيضا: موظفو العراق يدفعون ثمن سرقات المالكي