بات موضوع انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي مطروحاً بقوة أخيراً على ضوء العمليات العسكرية للتحالف العشري في اليمن، بعد أن كانت المسألة موضوع نقاش وبرامج تخطو خطوات بطيئة، وأحياناً تتراجع على مدى أكثر من عقد مضى في ظل تحديات عديدة، يرى بعضهم أنها تحول دون انتقال هذه الخطوة إلى حيز التطبيق الكامل على الرغم من التصريحات الإيجابية المتوالية حول إمكانية تحقيق الانضمام خلال الفترة المقبلة.
ويأتي الحديث عن موضوع انضمام اليمن إلى المجلس في هذه الفترة بالذات في سياق المحاولات لإبعاد البلاد عن النفوذ الإيراني، وبالتزامن مع تأكيدات المسؤولين الخليجيين باستمرار أن اليمن وأمن بلدانهم كلٌ لا يتجزأ.
وطرح مطلب انضمام اليمن إلى الخليج أخيراً، من قبل الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، المدعوم بقوة من الدول الخليجية، كما طُرح عبر أكثر من تصريح لكبار المسؤولين المقربين منه، وفي مقدمتهم نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، خالد محفوظ بحاح. وفي السياق، تقول بعض المصادر إن جولة الأخير الحالية في العواصم الخليجية تأتي للتنسيق حول هذا الجانب. كذلك طرحت الدعوة من قبل وزير الخارجية اليمني المكلّف رياض ياسين. وجميع هؤلاء المسؤولين اليمنيين مقربين من دوائر صنع القرار الخليجي، وخصوصاً السعودية، أكبر دول المجلس والتي سيكون لموقفها تأثير محوري في هذا الملف.
وفي خطوة لافتة، دعا قادة مجلس التعاون، الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي إلى حضور القمة المقرر عقدها يوم الثلاثاء المقبل في الرياض. كذلك كشف المتحدث باسم الحكومة اليمنية، راجح بادي، في تصريحات صحافية عن خطة حكومية سيتقدم بها اليمن خلال الشهر الحالي إلى مجلس التعاون يطلب فيها الانضمام إلى دول المجلس.
اقرأ أيضاً: مصالحات يمنية في الرياض: مشاورات لتوحيد الأطراف الجنوبية
استحقاق وهدف استراتيجي
يبدو مطلب انضمام اليمن هذه المرة مطروحاً بقوة كاستحقاق، تفرضه نتائج التدخل العسكري في اليمن الذي شاركت فيه خمس دول خليجية. وحسب المسؤولين اليمنيين، فإن اليمن بات مسؤولية خليجية مباشرة تفرض على الدول المشاركة في الحملة العسكرية أن تقرّبه أكثر، وأن تساهم في انتشاله من الوضع الاقتصادي المنهار، حتى لا يعود مصدر تهديد لها، فضلاً عن المصير المشترك، الذي يتحدث عنه المسؤولون الخليجيون واليمنيون. إذ إن دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، متأثرة بشكل مباشر بما يطرأ في اليمن. ويرى مراقبون أن المرحلة الانتقالية المقبلة قد تكون الأنسب لتصحيح الأخطاء التاريخية التي جعلت اليمن بعيداً عن محيطه الخليجي في العقود الماضية، لأسباب عديدة أبرزها تتعلق بالأنظمة التي نشأت في مراحل الاستقلال والتحرر العربي، حيث نشأ في الجنوب نظام اشتراكي أقرب إلى الاتحاد السوفييتي وفي الشمال نظام قومي كان أقرب إلى مصر عبد الناصر، ثم تحول بعدها تجاه العراق البعثي، ثم كان لسياسات نظام المخلوع علي عبدالله صالح وعلاقاته المضطربة مع الجوار الخليجي، دور بارز في العقود الأخيرة في منع انضمام اليمن.
ومن جهة ثانية، فإن انضمام اليمن بما يمثله من مخزون بشري وعمق استراتيجي، يعد مكسباً للخليج، وهذا ما أشار إليه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أثناء لقائه الأخير بنائب الرئيس اليمني خالد بحاح، حيث أكد أن اليمن يمثل المخزون الاستراتيجي لدول مجلس التعاون، ويعد المواطن اليمني بسبب التداخل القبلي والتاريخ المشترك الذي يمثل نسيجاً ممتداً في شبه الجزيرة العربية، ويعكس هذا التداخل نفسه في الاغتراب، حيث يصل عدد المغتربين اليمنيين في السعودية وحدها إلى مليون ونصف المليون مغترب، وقد كان لافتاً أمس قرار السلطات السعودية بتصحيح أوضاع اليمنيين المقيمين في المملكة بطريقة غير نظامية.
