مرة أخرى يشعل البرلمان اليمني أزمة بين الحكومة الشرعية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين). لكن هذه المرة، من بوابة اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، إذ يسعى الحوثيون إلى التشويش على "النصاب القانوني" لدى الشرعية، بإجراء انتخابات للدوائر الشاغرة في البرلمان، الأطول عمراً بتاريخ برلمانات العالم، والذي انتهت فترته الفعلية منذ 10 سنوات، لكنه ما يزال المؤسسة التشريعية دستورياً إلى حين إجراء انتخابات جديدة.
ولجأ الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مجدداً إلى سلاح القرارات بوجه الإجراءات الحوثية، عبر نقل مقرات المؤسسات من العاصمة صنعاء إلى عدن. وأصدر هادي قراراً، الأحد الماضي، قضى بأن "يتم نقل مقر اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء من مقرها الحالي في العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن"، وأن "تمارس اللجنة صلاحياتها ومسؤولياتها وأعمالها من مقرها في عدن"، واعتبار "كل ما صدر عن الحوثيين من تغييرات في اللجنة منعدمة، ولا يترتب على صدورها أي آثار قانونية". وبرر هادي القرار رقم 22 لسنة 2019، باتهام الحوثيين بـ"العبث" باللجنة العليا للانتخابات، واستبدال عدد من أعضاء اللجنة. كما وجه "مجلس القضاء الأعلى"، بأن يتولى "التحقيق مع القضاة الذين قبلوا العمل في اللجنة بناءً على ما صدر عن مليشيات الحوثي واتخاذ الإجراءات العقابية وفق قانون السلطة القضائية والقوانين ذات الصلة". كما كلف النائب العام بإجراء تحقيق جنائي مع من أصدر القرارات من قبل الحوثيين.
وجاء قرار هادي، بعد يومين، من إقرار "اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء" في صنعاء، توجيه قطاعاتها والأمانة العامة لاتخاذ الخطوات اللازمة لإجراء انتخابات لملء المقاعد الشاغرة في مجلس النواب وفقاً للقانون، إذ عقدت اللجنة اجتماعاً، برئاسة القاضي محمد عبد الله السالمي، الذي كان انتخب في سبتمبر/أيلول الماضي، فيما تقول مصادر في الحكومة إن التغييرات من قبل الحوثيين شملت أعضاء آخرين. وتأتي الأزمة بين الشرعية والحوثيين حول اللجنة العليا للانتخابات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتجاذبات بشأن أعضاء مجلس النواب، في ظل معلومات من مصادر برلمانية، لـ"العربي الجديد"، عن اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقد جلسة برلمانية للموالين للحكومة الشرعية، بعد أن وصل عددهم إلى النصف، باستثناء الدوائر الشاغرة، التي توفي أعضاؤها أو يعانون من إعاقات دائمة. ولم يكتف الحوثيون بالتلويح بإجراء انتخابات للدوائر الشاغرة بسبب الوفاة، بل إنهم لوحوا بإجراء انتخابات في دوائر الأعضاء المؤيدين للشرعية، الذين يوجدون خارج البلاد بالغالب، وهو إجراء لن يكون له تأثيرات قانونية في ظل عدم الاعتراف بسلطة الحوثيين، لكنه لا يعدم الآثار النفسية على الأقل. ويعد البرلمان، كمؤسسة شرعية، محور استقطاب بين الشرعية والحوثيين منذ أكثر من عامين، إذ كان ورقة في يد حزب المؤتمر الشعبي العام بجناحه المرتبط بعلي عبد الله صالح (قبل مقتله في صنعاء أواخر عام 2017). وينتمي إلى الحزب رئيس البرلمان الموجود في صنعاء، الشيخ يحيى الراعي. غير أن عام 2018، شهد موجة هروب للعديد من أعضاء البرلمان من مناطق سيطرة الحوثيين، وإعلانهم تأييد الشرعية، التي تقول إن الأعضاء الموجودين في العاصمة اليمنية باقون تحت الإقامة الجبرية غير المعلنة ويتصرفون تحت ضغط الحوثيين.
ويوم السبت الماضي، استأنف مجلس النواب في صنعاء جلساته. لكن مصادر برلمانية تقول إن النصاب لم يعد متوفراً لعقد الجلسات (نصف الأعضاء نحو 135 عضواً)، وهو الأمر الذي يسعى الحوثيون إلى تداركه من خلال التلويح بانتخابات للمقاعد الشاغرة، التي يبلغ عددها نحو 30 مقعداً في مختلف محافظات البلاد. لكن الجماعة لن تكون قادرة سوى على إجراء انتخابات في مناطق سيطرتها، على نحو يرسخ حالة الانقسام والتقسيم السائدة في البلاد. الجدير بالذكر، أن جانب الشرعية فشل هو الآخر، حتى اليوم على الأقل، بعقد جلسة برلمانية للموالين له. وأكد برلمانيون، طلبوا عدم تسميتهم لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعات عُقدت في العاصمة السعودية الرياض وغيرها، فشلت بالتوافق على اختيار رئاسة جديدة للبرلمان، بسبب التباين في أوساط البرلمانيين أنفسهم، فضلاً عن محاذير أخرى، مرتبطة بالتواجد الهش للحكومة في المناطق الجنوبية، وبالمقدمة منها مدينة عدن، التي أقر هادي نقل مقر البرلمان إليها منذ عامين، من دون أن تفلح الحكومة، حتى اليوم، باتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد الجلسات البرلمانية في المدينة.