النفط الرخيص يمهد لتآكل احتياطات الخليج... وأضرار أكبر للسعودية

14 ابريل 2020
توقعات باستمرار الأسعار عند مستويات متدنية (Getty)
+ الخط -

تواجه اقتصادات دول الخليج العربي، خطر تآكل احتياطاتها النقدية، التي بنيت خلال أكثر من عقدين، لتكون التداعيات أشد وطأة على السعودية بينما لن تتضرر قطر بقدر بقية الدول بفضل الغاز المسال رغم تأثره هو وصندوق الثروة السيادي.

لكن أسعار النفط الرخيصة في السوق العالمية، تعمل على جر البلدان المنتجة للنفط إلى الانهيار، والتي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على إنتاج الخام وصادراته.

وبسبب فيروس كورونا الجديد، الذي يبقي الاستهلاك العالمي للنفط ضعيفاً، وحرب الأسعار بين السعودية وروسيا التي هدأت مؤخرا، انخفضت أسعار النفط الخام لتصل إلى أقل من 23 دولاراً لبرميل برنت في مارس/آذار الماضي، قبل أن تتحسن قليلا لتصل إلى نحو 31 دولاراً حالياً لكنها ما تزال تفقد نصف قيمتها منذ بداية العام الجاري 2020.

والأحد الماضي، أعلنت عدة دول نفطية فيما يعرف بتحالف (أوبك+)، الذي يضم دول المنظمة والمنتجين من خارجها وعلى رأسها روسيا، عن إتمام اتفاق على أكبر خفض تاريخي مدروس لإنتاج النفط الخام بواقع 10 ملايين برميل يومياً.

ويتضمن الاتفاق خفض إنتاج النفط من جانب التحالف بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً، و300 ألف برميل يوميا قالت شركات نفط أميركية إنها ستخفضها من جانبها.

ويدخل قرار الخفض اعتبارا من مطلع مايو/أيار المقبل، ولمدة شهرين متواصلين، يتبعه اتفاق آخر بتقليص خفض الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يوميا حتى نهاية 2020.

إلا أن أسعار النفط الخام، قبل الاتفاق كانت على ما يبدو تعكس أسعار ما بعد الخفض، وهو ما ظهر جليا في بداية التعاملات الأسبوعية، أمس الإثنين، إذ استقر سعر البرميل دون تغيير تقريبا، عن إغلاق الجمعة (قبل الاتفاق النهائي).

ويهدد انخفاض أسعار النفط الخام بشكل خطير معظم البلدان المنتجة للخام في المنطقة، لاسيما في الخليج وشمال أفريقيا، التي تحتاج إلى أسعار نفط بين 60 إلى 85 دولاراً وربما أكثر، لتحقيق التوازن في ميزانياتها.

وتحتاج نيجيريا إلى سعر 144 دولاراً لبرميل برنت في المتوسط، لتحقيق توازن في ميزانيتها هذا العام، بحيث تتعادل عندها الأرباح والخسائر، في حين تحتاج البحرين إلى 96 دولارا للبرميل، وفقا لبيانات وكالة التصنيف العالمية "فيتش".

وتشير البيانات إلى أن السعودية صاحبة الوزن الثقيل في "أوبك"، وأكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بحاجة إلى سعر 91 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة تعادل في الأرباح والخسائر، في حين تحتاج عُمان إلى 82 دولاراً للبرميل، والإمارات إلى 65 دولاراً للبرميل، وقطر إلى 55 دولارا للبرميل.

بينما تحتاج الجزائر إلى سعر قدره 109 دولارات للبرميل، وأنغولا 55 دولاراً للبرميل، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، التي أوردتها وكالة الأناضول، اليوم الثلاثاء.

وتظهر البيانات أن فنزويلا وليبيا تحتاج كل منهما إلى سعر يبلغ 100 دولار للبرميل الواحد لتحقيق التوازن في ميزانيتيهما هذا العام، كذلك العراق تحتاج لسعر لا يقل عن 60 دولاراً للبرميل وإيران 195 دولارا للبرميل الواحد.

وبالنسبة للدول غير الأعضاء في أوبك مثل روسيا والمكسيك وكازاخستان، فإنها على التوالي تحتاج إلى متوسط سعر 42 دولاراً، و49 دولاراً، و 58 دولاراً هذا العام لتحقيق التوازن في ميزانياتها.

