12 مايو 2024
انتخابات الجزائر.. الحراك والجيش
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
ليست عدمية، فلا يوجد أجمل من الجماهير التي تحتشد في الشوارع لغايةٍ نبيلة. ولو لم تكن تلك الجماهير في يوم العطلة في الشوارع، فإنها ستقضي وقتها فرادى في البيوت في راحة وضجر وكسل وملل. وهذه الحشود في الجزائر ليست كرنفالا لبهجةٍ عابرة، تمكّنت، وبخسائر صفر، من إطاحة عصابةٍ متجذّرة في الدولة والقطاع الخاص، ولا تزال سوطا يُلهب ظهور الفاسدين والمتآمرين على البلاد.
عبّر الحراك عن نقاء ثوري، وعقلانية، منذ اليوم الأول، وهو نضجٌ جاء ثمرة تجربةٍ مريرةٍ عاشتها الجزائر، ودُفعت ثمنها دماء غالية، لن تُراق مرة أخرى. وردّ الجيش الجزائري التحية بمثلها. وتجاوب مع معظم مطالب الحراك، وصولا إلى المطلب الأهم، وهو الهيئة المستقلة للانتخابات. واليوم، آن للطرفين أن ينزلا عن الشجرة، على سلم الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
لا يمكن تأجيل الانتخابات بشكل مفتوح، ولا يمكن أيضا استئصال العصابة كاملة. البلد معطّل بلا رأس، والفراغ الموجود إن ملأه الجيش اتهم بالانقلاب، وإن ملأته البيروقراطية الموجودة اتهمت بعودة العصابة. والسؤال الأهم: ما هي العصابة؟ هل يوجد تحديد قانوني وسياسي لها؟ مفهوم سياسي قد يتمدّد ويشمل الآلاف، وقد يتقلص إلى أصابع اليد الواحدة. في تجارب العالم، شاهدنا كيف تعامل الحلفاء بعد الحرب مع الحزب النازي الذي كان يقود ألمانيا، ويتحكّم في مصير أوروبا، لم يحاكم غير مائتي قيادي وفاعل في الحزب، وبقيت عناصرُه تدير الدولة، وكذلك حصل في دول الانتقال الديموقراطي في أوروبا وأميركا اللاتينية.
الكرة اليوم في مرمى الحراك لاختيار شخصية وطنية توافقية، مثل أحمد بن بيتور وغيره من شخصيات وطنية معروفة بموقفها ضد العصابة، وعدم تحزّبها لتيار أو فصيل. يتهم ناشطون الجيش بأن له مرشّحه في الانتخابات، وسواء صحّ هذا الاتهام أم لا فلا يشكل معضلة، طالما أن هيئة الانتخابات مستقلة، والمرشّح المفترض لا يموّل بأموال الدولة ولا يستغل إمكاناتها ولا يزوّر لصالحه، وقد شهدنا في الجارة تونس كيف خسر وزير الدفاع نفسه الانتخابات الرئاسية.
يخسر الجيش الجزائري رصيده وطنيا وعربيا وعالميا إن دخل لاعبا سياسيا، ويُدخل البلاد في عشرية سوداء لا يخرج منها، وهو اليوم حكمٌ نزيه بين اللاعبين، يحظى باحترام العالم وإعجابه. ورصيده هذا ليس بسبب موقفه أخيرا من الحراك، بل في إرثه جيشا حرّر البلاد من أسوأ استعمار شهدته أفريقيا، ومن أسوأ إرهابٍ شهده العصر الحديث في العشرية السوداء.
المواجهة التي خاضها الجيش مع العصابة وامتداداتها الخارجية والداخلية معركة بطولية تسجل له، فالفاسدون ليسوا نكراتٍ بلا جذور في الخارج والداخل. للجنرال خالد نزار الذي قاد العشرية السوداء ارتباطاته بالدوائر الاستخبارية المعادية، تماما كارتباطاته بالجماعات الإرهابية. لأركان العصابة علاقات داخلية وخارجية قوامها المال الأسود والنفوذ والمصالح. لم يكن الجيش قادرا على الانتصار بهذه المعركة، لولا الحراك، وما كانت مطالب الحراك وحدها لتحققها.
لم يبق وقت للانتخابات، ولا بد من بدء منافسةٍ جدّيةٍ وحقيقيةٍ نزيهةٍ قادرةٍ على تقديم الأفضل لموقع الرئاسة. والجزائر لن تُترك وشأنها، فهي بلد أساسي في المنطقة، والمؤامرة عليها حقيقية، والفراغ السياسي هو أفضل بيئة للتآمر الذي تقوده فرنسا وإسرائيل ودول الثورة المضادة التي تريد مجرما كالليبي خليفة حفتر يحكم الجزائر. في اليوم التالي للانتخابات، تبدأ الجزائر استقلالها الثاني، استعادة الوطن من فلول الاستعمار. سيكون الجميع رابحا، الجيش والحراك، وستتفرغ الدولة لمواجهة مشكلات الاقتصاد والصحة والتعليم والمواصلات.. ولا بأس باستمرار الحراك أداة رقابة شعبية.
لا يمكن تأجيل الانتخابات بشكل مفتوح، ولا يمكن أيضا استئصال العصابة كاملة. البلد معطّل بلا رأس، والفراغ الموجود إن ملأه الجيش اتهم بالانقلاب، وإن ملأته البيروقراطية الموجودة اتهمت بعودة العصابة. والسؤال الأهم: ما هي العصابة؟ هل يوجد تحديد قانوني وسياسي لها؟ مفهوم سياسي قد يتمدّد ويشمل الآلاف، وقد يتقلص إلى أصابع اليد الواحدة. في تجارب العالم، شاهدنا كيف تعامل الحلفاء بعد الحرب مع الحزب النازي الذي كان يقود ألمانيا، ويتحكّم في مصير أوروبا، لم يحاكم غير مائتي قيادي وفاعل في الحزب، وبقيت عناصرُه تدير الدولة، وكذلك حصل في دول الانتقال الديموقراطي في أوروبا وأميركا اللاتينية.
الكرة اليوم في مرمى الحراك لاختيار شخصية وطنية توافقية، مثل أحمد بن بيتور وغيره من شخصيات وطنية معروفة بموقفها ضد العصابة، وعدم تحزّبها لتيار أو فصيل. يتهم ناشطون الجيش بأن له مرشّحه في الانتخابات، وسواء صحّ هذا الاتهام أم لا فلا يشكل معضلة، طالما أن هيئة الانتخابات مستقلة، والمرشّح المفترض لا يموّل بأموال الدولة ولا يستغل إمكاناتها ولا يزوّر لصالحه، وقد شهدنا في الجارة تونس كيف خسر وزير الدفاع نفسه الانتخابات الرئاسية.
يخسر الجيش الجزائري رصيده وطنيا وعربيا وعالميا إن دخل لاعبا سياسيا، ويُدخل البلاد في عشرية سوداء لا يخرج منها، وهو اليوم حكمٌ نزيه بين اللاعبين، يحظى باحترام العالم وإعجابه. ورصيده هذا ليس بسبب موقفه أخيرا من الحراك، بل في إرثه جيشا حرّر البلاد من أسوأ استعمار شهدته أفريقيا، ومن أسوأ إرهابٍ شهده العصر الحديث في العشرية السوداء.
المواجهة التي خاضها الجيش مع العصابة وامتداداتها الخارجية والداخلية معركة بطولية تسجل له، فالفاسدون ليسوا نكراتٍ بلا جذور في الخارج والداخل. للجنرال خالد نزار الذي قاد العشرية السوداء ارتباطاته بالدوائر الاستخبارية المعادية، تماما كارتباطاته بالجماعات الإرهابية. لأركان العصابة علاقات داخلية وخارجية قوامها المال الأسود والنفوذ والمصالح. لم يكن الجيش قادرا على الانتصار بهذه المعركة، لولا الحراك، وما كانت مطالب الحراك وحدها لتحققها.
لم يبق وقت للانتخابات، ولا بد من بدء منافسةٍ جدّيةٍ وحقيقيةٍ نزيهةٍ قادرةٍ على تقديم الأفضل لموقع الرئاسة. والجزائر لن تُترك وشأنها، فهي بلد أساسي في المنطقة، والمؤامرة عليها حقيقية، والفراغ السياسي هو أفضل بيئة للتآمر الذي تقوده فرنسا وإسرائيل ودول الثورة المضادة التي تريد مجرما كالليبي خليفة حفتر يحكم الجزائر. في اليوم التالي للانتخابات، تبدأ الجزائر استقلالها الثاني، استعادة الوطن من فلول الاستعمار. سيكون الجميع رابحا، الجيش والحراك، وستتفرغ الدولة لمواجهة مشكلات الاقتصاد والصحة والتعليم والمواصلات.. ولا بأس باستمرار الحراك أداة رقابة شعبية.
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
ياسر أبو هلالة
مقالات أخرى
22 ابريل 2024
18 مارس 2024
07 يناير 2024