وخلص التقرير إلى أن الشرطة المصرية أخفت أربعة صحافيين شباب قسريًا قبل أن تعرضهم على نيابة أمن الدولة، وقد قامت الأخيرة بحبسهم احتياطيًا على ذمة التحقيقات، فضلًا عن تزايد وتيرة حبس الصحافيين في قضايا النشر خلال الفترة المصاحبة للانتخابات الرئاسية، إلى جانب أن النيابة العامة المصرية أمرت بحبس صحافيين نتيجة لمشاركتهم في إنتاج أفلام تسجيلية عن الوضع السياسي في مصر في قضيتين مختلفتين، وأن عدم القيد في النقابة لا يزال سيفًا مسلطاً على رقاب شباب الصحافيين، وتهمة جاهزة في تلفيق محاضر ضدهم، تم رصدها في حالتين على الأقل.
وذكر التقرير "إذا كان الحبس هو عقوبة ممارسة مهنة الصحافة بالنسبة للمصريين فإن الترحيل هو العقوبة التي وقعت على صحافيين أجانب، حالة بيل ترو صحافية (تايمز) الإنكليزية".
وتزامنت فترة الانتخابات الرئاسية في مصر، في شهر مارس/آذار الماضي، مع حملات موسعة ضد حرية الصحافة والمشتغلين في الحقل الصحافي.
الأفلام التسجيلية تُغضب الرئيس وتُخفي صانعيها قسريًا
أشار التقرير إلى أنه صبيحة 4 فبراير/شباط الماضي انقطع الاتصال بالصحافييْن المتدربين حسن البنا مبارك ومصطفى الأعصر. علم محاميهما فيما بعد أنه أُلقي القبض عليهما من قبل حملة أمنية تابعة لجهاز الأمن الوطني، حيث كانا يستقلان "ميكروباصًا" من محل سكنهما في حي فيصل في محافظة الجيزة إلى مقر عمل مبارك في حي الدقي.
يعمل الأعصر صحافيًا متدربًا في موقع "ألترا صوت"، بينما يعمل حسن البنا مبارك كمتدرب في قسم "الديسك" في صحيفة "الشروق". ظل الصحافيان قيد الإخفاء القسري لمدة 13 يومًا.
وعلمت مؤسسة "حرية الفكر والتعبير" أن إلقاء القبض على الصحافي حسن البنا مبارك كان مصادفةً لتواجده مع شريك سكنه الذي كان مُتتبعًا من قبل الشرطة، لمشاركته في تصوير فيلم مع عدد من الشخصيات العامة والسياسية في مصر، وتحديدًا أولئك الذين تغيَّرت مواقفهم من دعم الرئيس عبدالفتاح السيسي لمعارضته. هذا الفيلم كان يجري إعداده بهدف التسويق للعرض في إحدى القنوات التي تربطها علاقات متوترة بالسلطات المصرية.
في سياق متصل، وفي فجر يوم 18 فبراير/شباط الماضي، داهمت قوة شرطية منزل المصوِّر الصحافي أحمد طارق، في منطقة "ناهيا" في محافظة الجيزة. تحكي والدة أحمد: "قام عدد من الأفراد بالدخول إلى غرفة أحمد وإغلاق باب غرفته، والتحقيق معه لمدة تزيد عن نصف ساعة".
لم تسمع والدته شيئًا من الحديث الدائر بينهم طيلة هذه المدة. بعد انتهاء التحقيق معه، كما وصفوها "دردشة"، تم التحفُظ على كمبيوتره المحمول والهاتف الشخصي لأحمد طارق، وطلبت قوات الأمن أن يُبدِّل ملابسه ويتحرك معهم.
بدأت الملابسات الحقيقية للقبض على أحمد طارق في الظهور صباح الجمعة 2 مارس/آذار الماضي، حين نشرت صحيفة "المصري اليوم" خبرًا على موقعها الإلكتروني تحت عنوان "فيلم ومسرحية وديوان شعر... وراء غضب الرئيس"، قالت فيه إن نيابة أمن الدولة العليا تسلمت، السبت (1 مارس/آذار 2018)، تحريات الأمن الوطني، في تحقيقات النيابة مع صناع الفيلم التسجيلي "سالب 1095"، والتي اتهمت صناع الفيلم بـ"تعمد نشر أخبار كاذبة للتحريض ضد الدولة، من خلال بث صور وفيديوهات وتصريحات مجتزأة، وانتماء صنّاعه لحركات سياسية معارضة، وتلقّيهم تكليفات من جهات إعلامية معادية لإنتاج الفيلم، تمهيدًا لإذاعته عبر قنوات معادية للدولة تدعم جماعة الإخوان".