ومن المتوقع أيضا أن تشهد البلدان المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، انخفاضا في معدلات النمو الاقتصادي عام 2020، بسبب انخفاض أسعار النفط، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.

وتشير التقديرات إلى أن معدل النمو الاقتصادي للسعودية، سيبلغ 0.7 في المائة هذا العام، بانخفاض عن التوقعات السابقة البالغة 2 في المائة.

كذلك انخفضت توقعات النمو الاقتصادي في الكويت من 2.8 في المائة إلى 0.8 في المائة، بينما تنتظر الإمارات نمواً بنسبة 0.6 في المائة، بعد أن كانت 1.9 في المائة.

ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد العراقي بنسبة 0.3 في المائة ، بدلاً من أن ينمو بنسبة 3.2 في المائة، ويتوقع أيضاً أن يتقلص الاقتصاد الإيراني بنسبة 8.4 في المائة هذا العام، بدلاً من 5.1 في المائة.

وإذا بلغ متوسط أسعار النفط 40 دولاراً للبرميل هذا العام، فقد تشهد 9 بلدان مصدرة للخام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضاً في أرباحها من المنتجات الهيدروكربونية ما مجموعه 192 مليار دولار، بحسب تقديرات معهد التمويل الدولي.

وبهذا الخصوص، يقول مارك روسانو، محلل الطاقة بشركة "بريميري فيجن" لأبحاث السوق، ومقرها الولايات المتحدة إن "الفائض في المعروض يتزايد بشكل كبير مع بقاء المصافي في حالة ركود، لدينا انخفاض في الطلب بنحو 38 مليون برميل في اليوم".

ويذكر روسانو أن الصين ألغت بالفعل 10 شحنات من السعودية في إبريل/نيسان الجاري ومايو/أيار المقبل، ويبدو أن هناك إلغاءات أخرى لشحنات من نيجيريا وأنغولا وروسيا والعراق.

ويضيف أنه مع انخفاض الطلب على النفط، ووفرة المعروض منه في سوق النفط العالمية، فإن أسعار النفط قد تبقى دون 30 دولاراً للبرميل. ووفقا لروسانو، فإن انخفاض أسعار النفط يلحق الضرر أكثر بالعراق وإيران ونيجيريا وأنغولا والسعودية.

ويوضح أن "الإمارات وقطر محميتان أكثر قليلاً من قبل صندوق الثروة السيادية، ويلعب الغاز الطبيعي المسال دوراً كبيراً لقطر والذي كانت له فائدة كبيرة للبلاد في السنوات القليلة الماضية".

ويقول روسانو "لن تتضرر قطر بقدر بقية الدول (الخليج)، رغم أن 2020 سيكون عاما خاسراً بالنسبة للغاز الطبيعي المسال، ومع ذلك، فإن المسار ما يزال في صالحهم على المدى الطويل".

ويشير إلى أن الكويت والإمارات "محميتان إلى حد ما" في الوقت الراهن، لكن السعودية عليها أكبر تداعيات بين دول مجلس التعاون الخليجي.

ويتوقع المحلل الاقتصادي أن تكون الأشهر الـ18 القادمة "مؤلمة" وخاصة بالنسبة لمن يعتمدون بشكل كبير على عائدات البترول. ويضيف: "بدأ الركود في الربع الأخير من عام 2019، وبدأ الطلب على المنتجات المكررة يتراجع في مايو من العام الماضي. وقد ازداد الوضع سوءا مع تقدم العام".


من جهته، يقول علي الصفار، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وكالة الطاقة الدولية، إن بعض الدول ستكون مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع فترة انخفاض أسعار النفط من غيرها.

ويضيف: "بالنسبة للمنتجين الكبار نسبيا ولديهم أحجام سكانية متواضعة، مثل الكويت والإمارات وقطر، ستوفر المدخرات المالية الكبيرة بعض الحماية من الضغوط المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط".

ويرى الخبير أن الدول ستحتاج إلى تجاوز أصعب أزمة قصيرة الأجل على أي حال، من خلال استغلال الاحتياطيات وإدارة العجز الناجم عن تراكم الديون.

ويستدرك: "لكن على المدى الطويل، هناك حاجة إلى إعادة النظر في الهيكل الاقتصادي، بما في ذلك من خلال تحفيز دور أكبر لمشاركة القطاع الخاص في مجموعة متنوعة من القطاعات للحد من الاعتماد الكلي على عائدات النفط والغاز".