09 يناير 2020
اليمن... عام خامس من الحرب
هكذا تجري الأمور في بلدي اليمن منذ أربعة أعوام: اقتحمت جماعة دينية متطرفة عاصمة البلاد في سبتمبر/ أيلول 2014 وأسقطت الدولة، فتكت بالسلطة الحاكمة، خنقت الأحزاب السياسية ثم اجتاحت كطوفان بغيض كل مدن البلاد باحثة عن الأعداء، والأعداء في قاموسها هم الذين يقطنون كل الأماكن ويتجرأون على الحياد.
عطلت هذه الجماعة الدستور، مزقت المجتمع وصنعت لها في كل بيت مقبرة وثأرا، صادرت كل شيء لصالح سلالة توهمت الاصطفاء ولم تكترث لأحد.. ووقف اليمني المغلوب أمام هذا الطوفان الذي جرف كل شيء ولم يكن بوسعه فعل الكثير بعدما فرط جيشه وتواطأ حكامه.
انطلقت عاصفة الحزم في 26 مارس/ آذار 2015، وهي الضوء الذي أعتقده اليمنيون وظنوا فيه خلاصهم، وهي أيضاً الاسم المعروف للعملية العسكرية التي أطلقها التحالف العربي بقيادة السعودية لأجل استعادة الشرعية اليمنية وتمكينها من الأرض والسلطة.
كان الهدف واضحاً للعاصفة أو هكذا خيل لنا، وكانت المدة الزمنية محددة بدقة، أشهر قليلة وتعود الشرعية اليمنية إلى صنعاء فاتحة.. تطورت الأمور على نحو دراماتيكي غريب، فالإخوة الذين جاؤوا لتمكين الشرعية قوضوها في كل شبر يتحرر من أرضها، فتكوا بها لصالح مليشيات بلا ملامح، سمتها الوحيدة ولاؤها المطلق لأولياء النعمة.
لم يفق اليمني بعد من صدمته يوم سقطت عاصمته الأولى بيد جماعة دينية مسلحة حتى تعرض لصدمة أعنف، سقطت على إثرها عاصمته الثانية بيد جماعة غوغائية بلا ملامح، وكأن قدره أن يكابد القهر والفناء في كل مرة.
قاد التحالف العربي، تحديداً الدولة الأكثر اندفاعاً وتأثيراً فيه، الإمارات المتحدة، قاد معركة ضبابية وبلا أفق، فلا هو اتجه للحسم ولا هو جنب البلد الدمار؛ بل انحاز بكل ثقله لتقسيم اليمنيين رأسياً وأفقياً بلا نهائية.
أدار التحالف معركة فاشلة ومرتبكة في اليمن، قسم اليمنيين حسب أوهامه إلى أعداء وأتباع، الأعداء هم بالطبع: كل من يحدثه عن أن الشراكة لا تعني التبعية بالضرورة.
تجاهل كل الأصوات القادمة من البعيد، عن أشلاء ضحاياه كل يوم، عن مجاعة 21 مليون يمني، عن ملايين النازحين وعن الأطفال المحرومين من مقاعد الدراسة، ثم عن أوبئة القرون الوسطى التى انتشرت كالنار في الهشيم.
تجاهل كل شيء وراح يقسم المدن اليمنية المحررة بالأبطال إلى مربعات مليشياوية تدين له بالولاء المطلق وتحارب الأبطال المحررين.
انقادت له كل مدن الجنوب، سمحت له مرغمة أو طائعة بأن يعبث بنسيجها وقيمها حتى وصل به الأمر إلى أن يحارب الشرعية التي أتت به أمام كل الناس ويعتقل أبطال ملاحم التحرير في أقبية وسجون سرية، يذيقهم صنوف العذاب، لا لشيء إلا لشبهة انتمائهم لحزب سياسي وقف بكل ما يملك مع شرعية الدولة وخضع بكل قواعده لها وللتحالف، ضحى بالآلاف من أفراده لأجل استعادة شرف الدولة وبالمحصلة الحفاظ على بقائه، فكُوفئ بالسجون والاغتيالات وحرمان المدن التي ينشط فيها من التحرير والدعم..
تعز المدينة مثالا.. تتعرض هذه المدينة لتجاهل مر وجبان طوال أربعة أعوام كاملة، وهي التي واجهت الانقلاب بكل عنفوان، وقفت مع الدولة المنهارة وتعرضت ﻷبشع أنواع التنكيل؛ حصار خانق، تجويع ممنهج، تهميش متعمد، آلاف الضحايا المدنيين وآلاف الأسر المكلومة والفاقدة، ثم صنوف الخذلان من هذا التحالف الذي يدير معركته في بلدي على طريقته الغبية التي عرفناها مؤخراً في قضية الصحافي القتيل في قنصلية قائدة التحالف!
اكتشف اليمني أخيراً ألا أحد يقف معه لأجله، ولو تظاهر له بالحب، فالإخوة الأشقاء، من أتوا بالأمس ليعيدوا شرعية اليمنيين ودولتهم، وضعوا يدهم على سواحله وتركوا جباله تصارع الموت والجوع والضياع.
لا نصيب إذن لليمن الشمالي من التحرير، ولا حتى لتعز، فتعز التي سكبت دماء أبنائها دفاعا عن الدولة والسلم الاجتماعي، ليست ساحلاً ولا جزيرة، فهي لا تملك النفط ولا تعرف الغاز، تعز التضحية والفداء، الإنسان الحر، والدماء المسكوبة دفاعاً عن الأرض والبشر، عن الحرية والشرف، وليس لأجل هذا يكترث الأشقاء!