وأمرت النيابة بضبط وإحضار سلمى علاء الدين، مخرجة العمل، ومصور، وقررت حبس المونتير طارق زيادة 15 يوما، لإنتاج الفيلم، الذي ظهر فيه عدد من الشخصيات العامة يطلقون تصريحات وصفتها التحريات بأنها "هجومية ضد الدولة"، منهم عزة سليمان، وعبدالخالق فاروق، وشادي الغزالي حرب، وحمدي قشطة، ومزن حسن، إلهام عيداروس، ومعصوم مرزوق، وممدوح حمزة، وعمرو بدر، وأحمد ماهر، ومحمد أنور السادات.
معتز ودنان والحبس في قضايا النشر
أشارت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" في "بيان حقائق" نشرته أخيراً بشأن ملف الصحافيين المحبوسين، إلى أن أحد أنماط القبض على الصحافيين والتنكيل بهم مؤخرًا على خلفية تأدية عملهم هو الاستهداف المباشر والذي تتعدد صوره، ومن بينها استهداف الصحافيين العاملين في وسائل إعلام ترى الدولة أنها تسعى للإضرار بالأمن والاستقرار، وتعمل على نشر الأكاذيب والشائعات عن الدولة المصرية، إذ يقبع عدد من الصحافيين والإعلاميين خلف القضبان اليوم على ذمة قضية "مكملين 2" التي تضم عدداً كبيراً من هؤلاء الصحافيين.
"تُعد واقعة القبض على الصحافي معتز ودنان ذات دلالة مهمة على هذا النوع من الاستهداف للصحافيين، وكذلك عن المستوى الذي وصل له حال حرية الصحافة في مصر خلال الفترة الحالية. في مساء الجمعة الموافق 16 فبراير/شباط 2018 قامت قوة من الأجهزة الأمنية بالقبض على المعتز محمد شمس الدين وشهرته (معتز ودنان) وعدد من أقاربه، أثناء استقلالهم سيارة أحدهم، قبل أن تترك أقاربه وتقتاده إلى مكان غير معلوم، على الأغلب أحد مقار جهاز الأمن الوطني" وفق التقرير.
جاء ذلك عقب نشْر صحيفة "هافينغتون بوست" العربية حوارًا مُسجلًا مع المستشار هشام جنينة، صُوّر في منزله، بشأن القبض على الفريق رئيس أركان الجيش المصري السابق، سامي عنان، والمرشح المستبعد من انتخابات رئاسة الجمهورية 2018. تحدث فيه جنينة عن أمور اعتبرتها الدولة مخالفة للقانون، وبالتالي ألقت وزارة الداخلية القبض على المستشار هشام جنينة وسلمته للنيابة العامة للتحقيق معه.
ظهر ودنان في نيابة أمن الدولة العليا يوم السبت (21 فبراير/شباط) ووُّجِهت له اتهامات بالانضمام لجماعة محظورة ونشْر أخبار كاذبة. وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2018 أمن دولة عليا.
شهدت قضية ودنان نقلة أخرى على مستوى الانتهاكات بحق الصحافيين، إذ تُعد واقعة حبسه من الوقائع القليلة التي يَصدُر فيها قرار بالحبس في قضية نشر واضحة لا لبس فيها، بالمخالفة للدستور الذي منع بشكل نهائي الحبس الاحتياطي في قضايا النشر (مادة 71) إلا في حالات ثلاث بعينها (التحريض على العنف، التمييز بين المواطنين، الطعن في أعراض الأفراد) ليس من بينها ما قام به معتز.
بُعد آخر شهدته حالة الصحافي ودنان، أشار إليه التقرير، يتمثل في التهديد الذي لاقاه الأخير من قبل أسرة المستشار هشام جنينة، إذ تلقى اتصالات من الأسرة بعد القبض على المستشار كالتْ له الوعيد، بحسب بيان نشرته أسرة ودنان أكدت فيه أيضًا كَذِب اتهامات السيد حسام لطفي، محامي هشام جنينة لمعتز بتصوير الحوار خلسة ومنتجته واجتزائه، ما تسبب في القبض على معتز بعدها.
ورد ودنان على تلك الاتهامات في التحقيقات وقدم فيديو كاملًا للحوار مع المستشار جنينة لمدة 90 دقيقة أثبت فيه علم المستشار وأسرته بإجراء الحوار، وأنه صَوَّر الحوار بكاميرا المحترفين وليس بهاتفه كما ادّعى محامو جنينة في بيانهم.
