الدراسة العلمية الفرنسية التي نشرتها وكالات الأنباء أخيراً حول استخدام طين البحر الميت (أخفض نقطة على سطح الأرض تقع غرب العاصمة الأردنيّة عمان) في علاج الأمراض الجلدية واضطرابات الدورة الدموية وأمراض الروماتيزم؛ ليست بالجديدة على سكان الأردن وزوارها، خصوصاً التواقين منهم للمتعة، أو الباحثين عن العلاج. فالدراسة التي أجراها فريق من الباحثين الفرنسيين ونشرت نتائجها في مجلة "فام – أكتويل" الفرنسية الأسبوعية، أفادت أن الطين يحتوي على الأوكسجين والأملاح المعدنية والفيتامينات التي تُستخدم في العلاج. وفسرت الدراسة، أنه يكفي وضع الطين مدة خمس عشرة دقيقة على المنطقة التي تعاني من الآلام وربطها بشريط من البلاستيك لتحصل على حرارة تساعد على اختراق مكونتها مكان الألم.
النقطة الأكثر انخفاضاً
البحر الميت أو كما يسميه الباحثون "بحيرة لوط" يمثّل النقطة الأكثر انخفاضاً على سطح الأرض، يتميّز بشدة ملوحته ليبلغ تركيز الأملاح فيه تسعة أضعاف تركيزها في البحار والمحيطات الأخرى. ويُعَدّ ظاهرة طبيعية نادرة الوجود في العالم، يتكون قاعه من كتلة صخرية من الملح يُعتقد أنها كانت تحت قرى النبي لوط عليه السلام قبل حادثة الخسف المذكورة في القرآن الكريم؛ خصوصاً وأن صور الأقمار الصناعية لقاع البحر أظهرت ستَّ نقاط يُعتقد أنها كانت تجمعات سكانية وقرى مطمورة بالملح. والبحر الميت هو المستقر الأخير الذي تصبّ فيه مياه الينابيع المعدنية الساخنة، كـ "الزهار" و"حمامات زرقاء ماعين" ولا منفذ لها من بعد ذلك، تغفو على شواطئه تشكيلات طبيعية مبهرة من الأملاح وتصطبغ صخوره بلون الثلج جرّاء الأملاح المتجمعة عليها وتحفّ شواطئه الشرقية والغربية منحدرات عمودية على شكل أبراج صدعية تشكل جزءاً من الشق السوري الأفريقي.
سياحة علاجية
البحر الميت (يبلغ طوله 37 كيلومتراً وعرضه حوالي 16 كيلومتراً، أما انخفاض سطحه عن سطح البحر الأبيض المتوسط فيبلغ 417 متراً، وأغمق عمق له 401 متراً، تصل مساحته الإجمالية إلى حوالي 945 كيلومتراً مربعاً)، يتميز بأهمية كبرى في السياحة العلاجية لينفرد بتركيبته الكيميائية التي تختلف عن تركيبة بقية البحار في العالم والتي تتكون في معظمها من أملاح الكبريت والكربونات. ومن العجيب أن أملاح الكالسيوم فيه تكاد لا تُذكر والأغرب من ذلك وجود كمية البروم العالية التي تزيد أضعافاً عمّا تحتوي عليه البحار والمحيطات. وقد عُرفت الفوائد الصحية لأملاح البحر الميت منذ القدم. ويقال إن قدماء الملكات من مثل كليوباترا وزنوبيا وملكة سبأ استخدمن ملح البحر لقناعتهن بفوائده العلاجية والتجميلية، ويُذكر أن هيرودس الكبير، الحاكم العربي على فلسطين إبان الإمبراطورية الرومانية كان يستجم بالبحر الميت وقد بنى هناك خربة مسعدة التي تضم قلعة مرتفعة تشرف على البحر.
