شهدت الساحة اليمنية خلال الأسابيع القليلة الماضية تحسناً محدوداً في الوضع العام، عاد خلاله النشاط السياسي. كما سجل أيضاً استئناف بعض الأجهزة الحكومية المدنية لممارسة مهامها. إلا أنّ عدداً من التطورات المتعلقة بممارسات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وسلطتها على العاصمة وعدد من المحافظات، إلى جانب أو بدلاً من أجهزة الدولة، خفضت سقف الآمال بتفعيل حكومة الكفاءات المؤلفة حديثاً. وبدا الوضع الراهن امتداداً للواقع الذي أصبحت الكلمة الأولى فيه لجماعة الحوثيين، ولكن تحت غطاء حكومي.
ومن أبرز التطورات اللافتة خلال الأيام الماضية، الاقتحامات التي نفّذها مسلّحو الجماعة في صنعاء لمنازل مسؤولين حكوميين أغلبهم من المنتمين لحزب الإصلاح، بما في ذلك اقتحام منزلي محافظ مأرب، سلطان العرادة، ومحافظ الجوف سالم عبود الشريف، في العاصمة، أثناء تواجدهما خارجها. كما شهدت محافظة الحديدة، غربي اليمن، اقتحامات لمنازل معارضين للجماعة في المدينة من ناشطي ما يُعرف بـ"الحراك التهامي".
كذلك شهدت صنعاء الأربعاء الماضي حادثة لافتة، تمثلت في اعتقال الحوثيين لأحد أفراد حراسة وزير المالية، بينما كان إلى جانب الوزير في جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية. كذلك اقتحم مسلحو الجماعة، الأحد الماضي، مكتب نائب وزير الإعلام فؤاد الحميري، وأجبروه على مغادرة المبنى فوراً تحت تهديد السلاح.
وكان المعسكر الرئيسي لقوات الأمن الخاصة، أكبر قوة تابعة لوزارة الداخلية ساحة لتمرد جنوده على قائد المعسكر. وحضرت أطقم الحوثيين إلى المعسكر أثناء اندلاع التمرد، واتُهمت الجماعة بمحاولة استثمار ما جرى، وخصوصاً بعدما انتهت الأزمة بتعيين وزارة الداخلية، عبد الرزاق المروني، المقرب من الجماعة، رئيساً لأركان حرب القوة (نائباً للقائد).
ولا يبدو جديداً في المشهد اليمني حصول مثل هذه التطورات، بل الجديد أن تحصل بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة خالد بحّاح، ومن دون أن تتخذ الحكومة أي موقف تجاه ما يُعتبر استمراراً لممارسة الحوثيين سلطتهم بعيداً عن سلطة الدولة. وهو ما يجعل الحكومة، في نظر البعض، غطاءً سياسياً يكرّس واقع سيطرة طرف على المشهد ولا يعيد الاعتبار لسلطة الدولة.
وإذا كان تشكيل حكومة بحّاح، أحد مقررات "اتفاق السلم والشراكة" الموقّع بين المكوّنات السياسية بمن فيهم الحوثيون، مساء 21 سبتمبر/أيلول الماضي، فإن باقي مقررات هذا الاتفاق لا تزال تنتظر التنفيذ، وخصوصاً ما يتعلق منها بسحب الحوثيين نقاط مسلحيهم من العاصمة.
وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي، قد أوصل رسالة في أول اجتماع للقيادات العسكرية بعد تشكيل الحكومة، أكد خلالها أن "أنصار الله أصبحوا شركاء"، وأنه يجب العمل على تطبيع الوضع. وبذلك يكون هادي قد أجاب على بعض التوصيفات التي سبقت تشكيل الحكومة، من أنها ستكون إما حكومة "تطبيع" أو "مواجهة" مع الحوثي.
وكانت آمال الشارع تنعقد على وزير الدفاع الجديد، اللواء محمود الصُبيحي، لجهة أنه سيسعى إلى استعادة دور الدولة، وخصوصاً بعدما كانت الاتهامات توجه للوزير السابق محمد ناصر أحمد بالمساهمة في تدهور أداء المؤسسة العسكرية والأمنية خلال الأعوام الماضية. غير أن العديد من التطورات خلال الأيام الماضية خفضت من سقف الآمال المعقودة على الصُبيحي، إذ لم يتمكن الوزير الجديد حتى الآن من اتخاذ إجراءات ملموسة تجاه ما يجري في العاصمة وعدد من المحافظات.
وأعلن الصبيحي، يوم الأحد الماضي، عن توجه لاستيعاب مجموعات من المسلحين الحوثيين ضمن قوات الجيش والشرطة. وهو الأمر الذي يواجه انتقادات من معارضي الجماعة، الذين يرون أن هذه الخطوة ستزيد من تمزيق الجيش، إن لم تكن خطوة في طريق تأسيس جيش بديل على أساس طائفي.
وينتقد المعارضون الإقدام على هذه الخطوة في ظل سيطرة الحوثيين، وغياب العوامل الضامنة لأن يكون مثل هذا الإجراء خطوة في طريق الحل، لا أن تكرّس سيطرة طرف على مؤسسات الدولة.
وقد جاء تصريح الصبيحي في سياق دعوته لقوات الجيش والأمن إلى استعادة دورها بفرض سيطرتها وممارسة مهامها الدستورية، وتأكيده على ضرورة تنفيذ اتفاق "السلم والشراكة" وملحقه الأمني والعسكري الذي يتضمن فرض الدولة سلطاتها. غير أن الدعوة تبدو غير فاعلة ما لم تعكس توجهاً سياسياً موحداً للحكومة والرئاسة.
وفي المحصلة، فإنه على الرغم من التحسن الملحوظ في الوضع العام مقارنة بالفترة التي تلت سيطرة الجماعة على صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي، إلا أنه يبدو من جانب آخر، استقراراً هشاً لا يعيد توازن القوى بقدر ما يعمّق سيطرة طرف. وهو ما يجعل التحسّن مؤقتاً قد ينعكس في أية لحظة، ولا سيما في ظل مؤشرات التوتر في محافظة مأرب النفطية التي يحشد الحوثيون للسيطرة عليها بحجة الإسهام في تأمين خطوط الطاقة والكهرباء.