انتخابات أكراد سورية: فرض أمر واقع بقوة السلاح وتحذيرات من المشاريع الانفصالية
بدأت القوى الكردية السورية المحسوبة على الحركة القومية الانفصالية، تنفيذ مخططاتها الهادفة إلى فرض أمر واقع في مناطق الإدارية الذاتية في الشمال السوري بقوة السلاح، إذ من المقرر أن تجري "الإدارة الذاتية" الكردية لمناطق الشمال السوري، التي تخضع لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، انتخابات محلية، اليوم الخميس، في مناطق سيطرتها، متجاهلة الخلافات داخل "البيت الكردي" بشأن هذه الانتخابات، واعتراضات من جانب قوى المعارضة والنظام السوري وروسيا.
وتأتي انتخابات الأكراد في سورية قبل أيام من استفتاء إقليم كردستان العراق، في 25 سبتمبر/أيلول الحالي، والذي يواجه ضغوطاً عراقية ودولية لتعطيله أو تأجيله. ويكشف موعد استفتاء كردستان العراق وانتخابات "الإدارة الذاتية" الكردية في سورية عن حجم مساعي القوى الكردية إلى توظيف تصاعد نفوذها العسكري في المنطقة بفعل المشاركة في المعارك ضد تنظيم "داعش" لتكريس أمر واقع سياسي بقوة السلاح.
ويقسم حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية، "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة، المنطقة الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، والتي تضم الحسكة وعين العرب (كوباني) وعفرين، إلى وحدات صغيرة، تدعى "الكومينات"، وتعني حسب تعريفها "وحدة اجتماعية سياسية اقتصادية تؤسس على مبدأ المشاركة العامة وعلى أساس الديمقراطية المباشرة". وتم بحسب مواقع تابعة للحزب توزيع بطاقات انتخابية على المواطنين في تلك المناطق، كما تم عرض صور الهوية الانتخابية الخاصة برئيس الحزب، صالح مسلم. وستجرى اليوم انتخابات "الكومينات" أو "مجالس الأحياء"، على أن تنظم في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل انتخابات الإدارات المحلية (مجالس القرى والبلدات والنواحي والمقاطعات). وفي المرحلة الثالثة، يتم انتخاب "مؤتمر الشعوب الديموقراطية" لكل إقليم من الأقاليم الثلاثة، بالإضافة إلى مجلس آخر، سيكون بمثابة برلمان عام، على رأس مهامه تشريع القوانين ورسم السياسة العامة للنظام الفدرالي. وسيتم عبر الانتخابات اختيار 60 في المائة من الممثلين، بينما يتم تعيين 40 في المائة "وفق مبدأ الديمقراطية التوافقية"، أي العمل بنظام "الكوتا".
وإذا كانت "الإدارة الذاتية" حددت سابقاً المناطق التي سيتم إجراء الانتخابات فيها، والمتمثلة في الحسكة وعين العرب وعفرين، إلا أن "قوات سورية الديمقراطية" تعمل حالياً على توسيع مناطق سيطرتها، إذ تخوض معارك مع تنظيم "داعش" في مدينة الرقة، كما تقدمت نحو دير الزور في حوض الخابور، ووصلت على بعد كيلومترات قليلة من ضفة نهر الفرات الذي يقسم المدينة إلى قسمين. وأخيراً قررت "الإدارة الذاتية" ضم منطقتي الشهباء وتل أبيض إلى الفدرالية المقترحة (روج آفا)، وهو ما يعني أنها باتت تمتد عملياً من نهر دجلة إلى غرب عفرين. ولا تستبعد مصادر كردية ضم محافظة الرقة، التي لا وجود للأكراد فيها، إلى الفدرالية، بغية توسيع مساحتها وثرواتها، وجعلها رقماً مهماً في أية تسوية مستقبلية في البلاد.
ويساعد في إدارة هذه المناطق، بحسب تقارير صحافية وتصريحات لمسؤولين أميركيين، مستشارين من الولايات المتحدة، يقومون بتقديم المعونة والاستشارة في العديد من الأعمال الإنشائية والإدارية. وقد حثت "الإدارة الذاتية" على المشاركة في هذه الانتخابات، معتبرة أنها "النموذج الوحيد المطروح لما يطمح إليه الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة"، وأنها "بمثابة ميلاد جديد للشعوب، وهي أول عملية انتخابية ديمقراطية في تاريخ سورية الجديدة"، وأنها "مهمة، ليس بالنسبة للمكونات الموجودة في شمال سورية فحسب، وإنما ستكون انطلاقة جديدة لكل سورية، لأنها تقوم بتأسيس نظام يحقق لكل السوريين ما يطمحون إليه من المساواة والعدالة والحرية. وهذه الانتخابات ستكون حجر الأساس لسورية فدرالية ديمقراطية".
