على ساحل الأطلسي الجنوبي في غرب المغرب، تمتدّ مساحات شاسعة من غابات أشجار "العرعار"، مطوّقة مدينة الصويرة التاريخية (أكثر من 400 كلم جنوب الرباط) التي تعطي المدينة شهرة محلية وعالمية، بسبب احتراف أهلها فنّ النقش على خشب العرعار.
وتعد صناعة خشب العرعار إحدى أهم الصناعات التقليدية التي يعتمد عليها اقتصاد هذه المدينة الساحلية الصغيرة، والتي يكسب أغلب سكانها قوت يومهم بما يجود به عليهم بحرها من أسماك تُباع في الأسواق، أو بمزاولة حرف تقليدية بسيطة تستهدف بالأساس زوّار الصويرة الأجانب، في مقدّمتها حرفة النقش على خشب العرعار.
العابر لأزقة المدينة المثقلة أجواؤها برذاذ البحر، ورياح الأطلسي التي تهبّ قارسة، تتسلّل إليه رائحة غراء الخشب القوية، وغُبار النجارة الذي تحمله نسمات المدينة الصباحية العاصفة إلى خارج الورش، لكنها لا تطغى على "عطر خشب العرعار" الذي يميّز المدينة ويفوح في أحيائها.
تتصاعد أصوات الطرق من مداخل الورش المنتشرة في أغلب أزقّة المدينة، لا تهدأ منذ ساعات الصباح الباكر إلى حدود غروب الشمس، فلا يخلو حي في الصويرة من محل لصناعة العرعار أو دكان لبيعه، فأهل المدينة يتباهون في تعريف أنفسهم كـ"حرفي عرعار" و"صناع متقنين" لهذه الحرفة، وخلال العطل المدرسية يحرص الآباء على إرسال أبنائهم لتلقي أصول هذه الصناعة التقليدية لدى "مُعلميها" المعروفين بالمدينة، تجزية لأوقات الفراغ وكسباً للخبرة، دون أن يدفعهم ذلك أساساً إلى امتهانها في المستقبل، خاصة وإن حال رواجها لا يشجّع الكثيرين، كما يقول بعض حرفييها، فلم يعد النقش على العرعار الحرفة التي يجابه بها الصنّاع تكاليف الحياة المتزايدة.
تاريخ صناعة خشب العرعارفي مدينة الصويرة، يعود إلى الأيام الأولى لازدهار هذه المدينة، مع بداية تشييدها من قبل السلطان العلوي "محمد بن عبد الله" خلال القرن الثامن عشر ميلادي، لتتحوّل من مرفأ تجاري، تعبرهُ السفن القادمة من أوروبا إلى الغرب الإفريقي، وحصناً يعتصم فيه المحاربون أيام "حروب الاسترداد" ضد المماليك الإيبيرية خلال القرن الخامس عشر الميلادي، إلى مدينة قائمة البنيان، تستخدم خشب العرعار الذي توفّره الغابات المحيطة في بناء دُورها وإقامة سقوف مساجدها وصناعة أبواب بيوتها.