طين البحر الميت
يعالج طين البحر الميت، أمراض حب الشباب وكلف الوجه والتجاعيد والزوان وتفتيح وتنعيم عام للبشرة والإكزيما والروماتزم وآلام المفاصل وتشنج العضلات، والصدفية وتشقق القدمين والفطريات وتقصف الشعر وتساقطه؛ حيث يغسل المكان المراد علاجه بالماء والصابون ويترك بدون تنشيف، كما يفضل أن يغسل الوجه بصابون البحر الميت لفترة بسيطة وبشكل دائري، بحيث يتم تكرار الغسول دقيقة واحدة يترك الوجه مبللاً بالماء، ويوضع قناع الطين على كامل الوجه ما عدا العنين بكميات بسيطة، ويترك القناع لمده 15- 20 دقيقة للبشرة الدهنية و5 دقائق فقط للبشرة الجافة والحساسة ومن ثم يغسل بالماء، ويستخدم من مرة إلى مرتين أسبوعيّاً وحسب الحاجة.
مركز عالمي للاستشفاء
وإلى جانب ارتفاع نسبة الملوحة والمعادن في البحر الميت فإن مستوى كلّ من الضغط والأوكسجين مرتفع أيضاً؛ مما يجعله من أوائل المقاصد للعلاج والاستجمام في التاريخ لذلك اختارته منظمة الصحة العالمية في عام 2011 كمركز عالمي لعلاج الكثير من الأمراض كالروماتيزم وآلام المفاصل والأمراض الجلدية مثل الصدفية، إذ تتم الاستفادة من الخصائص الطبيعية المميزة للمنطقة من دون استخدام أيّ أدوية كيماوية، كما يتم إنتاج مستحضرات تجميل مصنوعة من المعادن المستخرَجة من طين البحر. ولا تتوقف أهمية البحر الميت العلاجية على الأملاح المعدنية في مياهه أو على كثرة ينابيعه الساخنة، وإنما أيضاً على هوائه النقي وأشعته الصحية إذ يُعد تركيز الأكسجين في هواء المنطقة، هو الأعلى في العالم وتصل نسبته إلى 36%، علماً أن النسبة العالمية تصل إلى 26%.أما الضغط الجوي فيتراوح بين 796 و799 ملم زئبقي وهي تُعَدّ النسبة الأعلى في العالم أيضاً.
سماء مشمسة طيلة العام
ويتمتع البحر الميت بسماء مشمسة على مدار العام بالإضافة إلى الهواء الجاف وتتساقط الأمطار على المنطقة بشكل قليل يصل إلى نحو 50 ملم (2 بوصة) بينما يبلغ متوسط درجة الحرارة في الصيف بين 32 و39 درجة مائوية وتتراوح درجات الحرارة في فصل الشتاء بين 20 و23 درجة مائوية كما تنخفض نسبة الرطوبة في الجو، وهو ما يجعل من المنطقة ملائمة جداً للاصطياف والاستجمام. أما الإشعاعات الشمسية فلقد دلّت الدراسات على وجود طبقة غنية بالأوزون فوق سطح البحر تصل إلى ارتفاع 25 كيلومتراً ويشكل بخار الماء فوق البحر طبقة كثيفة تقوم بفلترة أشعة الشمس وخصوصاً الأشعة فوق البنفسجية لذلك أقيمت الكثير من المنتجعات على شاطئه، كما أنه يحظى بأهمية اقتصادية إذ أُنشئت صناعات كثيرة بالقرب منه مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية. وتساهم أملاح البحر الميت في تعديل توازن رطوبة الجلد وتنشيط الخلايا وشَدّ البشرة والتخلُّص من تجاعيد الوجه والرقبة وإعادة لون البشرة الطبيعي وإزالة البقع الناتجة من الشمس، كما تعمل بفاعلية على شدّ الترهلات وإزالة التشققات والخطوط الناتجة عن الحمل في منطقة البطن أو تلك الناتجة عن الحمية الغذائية وتعمل، أيضاً، كمُغَذّ ومرطّب للجلد.