في موازاة ذلك، هددت اللجان التابعة للمفوضية العليا للانتخابات، المشرفة على انتخابات "مجالس الأحياء"، المواطنين بعدم الحصول على الخدمات اليومية في حال مقاطعتهم للانتخابات المقررة اليوم. ونقلت "شبكة روداو" الإعلامية عن مصادر محلية قولها إن "اللجان الخاصة بتحضير عملية الانتخابات حذرت المواطنين من أن مقاطعة الانتخابات ستعني عدم حصولهم على مواد أساسية، مثل المحروقات، والتي توزع عن طريق المجالس المحلية". وكانت "الإدارة الذاتية" أوكلت إلى المدرسين في 8 سبتمبر الحالي مهمة القيام بتوزيع البطاقات الانتخابية على سكان حيهم، وتعبئة معلومات الاستمارة والبطاقة الانتخابية، على أن تبقى الاستمارة مع المعلم، الذي يدون البيانات الموجودة في دفتر العائلة لكل من تجاوز عمره الـ18 سنة. وقال الناشط من مدينة القامشلي، دليار حمو، لـ"العربي الجديد"، إن "12421 مرشحاً سيتنافسون على رئاسة 3732 كوميناً، في أقاليم الجزيرة والفرات وعفرين". وتقول تقارير إن نسبة المكون الكردي بين مكونات الشعب السوري هي قرابة 1.5 مليون شخص، أي نسبة 8 في المائة، يتوزعون على مختلف المحافظات السورية.
وفي السياق، أكد رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، أن "نسبة العرب، ومعهم الآشوريون السريان والأرمن والشركس والتركمان، في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، هي ما بين 55 و60 في المائة، والأكراد 40 في المائة، وهناك بعض المناطق لديهم أغلبية تزيد عن 50 في المائة مثل عامودا وديريك والقحطانية". وأشار إلى "وجود عمليات تهجير مستمرة من المنطقة تقوم بها المليشيات التابعة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي بحق بعض المكونات، ومنها الآشوري السرياني". وبحسب تقديرات الرئيسة المشتركة لـ"الهيئة التنفيذية لفدرالية شمال سورية" فوزة اليوسف، فإنه "يعيش في الأقاليم الثلاثة نحو ثلاثة ملايين سوري، يشكل الأكراد 50 في المائة منهم، والعرب 45 في المائة، مقابل 5 في المائة من باقي المكونات".
وتواجه انتخابات مجالس الأحياء باعتراضات عدة. وفي السياق، رفض المجلس الوطني الكردي، وهو المكون الآخر الرئيسي في تلك المناطق، إجراء هذه الانتخابات، معتبراً أنها غير شرعية. وأوضح رئيس ممثلية المجلس الوطني الكردي في تركيا، عثمان مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، "أن المجلس الوطني الكردي يرى بأن الحلم السوري يتحقق من خلال إقامة فدرالية سورية، لأنها الحل الأفضل من أجل بقاء سورية موحدة، والحل الأفضل لبقاء سورية كدولة وكوطن، وذلك عبر حوار بين الجميع، يكون مركزه دمشق، وليس بالرصاص". وأضاف أن "هذه الانتخابات تجري من طرف حزب واحد، وتجري في منطقة معينة بعيداً عن دمشق، والفدرالية يجب أن تتم بالحوار مع الشعب السوري وليس بهذا الشكل المنفرد من جهة، أو حزب، أو فصيل معين. نرفض الفدرالية التي تعلن عنها الإدارة الذاتية بغياب بقية مكونات الشعب السوري". وأكد أن "المجلس الوطني يرفض هذه الانتخابات، وأي نتائج تترتب عليها، وهكذا أمر مهم يخص القضية السورية والقضية الكردية، هو شأن سوري وليس شأن فصيل بعينه". وأعلن أن المجلس الوطني الكردي "يرفض تلك الانتخابات لأنه يرى أنها ستزيد في الخصومات والنزاعات والتوترات الحاصلة في المنطقة، وقد تؤدي إلى حرب طويلة لا يتمناها المجلس، فضلاً عن ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بنظام الأسد، وعدم اعترافه بوجود الثورة السورية".
