النفط والإعلام الاجتماعي

01 نوفمبر 2015
تتسبب الأحداث الكاذبة في انهيار الأسواق المالية(Getty)
+ الخط -
قد يتسبب حدث هام في منطقة ما، في إحداث ردود أفعال مبالغ فيها في منطقة أخرى، كالتقلبات الكبيرة الحاصلة في آسيا، حالياً، وامتداد أثرها المباشر وغير المباشر إلى قلب أوروبا والولايات المتحدة. في بعض الأحيان، تحاول بعض الشركات والمؤسسات أن تستغل هذه التقلبات من أجل الوصول إلى غايتها الأساسية في تحقيق شهرة واسعة أو بلوغ أهداف محددة من خلال استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي. ومع نشر المزيد من هذه البيانات على شبكة الإنترنت، فإن الأسواق تصبح أكثر عرضة لردود أفعال متباينة، وأكثر تقلباً، ما يتسبب في إشعال الشرارة الأولى لحريق هائل قد يلتهم مدخرات المستثمرين. بالنسبة لأسعار النفط، يشير التاريخ إلى أن العكس هو الصحيح، إذ مع انتهاء مفعول هذه البيانات، تعود الأسعار، في العادة، إلى مستوياتها السابقة. 
في الواقع، فإن للأخبار الحية تأثيراً مباشراً على الأسواق المالية. لعلنا نذكر، في هذا الصدد، ما قامت به وسيلة إعلام إيرانية، في أوائل العام 2012، عندما نشرت، على مواقع التواصل الاجتماعي، حادثة انفجار أنابيب النفط الخام في مدينة سعودية تقع في المحافظة الشرقية الغنية بالنفط. في ذلك الوقت، كان جزء كبير من الشرق الأوسط في قبضة موجة من الإصلاحات الديمقراطية. كان الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي حكم ليبيا الغنية بالنفط لفترة طويلة، قد قُتل خلال انتفاضة استمرت خمسة أشهر، في حين كانت مصر على أعتاب تنصيب أول رئيس مُنتخب عبر الاقتراع الديمقراطي. ورغم أن المحافظة الشرقية للمملكة شهدت مظاهرات صغيرة مع اندلاع حركة الربيع العربي، إلا أن السعودية نجت من الاحتجاجات إلى حد كبير.
تسببت التقارير الإيرانية بإحداث هزة في أسواق النفط العالمية، أدت إلى ارتفاع الخام أكثر من 6 دولارات للبرميل إلى 129 دولاراً، أو نحو 5%، ليسجل أعلى مستوى له في أربع سنوات، فقد كانت تلك المواقع بمثابة المنفذ الوحيد لنشر واقعة الانفجار المزعوم. لكن رغم رد الفعل الكبير التي أظهرته تلك المواقع، انخفضت أسعار النفط بسرعة إلى مستوياتها السابقة بمجرد نفي المسؤولين السعوديين للحادثة.

النفط العربي

لقد تم اكتشاف معظم آبار النفط في العالم، على الأقل قبل طفرة اكتشاف الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، في مناطق تشهد، تاريخياً، حالة من عدم الاستقرار، حيث عانت أسواق النفط من تأثير صدمة حظر النفط العربي في سبعينيات القرن الماضي، ومن تداعيات حرب الخليج خلال مطلع عقد التسعينيات. ومع تطور وسائل الاتصالات خلال العقدين الماضيين، أصبحت أسواق النفط تستجيب بسرعة كبيرة للتقارير المنشورة عبر مختلف وسائل الإعلام الاجتماعي، التي باتت، في كثير من الأحيان، أداة المستثمرين الوحيدة في الحصول على المعلومات.
نتيجة لذلك، ينتاب الكثير من متعاملي أسواق النفط القلق إزاء تطور الأحداث في مختلف بقاع العالم الحساسة، لا سيما العربية منها. على سبيل المثال، قد يؤدي تأخر تقرير لمنظمة "أوبك" عن الصدور، أو تراجع حاد على مؤشر "داو جونز الصناعي"، إلى تقلبات قصيرة الأجل في أسواق النفط، علاوة عن ارتفاع المخاطر المرتبطة بوسائل الإعلام الاجتماعي في دفع الأسواق إلى دوامة من عدم الاستقرار.
رغم ذلك، لم يجد الباحثون، عند دراستهم لبيانات أسعار النفط خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أي علاقة وثيقة بين تداول الأخبار الحية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبين أسعار الطاقة على المدى الطويل، إذ يَظهر تأثيرها على أسواق النفط لفترة قصيرة من الزمن، وما أن يزول مفعول الخبر تبدأ أسعار النفط الخام بالعودة إلى مستوياتها السابقة.
في الحالات الاستثنائية، مثل تقلّب أسواق الأسهم نتيجة حالة مؤقتة من عدم اليقين، فإن نشر مثل هذه الأخبار قد يتسبب بحالة ذعر تصيب المتعاملين بالأسواق وتفقدهم تركيزهم. لذلك، فإن المتعاملين بأسواق الأسهم مطالبون بالتحلي بالصبر والحفاظ على التركيز التام، والشيء نفسه ينطبق على سوق النفط الخام، التي هي بمثابة "ماراثون طويل" من الاتجاهات طويلة الأجل، وليست قصيرة الأجل. إن حالة تقلّبات الأسواق، في حد ذاتها، هي جزء لا يتجزأ من منظومة أسواق المال والسلع، حيث يمكن لها أن تظهر في فترات هدوء الأسواق كما في فترات الهلع، لكن أكثر ما يميّزها هو عدم استمرارها في اتجاه واحد ومحدد على مر الزمن.
(خبير اقتصادي أردني)

اقرأ أيضاً:بورصات تحت الضباب
المساهمون