وتُجرى حالياً في العاصمة السعودية إعدادات لمؤتمر حوار يمني، من المقرر أن يعقد قريباً في الرياض، بمشاركة العديد من الأطراف اليمنية، وسيخرج المؤتمر بوثائق تضع الخطوط العريضة لمستقبل اليمن. ومن المتوقع أن يكون موضوع انضمام اليمن للمجلس، أحد أهم مطالب هذا المؤتمر. ومن شأن أي خطوات يتم قطعها في هذا الصدد، أن تؤثر على الداخل اليمني بطمأنته من أن العمليات العسكرية لن تترك اليمن وحيداً بعد الحرب.
تحديات غير سهلة
ومثلما أن انضمام اليمن أصبح ضرورة تفرضها عوامل الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك، والتدخل الأخير على وجه التحديد، فإن العوائق في هذا الجانب ليست سهلة، ولعل أولها أن الحديث عن الانضمام من عدمه يرتبط أولاً بحسم الوضع الحالي في اليمن. وإذا استمرت حالة عدم الاستقرار، فإنها ستتسبب في حرمان اليمن من الانضمام.
وفقاً لذلك، فإن الاستقرار ونشوء حكومة على أرض الواقع مسيطرة ومنسجمة مع الخليج، هو التحدي الأول في طريق انضمام اليمن في هذه المرحلة على الأقل، وهو أبرز التحديات بالنسبة للبلد الذي يعيش مرحلة استثنائية وتكاد تصل فيه الدولة إلى الانهيار التام، وتحت هذا التحدي تنطوي مختلف التحديات المتعلقة بالأمن والاقتصاد والاستقرار السياسي.
أما العائق الآخر، فيتمثل بطبيعة النظام السياسي اليمني واختلافه عن الدول الخليجية، إذ إن نظام الحكم في اليمن جمهوري، ومجلس التعاون يضم عددا من الدول طبيعة أنظمتها تختلف في بنيتها عن النظام في اليمن. وهو أمر يرى بعضهم أنه من الممكن تجاوزه إذا ما توفرت الشروط الأساسية في الأمن ووجود نظام منسجم مع الخليج.
وليست المرة الأولى التي تُطرح مسألة انضمام اليمن، فقد كان الموضوع مطروحاً باستمرار خصوصاً خلال أكثر من عقد مضى، وتم قطع أشواط، حيث انضم اليمن إلى عشر منظمات في إطار مجلس التعاون، وهي مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي، مجلس وزراء الصحة، مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية، دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم، منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، هيئة التقييس لدول مجلس التعاون، هيئة المحاسبة والمراجعة لدول المجلس، جهاز تلفزيون الخليج، لجنة رؤساء البريد في مجلس التعاون، مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك. وكان وزير الخارجية الأسبق، أبو بكر القربي، يحضر العديد من اجتماعات وزراء التعاون الخليجي.
وإذا كان النظام (طبيعته، وظروف نشأته، وسياسات القائمين عليه)، بالإضافة إلى درجة الاستقرار في اليمن خلال العقود الماضية، قد شكلا العائق الكبير أمام الانضمام، فإن العائق ذاته تضاعف اليوم، مع الفارق أن الخليج تدخل عسكرياً بشكل مباشر، ما يفرض عليه التعامل بشكل مختلف يقرّب اليمن بما يضمن ألا يتحول إلى مصدر تهديد مجدداً.
وبينما ستؤدي التطورات السياسية والعسكرية خلال الفترة المقبلة دوراً أساسياً في مسألة تسهيل أو تعقيد احتمالات انضمام اليمن لمجلس التعاون، فإن العامل الاقتصادي لطالما شكّل عائقاً صعّب من إمكانية انضمام اليمن نتيجة التفاوت الاقتصادي الواسع بين دول المجلس من جهة واليمن من جهة ثانية، وهو الأمر الذي كان سابقاً سبباً في بروز أصوات ترى في ضم اليمن عبئاً على دول المجلس.
اقرأ أيضاً: مؤتمر الرياض اليمني: حزب صالح حاضر عبر المنشقّين