وأفادت المؤسسة "هنا تتجلّى خطورة أن يكون الصحافيون كبش فداء من كل الأطراف باعتبارهم الطرف الأضعف في المعادلة، والتنكيل بهم في ظل غياب أي دور للمجالس والهيئات التي من دورها الدفاع عن هؤلاء الصحافيين، مثل نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام".
وأشار التقرير أيضاً إلى أن أسلوب القبض على حسن والأعصر وودنان يُشير إلى أنهم كانوا مُراقبين وأُلقي القبض عليهم أثناء استقلالهم وسائل نقل مختلفة، وهو ما يُثير الشكوك حول مستوى المراقبة الذي يتعرَّض له العاملون بالصحافة في مصر هذه الأيام، وطبيعة الجهات التي تقوم بذلك، ومدى توافق ذلك مع الدستور والقانون والمعايير الدولية لحرية الصحافة.
واعتبر التقرير أن طريقة القبض تلك "تُفسِّر بوضوح بيان النائب العام المصري، والذي نشرته وسائل إعلامية عدة يوم 28 فبراير/شباط 2018 وجاء فيه تحذير شديد اللهجة لما أسماهم البيان (قوى الشر) -وهو المصطلح الذي استخدمه رئيس الجمهورية أكثر من مرة في أكثر من خطاب للإشارة إلى القوى التي يرى أنها مُعادية للدولة وتسعى لإسقاطها- حيث يُحذِّر البيان من سعيهم للنيل من أمن واستقرار البلاد عبر بث ونشْر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي".
عدم القيد في النقابة... سيف مسلط على رقاب شباب الصحافيين
وفي نفس سياق بيان النيابة العامة، واقعة القبض على الصحافية المتدربة في موقع "رصيف 22" وموقع صحيفة "البيان" الإماراتية، مي الصباغ، التي ألقي القبض عليها يوم 28 فبراير/شباط الماضي وبصحبتها المصور أحمد مصطفى، أثناء قيامهما بتحقيق مصوَّر عن "ترام الإسكندرية"، حيث تم توقيفهما واقتيادهما لقسم العطارين في محافظة الإسكندرية.
باشرت نيابة العطارين، الخميس 1 مارس/آذار الماضي، التحقيق معهما وقررت تعويدهما اليوم التالي لحين ورود التحريات، وفي اليوم التالي قررت حبسهما 15 يومًا على ذمة التحقيقات بعد اتهامهما بالانضمام لجماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها وكان الإرهاب وسيلتها لتحقيق تلك الأغراض.
وفي جلستها بتاريخ 15 مارس/آذار الماضي قررت نيابة شرق الإسكندرية الكلية إخلاء سبيل مي الصباغ بكفالة ألفي جنيه، وأحمد مصطفى بكفالة ألف جنيه على ذمة التحقيقات.
ولفت التقرير إلى أن القوانين المصرية لا تزال مكتظة بمواد قانونية يمكن من خلالها حبس الصحافيين لم يتم تعديلها. ويُعد حبس مي جرس إنذار لكل أولئك الصحافيين من غير أعضاء النقابة الذين أصبحوا مُعرضين للحبس في أي لحظة. وتتجلى هذه الخطورة بعد صدور حكم بتغريم الصحافي حسام محفوظ، 300 جنيه، لاتهامه بمزاولة مهنة صحافي من دون ترخيص، في 7 مارس/آذار الماضي، وهو ما أكده محفوظ في شهادة له عبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك"، ذلك رغم أنه حصوله على خطاب من نقابة الصحافيين يؤكد أنه مُمارِس للمهنة، ومُتقدِم للقيد، وحاصل على الدورات التدريبية بنقابة الصحافيين، باعتبارها الجهة الإدارية الوحيدة التي من حقها توجيه الاتهام له في حال ثبت أنه منتحل صفة صحافي.
الدولة لا تتوقف عن ملاحقة الصحافيين
في نفس السياق، استمرت الهجمة الشرسة التي تقودها السلطات المصرية بأجهزتها المختلفة ضد حرية الصحافة والإعلام والعاملين في المجال الصحافي والإعلامي، إذ يوم الأربعاء 7 مارس/آذار الماضي، قضت محكمة جنايات الجيزة المنعقدة في محكمة "زينهم"، برئاسة المستشار جمال عبداللاه، بتأييد حكم سجن الصحافي أحمد الخطيب رئيس القسم السياسي في صحيفة "الوطن" سابقًا، 4 سنوات وتغريمه 20 ألف جنيه.