من جانبه، قال رئيس المجلس الوطني الكردي، وعضو الائتلاف المعارض، عبد الحكيم بشار، إن "عدد القتلى الأكراد المخالفين سياسياً على يد مليشيات الاتحاد الديمقراطي خلال ثلاث سنوات تجاوز عدد القتلى الأكراد على يد النظام خلال نصف قرن، وعدد السجناء الأكراد على يد مليشيات الاتحاد الديمقراطي خلال ثلاث سنوات تجاوز أضعافاً مضاعفة عدد معتقلي الرأي لدى النظام خلال نصف قرن". وأضاف "في مثل هذه الظروف، الكل يعرف كيف تكون نتائج الانتخابات. ستكون مزيفة بكل تأكيد". وتدعم حكومة إقليم كردستان العراق، المجلس الوطني الكردي السوري، الذي يتخذ من الإقليم مقراً، وتتواجد فيه قواته المسماة "البشمركة السورية". وكان أجرى احتفالات دعماً لاستفتاء الانفصال عن العراق، يوم الجمعة الماضي، في مدن بمحافظة الحسكة، شمالي شرقي سورية.
وتعتبر بعض القوى السياسية الكردية أن هذه الانتخابات ناقصة الشرعية، لأنها لا تحقق تمثيلاً حقيقياً للنسيج السياسي والاجتماعي في المنطقة، داعية إلى تهيئة الأرضية السياسية قبل إجراء الانتخابات، خصوصاً تبييض السجون من معتقلي الرأي، وتحقيق مشاركة الأطراف السياسية الأخرى، كي تكون انتخابات شرعية.
من جهته، بعث الائتلاف الوطني السوري رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة، يدعو فيها إلى اعتبار الحزب الديمقراطي الكردي وأدواته العسكرية كيانات إرهابية تمارس التطهير العرقي في البلاد. وأكد الائتلاف، في بيان، أن "جميع المشاريع التي تحاك بالالتفاف على إرادة الشعب السوري هي مشاريع باطلة وغير شرعية أو قانونية". وأشار إلى أن "الاتحاد الديمقراطي يحاول تسويق الانتخابات لتمرير مشاريعه في سورية، مصراً على إجرائها، مستخدماً كافة وسائل الترهيب المستوحاة من أساليب عصابة الأسد، والقائمة على مختلف ألوان الضغط والتهديد بحق أبناء الشعب السوري". وحذر المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، خلال اجتماعه مع وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، أول من أمس، من خطورة الدعم الخارجي لـ"المشاريع الانفصالية التي تطرحها أقليات سياسية تتحدث باسم مجموعات سكانية من دون وجه حق"، مؤكداً أنه "سيكون لمحاولة تكرار الوضع العراقي في المشهد السوري تبعات خطيرة على دول الجوار". وذكّر حجاب بالتجارب السابقة، والتي اعتبر أنها تثبت أن "محاولات تحويل سورية إلى عدة كيانات وظيفية ستؤدي إلى المزيد من الفوضى وتبوء بالفشل الذريع، لأنها ستمنع البلاد من ترميم ذاتها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
بدوره، أكد الملتقى التشاوري الأول للقبائل والقوى السياسية السورية في المنطقة الشرقية (دير الزور- الرقة- الحسكة)، في ختام أعماله، أول من أمس، على وحدة الأراضي السورية، لافتاً إلى أن المحافظات الشرقية الثلاث تواجه اليوم مصيراً مجهولاً، في ظل تغييب شبه كامل للقوى والفعاليات الاجتماعية القبلية والفكرية والسياسية العربية في هذه المحافظات، التي تشكل أكثر من 80 في المائة من سكانها. وناشد الملتقى، في بيان، جامعة الدول العربية، ومصر، ودول مجلس التعاون الخليجي، والمنظمات الدولية والإنسانية، تقديم المساعدة لأبناء المنطقة الشرقية المنكوبة للحد من الحالة الكارثية الحاصلة، مشيراً إلى الاتفاق على تشكيل "المجلس العربي في الجزيرة والفرات" ليكون معبِراً سياسياً عن مصالح سكان المنطقة وحقوقهم ودورهم في إدارة شؤون محافظاتهم والمشاركة الفاعلة في رسم مستقبل سورية.