لا حديث عن الثقافة في اليمن بمعزل عن الواقع الذي يعني انقساماً حاداً بين الأطراف المتقاتلة منذ ثلاث سنوات، ما ينذر بمزيد من التدخّل الخارجي فيها، وأخبار المجاعة التي تهدّد أكثر من ثلاثة ملايين شخص بحسب أرقام "الأمم المتحدة"، وأخيراً تعرّض الآثار للتلف بسبب عدم وجود صيانة لها ناهيك عن تعرّض مواقع أخرى للتدمير والنهب.
حرب عبثية ربما لم يخترها أحد في اليمن الذي انعطفت فيه الأحداث فجأة عام 2014 ليدخل في الصراعات الإقليمية الدائرة منذ سنوات، لم ينج خلالها المثقفون حيث قرّر كثير منهم الصمت، بينما مارس بعضهم الدعاية والتحريض لصالح إحدى الجهات المتحاربة.
وفشل "اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين" في المرة الوحيدة التي أصدر فيها بياناً في شباط/ فبراير الماضي، حين دعا أعضاءه إلى "إقامة ملتقى وطني يناقش أبرز الأسئلة الراهنة بخصوص مستقبل البلاد لإخراجها من الأزمة الحالية"، حيث ظلّت "الإجابات" حبيسة تردّدها سواء من هم تحت القصف أو في المنافي البعيدة.
أما بقايا المؤسسة الرسمية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي في الشمال أو تحت سلطة الإملاءات الإماراتية والسعودية في الجنوب، فقد واصلت تنظيم احتفالات في المناسبات الوطنية والدينية، فيما يتعرّض كتّاب لاعتداءات دائمة، مثلما حدث مع الكاتب عبد الخالق سيف، الذي أحرقت سيارته في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ربما كان وضع الصحافيين أسوأ، حيث سجّلت السنة 13 حالة شروع بالقتل، بحسب تقارير منظمات حقوقية، بالنظر إلى مغادرة أغلب الكتاب اليمنيين إلى الخارج.
في هذا السياق، تأجّلت إقامة "معرض عدن الدولي للكتاب" أكثر من مرة، ولم يقم خلال العام الماضي، وتكرّر الأمر مع "معرض صنعاء" الذي اتُهمت وزارة الثقافة بنسيانه في ظل الظروف القائمة، إضافة إلى عدم قدرة المكتبات على استيراد الكتب.
غير أن ذلك لم يمنع بعض مجموعات القراء من تأسيس ملتقيات خاصة بهم، مثل "مجموعة عدن تقرأ"، ونادي القراءة في الحديدة أو لحج، وغلب على أنشطتها اختيار كتب عن تاريخ اليمن، كما تورد صفحاتهم على فيسبوك.
غياب الثقافة في مشهد الموت قابله تغييب من مؤسسات عربية لم تلتفت إلى الكتابة والفن في اليمن طوال السنة الماضية سواء في استضافة المبدعين اليمنيين أو استدعاء تجاربهم موضوعاً لفعالياتها، أو في التنافس على الجوائز المتعدّدة، باستنثاء فوز الشاعر اليمني جلال الأحمدي بـ"جائزة محمد عفيفي مطر" في دورتها الأولى في آب/ أغسطس الماضي عن مجموعته "درج البيت يصعد وحيداً".
تهميش طاول الآثار أيضاً منذ بدء الحرب، لكن العام المنصرم كان أقسى مع تعرّض "المتحف الوطني" في عدن للتدمير مع قصفه لأول مرة، كما تم نهب مقتنيات "المعرض الحربي" في صنعاء، وتكرر الحال ذاته مع "متحف تعز"، واستخدمت العديد من المواقع الأثرية، مثل مدينة براقش، كثكنات عسكرية، إضافة إلى الكشف عن مزيد من تهريب الآثار إلى الخارج من دون وجود إحصائيات توثّق أعدادها وتفاصيلها.