وفي اليوم نفسه، تلقى النائب العام بلاغًا من محمد حامد سالم المحامي، اتهم فيه محمد الباز رئيس مجلس إدارة صحيفة الدستور بالإساءة للذات الإلهية، عبر نشره في الجريدة موضوعا تحت عنوان كيف استرد محمد بن سلمان الله من أيدي المتطرفين".
كما أصدر موقع "كورابيا" الرياضي في 15 مارس/آذار 2018 بيانًا؛ قرروا فيه توقُّف العمل على موقع "كورابيا" لأجل غير مسمى أو لحين الوصول لصاحب الأمر ومعالجة الأمور بشكل جذري، يأتي ذلك على خلفية حجْب جهة "غير معلومة" للموقع للمرة الثانية من دون إبداء أي أسباب ومن دون معرفة صاحب القرار والجهة المنوط مخاطبتها لفهم الملابسات.
كذلك حجبت نفس الجهة "غير المعلومة"، مساء الاثنين 19 مارس/آذار 2018، موقع "في الفن" وهو موقع فني مملوك لشركة "سرمدي"، بعد نشره خبرًا عن اعتداء رجل الأعمال السعودي ورئيس "الهيئة العامة للرياضة"، تركي آل الشيخ، على الفنانة المصرية، آمال ماهر. قبل أن يُرفع الحجب عن الموقع في وقت لاحق.
وقرر نقيب الصحافيين ورئيس مجلس إدارة "الأهرام"، عبدالمحسن سلامة، في 16 مارس/آذار 2018، إحالة الخبر المنشور في بوابة "المصري اليوم" بعنوان "أميرات سعوديات وضعن القصر في ورطة" إلى مجلس النقابة تمهيدًا لإحالة الواقعة إلى لجان التحقيق والتأديب بالنقابة. وذلك بعد قرار "المجلس الأعلى للإعلام" إحالة الزميل طارق أمين مدير تحرير الموقع للتحقيق أمام نقابة الصحافيين وانتظار نتائج التحقيق.
وفي 16 مارس/آذار 2018، صادرت السلطات في مصر عدد مجلة "الهلال" الشهرية الصادرة عن دار "الهلال" الحكومية، وذلك بسبب صورة لوالدة الرئيس عبدالفتاح السيسي نُشرت ضمن ملف العدد، وتبين أنها غير صحيحة، رغم أن المجلة في عددها كانت بالكامل تمتدح الرئيس السيسي وتضع صورته على غلافها الرئيسي.
والعدد الأخير الذي تمت مصادرته من مجلة "الهلال" صدر بداية شهر مارس/آذار الماضي، وهو عدد تذكاري عنونت له المجلة بكلمة "الرئيس" واحتوى على العديد من الموضوعات ذات الصلة، منها الحالة الصحية والنفسية لرؤساء مصر، والسلطة والمثقفون بين الحوار والصراع، وحكايات وأسرار الحياة الخاصة للرؤساء.
ليس المصريون فقط، الصحافيون الأجانب في مرمى النيران
لم تكن الهجمة بحق العاملين في المجال الصحافي والإعلامي مُقتصرة على مؤسسات ووسائل صحافية وإعلامية تعمل داخل مصر فقط، ففي 21 فبراير/شباط 2018، رحَّلت السلطات المصرية الصحافية البريطانية بيل ترو، مراسلة صحيفة "ذا تايمز" البريطانية دون إبداء أي أسباب أو الخضوع للمحاكمة.
وأشار التقرير للدور المتصاعد للهيئة العامة للاستعلامات في مراقبة كل ما يُنشر عبر الوسائل والمؤسسات الصحافية الأجنبية عن مصر، وذلك تحديدًا منذ تولي الكاتب الصحافي ضياء رشوان للمهمة في يونيو/حزيران 2017.
وجاء في التقرير أن "الهيئة تعمل على إنتاج تقرير شهري عن كل ما يُنشر في الصحافة الأجنبية عن مصر لرفعه للسلطات المصرية، وهو ما أثار العديد من الأزمات مع أكبر المؤسسات الصحافية العالمية على خلفية تغطيتها لأكثر من حدث في مصر، كان من أبرزها حادثة الواحات في أكتوبر/شباط 2017، وتقرير (بي بي سي) عن الاختفاء القسري (قضية زبيدة) وخبر (رويترز) عن حشد الدولة للمواطنين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة".